تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

((أنا غرست وأبلّوس سقى))مؤسسا المسيحية الحقيقيين . بقلم مصطفى الهادي


((أنا غرست وأبلّوس سقى))
مؤسسا المسيحية الحقيقيين .
شخصيتان لم يسلط الضوء عليهما أحد من قبل وأقصد بهما هذا الثنائي المخيف المثير للجدل والذي وضع اللبنات الأولى للمسيحية كما نراها اليوم .
بولص وأبلّوس . ثنائي عجيب لا تستطيع أن تجمع بينهما نظرا للفارق الهائل في الثقافة فهذا أمي جاهل مأبون باعتراف الكتاب المقدس . وذاك مثقف سطحي متكلم مفواه ذو خط جيد.
شخصيتان يهوديتان أدعيا أنهما اعتنقا المسيحية عن طريق اللقاء بالسيد المسيح بعد وفاته بسنوات طويلة في رؤيا عجيبة وسط صحراء قاحلة لم يكن الشهود فيها سواهما .
ولكن قبل أن نخوض بالموضوع تعالوا لنخوض في نص فلت من أعين الرقيب يُنبأنا بحقيقة دور (شاول الرهيب) بولص ـ فيما بعد ـ وتآمره على دين المسيح ووضعه لحجر أساس الديانة المسيحية بخليطها الحالي .
فماذا يُنبأنا هذا النص ؟؟
يخبرنا سفر أعمال الرسل بأن وجوه اليهود وشخصياتهم الدينية الكبيرة الساينهدريم اجتمعوا ببولص في مدينة رومية وطلبوا من بولس أن يعطي وجهة نظره في محاربة الدين الجديد فقالوا له : (( نستحسن أن نسمع منك ماذا ترى لأنه معلوم عندنا من جهة هذا المذهب أنه يُقاوم في كل مكان )) . راجع سفر أعمال الرسل 28: 16ـ22.
فصرخ بهم بولص رافعا صوته وسط الهيكل وهو يجيبهم : ((أنا غرست وأبلّوس سقى)) راجع رسالة بولص إل كورنثوس الأولى 3: 6 ، 9، 21ما أبشعه من نص انطوت عليه كل رذالات اليهود وتآمرهم التاريخي ضد الفضائل التي جاء بها الرسل .
إذن هذه هي الديانة المسيحية ؟ يهودي غرس ، ويهودي سقى فأنبت عملهما هذا المسخ المشوه الذي نراه اليوم .
فلنأت لنرى حقيقة ما جرى .
لما كان الغالبية العظمى من الناس من المعاصرين لعيسى لا يعرفون شيئا عن ملابسات موته (ع) وقيامته كما يزعم كتبة الكتاب المقدس([1]) ـ طبعا الملهمين من الله عن طريق الروح القدس ـ وكان هؤلاء الناس جاهلين أيضا بتعاليم السيد المسيح لأنه عليه السلام لم يترك شيئا مكتوبا مدونا كما تعترف بذلك النصوص الإنجيلية المزعومة والتي كتبها تلامذته من بعده والموجودة بين أيدي الناس الآن . ([2]) إذن كيف عرف هؤلاء بقتل المسيح وقيامته . هذا إذا رأينا الاضطراب الفاضح في رواية الأناجيل المتعلقة بقتل المسيح وصلبه وقيامته والتي سكت هنا إنجيل بكامله .
فإضافة إلى كتبة الأناجيل الأربعة هناك مبلغون كانوا يدورون في أرجاء الدولة الرومانية لتبليغ الرسالة الجديدة وكانوا يعملون تحت يد بولص مباشرة ، ويبدو أن هؤلاء قد كلفوا بهذه المهمة الخطيرة قبل أن يسبقهم أحد في نشر شيئا عن السيد المسيح . فنشر هؤلاء تلك الاساطير والخرافات المتعلقة بموت المسيح العجائبي وقيامته .
لقد كان لتعاليم بولص الأثر البالغ في نشر الأفكار المسيحية المضطربة ، وعلى ضوء ما يراه هو وكما خطط له المجلس الأعلى للسنهدريم اليهودي كما هو مذكور في النص المذكور آنفا .
الثاني بعد بولص هو (أبلّوس) الاسكندري اليهودي الذي ورد ذكره في الأسفار المقدسة ، هذا الرجل الذي تصفه هذه الأسفار بأنه : شخص لا يفهم التعاليم المسيحية كاملا ، ولكن هذه الاسفار تبرر قيامه بمهمة التبليغ الخطيرة على أنهُ كان سليط اللسان ذو صوت عال مرتفع .
تقول الأسفار المقدسة : بأنه كان لا يفهم إلا معمودية يوحنا([3]) وأنه حتى لا يعرف ماهو الروح القدس ([4]) الذي أشاعه بولص ولكننا نراه يصبح بعد مجرد سنوات قليلة ممثلا جائلا مهما لجماعة القرن الأول لم. على الرغم من الكتاب المقدس يخبرنا بأن بولص كان يصحح أخطاء أبلوس الكثيرة .
أبلّوس هذا يصفه العالم الفرنسي (ف . ف . بروس) ويصف كيفية اهتدائه للمسيحية قائلا : يبدو أنهُ كان رحالا وربما تاجرا متجولا وربما التقى كارزين مسيحيين في احد الأماكن الكثرة التي زراها . إذن أن كل ما هو معروف عن هذا المارد هو كلمات ربما ربما ربما . فلا يوجد شيئ ثابت لإيمانه المسيحي . وهكذا يتم تبرير عملية قيامه بنشر الديانة المسيحية وتبرير عملية ثقافته المسيحية أنه ربما التقى بمبشرين مسيحيين علموه تعاليم المسيح. مع أن ابلوس هذا كان معروفا بيهوديته كما ينقل لنا الدكتور ج . ص . هاوسن حيث يقول : يظهر أن ابلوس أيضا كان يجهل انسكاب الروح القدس يوم الخميس سنة 33 ب.م ومع ذلك كانت لديه بعض المعلومات الصحيحة عن يسوع ولكن معرفته لم تكن بحسب المعرفة الدقيقة. ([5])
ويقول الدكتور هاوسن : ولما بدأ أبلوس هذا يشرح طريق الرب إلى كل من أكيلا وبريسكلا وهما من علماء المسيحية آنذاك ، فقد تصرفا بحكمة إذ لم يحاولا تقويم فهمه الناقص أمام الناس ولكنهما أجريا معهُ عددا من المحادثات الشخصية بهدف مساعدته .
مع كل هذه الاعترافات على جهل الرجل ، يصف الكتاب المقدس ـ طبعا على لسان بولص اليهودي ـ يصف أبلّوس بأنه رجل مقتدر في الكتب ، فيقول : أقبل إلى أفسس يهودي اسمه أبلّوس اسكندري الجنس رجل فصيح مقتدر في الكتب . كان هذا خبيرا في طريق الرب وابتدأ هذا يجاهر في المجتمع . ([6])
أما السر الحقيقي في اشتهار هذا الرجل ـ ابلوس ـ فنابع من كونه الساعد الإيمن لبولص اليهودي أيضا حيث ساهما معا في تشويه وبلبلة ونشر الأفكار المغلوطة والمحرفة عن ديانة السيد المسيح .
فقد كان كل من بولص وأبلوس هما الزارعان والغارسان والساقيان الحقيقيان للديانة المسيحية وخصوصا في أرجاء الدولة الرومانية . ولكن الشيء اللافت للنظر هو أن بولص هذا كان أميا جاهلا لا يقرء ولا يكتب ولا يملك لسانا فصيحا أو خطا جيدا ولذلك اختار ابلوس ليكون يده التي يكتب بها رسائله ولسانه الذي يكرز به بين الأمم وهذه العقدة تدفع بولص إلى الاعتراف بذلك في إنجيله فيقول : ((وإن كنت عاميا في الكلام)). ([7]) هذا الاعتراف صاحبته مرارة في قلب بولص حيث رأى أن الناس بدأوا يميلون إلى ابلوس فأخذته الغيرة منه . فقد ((كان لأبلوس تأثير قوي بين الكورنثيين ، إلا أن كرازته أنتجت للأسف آثارا سلبيه غير متوقعه)). ([8]) فبولص سبق ابلوس الى تلك المنطقة وبلّغ فيها لمدة سنتين ، ولما جاء ابلوس وتكلم في الناس تبينت تفاهة بولص وأميته مما أحدث ردود فعل بين الناس وانشقاقات خطيرة لم يستطيع بولس اخفائها فدونها في رسائله وأعتبرها جزءا من الكلام الموحى به إليه . فقد انشطر الناس إلى أربعة أحزاب وكان ذلك عام 55 بعد الميلاد . فكان البعض يعتبرون ابلوس هو قائدهم لما يتمتع به من قوة في اللسان وجهورة في الصوت . في حين فضل آخرون بولص لأنه أقدم من ابلوس في المنطقة . في حين فضل الحزب الآخر بطرس عليهما الإثنين. والقلة القليلة من الناس استمرت على خط برنابا وهي المسيحية الحقة. ([9])
على الرغم من البون الشاسع بين الرجلين إلا أننا نرى بولص ولأجل المزيد من الحرية في نشر الأباطيل نراه يبعد ابلوس إلى منطقة نائية حيث قام بتحريض أهل أفسس فيكتبون إلى أهل منطقة أخائيه يحضونهم أن يقبلوه . ([10]) فقد أحس بولص بالخطر ، فقد علم بفراسته السبب وراء انقياد أكبر عدد من الناس وراء ابلوس وخصوصا الطبقة المثقفة منهم ، لأن شغف اليونانيين الفطري بالمناقشات الفلسفية والخطب الرنانة جعلهم يفضلون اسلوب ابلوس الأكثر اثارة ، ولكن بولص كان يعرف أن ابلوس كان سطحي المعلومات ولربما سوف يضر أكثر مما ينفع . وقد اشار إلى ذلك العالم الكبير جوزيبا ريتشوني قائلا: انهُ بأسلوب ابلوس الشيق واستعاراته المنمقة نال اعجاب كثيرين من الذين فضلوه على بولص الذي كان خطيبا تعوزه الكلمات الطنانة والبلاغة .
وعندما غادر ابلوس كورنثوس . خشى بولص أن ينقلب عليه أهالي المدينة فيطردوه خصوصا عندما رأى أن أهل المدينة طلبوا من ابلوس أن يزورهم مرة أخرى فكتب رسالة نفاق غامضة انطلت حيلتها على أهالي المدينة فكتب : ((وأما من جهة ابلوس الأخ فطلبت إليه كثيرا أن يأتي إليكم ... ولم تكن لهُ ارادة البتة أن يأتي الآن ، ولكنه سيأتي متى توفق الوقت)). ([11]) ولربما نفهم من نص آخر أن ابلوس اختفى بعد رحيله عشر سنوات لم يظهر فيها في أي مكان كما يذكر عالم اللاهوتيات الألماني ، فرباخ : وحتى ذلك الوقت ن أي بعد مرور حوالي عشر سنوات من التدريب المسيحي ، كان ابلوس قد احرز تقدما كافيا في العمل كممثل جائل للجماعة .
إذن فإن بولص أرسل ابلوس لغرض التدريب والتثقيف من أجل نشر ما يتعلمه من المجامع اليهودية ، ولذلك نرى بولص عندما يظهر ابلوس مرة أخرى لا يتركه وحده يذهب للتبليغ بل يرسل معه شخص آخر ففي رسالة أرسلها بولس إلى أهالي مدينة تيطس: (( طالبا فيها تزويد ابلوس ورفيق سفره زيناس بكل ما يحتاجان إليه خلال رحلتهما)) . ([12])
من خلال ما تقدم نرى أن بولص فقط هو الذي صدر له انجيل ، أما ابلوس المثقف المتكلم فلم يكن له إنجيل ولا نعرف السبب وكذلك فإن تفضيل بولص بهذه الصورة التي تجعله قديسا ورسولا من دون صاحبه ابلوس أمرا باطلا لأن أبلوس وزيناس كانوا يفوفون بولص كثيرا في العلم والبلاغة . يضاف إلى ذلك فإن كتبة الأناجيل الأربعة لم يحضوا بأي تكريم مثلما حضي به بولص شاول حيث رسموه قديسا وادعوا بأنه شاهد المسيح وآمن على يده .
ولكن على أي حال فإن كل لأحابيل انطلت على الناس واعتنقوا بطيبة خاطر كل ما جاء به بولص ورفيقه ابلوس من أباطيل وخرافات جعلت الكتاب المقدس يبدو بهذا الصورة المضحكة الهزيلة . هذا الانتصار الساحق اطلقه بولص على شكل صيحة لم يستطع أن يكتمها فقال : ((أنا غرست وأبلّوس سقى)) . ([13])

المصادر

[1] - طبعا بعد أن فر أخلص أصحابه وحوارييه وأسلموه للرومان يمثلون به ويصلبونه ثالث ثلاثة ـ أي بين لصين كان هو ثالثهما .

[2] - كما يقول لوقا في مقدمة إنجيله بأنه سمع قصصا كثيرة ورأى اناس كثيرين كتبوا ، فاحب أن يكتب هو أيضا عمن نقل إليه .

[3] - معمودية يوحنا ، هي تغطيس من يعتنق المسيحية بالماء فقط .

[4] - راجع سفر أعمال الرسل 19: 1 ـ 7 . حيث يذكر هذا النص وبوضوح جهل أبلّوس بأي ثقافة مسيحية لنه لم يكن ممن شاهد المسيح أو آمن به أو التقى أحد من تلامذة السيد المسيح .

[5] - مجلة برج المراقبة عدد 1/ تشرين الأول / 1996 الطبعة العربية بروكلين أمريكا .

[6]- راجع سفر أعمال الرسل الإصحاح 18 : 24 ـ 26 .

[7] - رسالته إلى كورنثوس الثانية . الاصحاح 11 : 6.

[8] - مجلة برج المراقبة عدد 1/ تشرين الأول / 1996 الطبعة العربية بروكلين أمريكا .

[9] - انظر رسالة بولص الأولى إلى أهل كورنثوس ، الإصحاح 1 : 12 ـ 13 .

[10] - أعمال الرسل الاصحاح 18 : 27 ؛ 19 : 1 .

[11] - رسالة بولس الأولى كورنثوس الاصحاح 16: 12 .

[12] - راجع تيطس الاصحاح 3 : 13.

[13] - رسالة بولص إلى أهالي كورنثوس الأولى ، الاصحاح 3 : 6 ، 9 ، 21 ـ 23 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق