تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

اضواء على مقال(هوامش على اشكالية الوحي وامكانية الاتصال بالمطلق)1 ابن الرافدين14

نشر الاعلامي-سعدون ضمد الكناني- على صفحات مجلة(نثر) الفصلية مقالا تحت عنوان(اشكالية الوحي وامكانية الاتصال بالمطلق) 1,نفى فيه الاتصال بالمطلق(وهو الله تعالى) عبر الوحي على مستوى الامكان والحدوث محاولا ولاثبات ذلك الانطلاق من داخل المنظومة الدينية ومناقشة ادلتها المطروحة في هذا الصدد.
رغم اللغة الحجاجية الهادئة التي وصمت بها المقالة بحيث جعلتها علامة فارقة بين المقالات المنشورة في (نثر) تلك المقالات التي كان طابعها العام التجريح والتسطيح والهجوم اللاذع لا على المسلمين والاسلاميين كما اعتدناه بل على المقولات الاسلامية والمتبنيات الدينية وبلغة شابها الكثير من الهبوط في اغلب مخرجات المجلة.
بالرغم من هذه السمة المنطبعة بها المقالة والتي يشكر عليها الكاتب الا اني اقول وبلغة مقاربة للجزم ان مضامينها جاءت مسطحة للمفاهيم الدينية وبدرجة سافرة جدا, وفي مقالتي النقدية هذه ساعمل على تسليط الضوء على مكامن القصور والتقصير في مقال السيد-سعدون ضمد- تاركا الحكم سلبا او ايجابا للقارئ الكريم.



بعد ان يقسم السيد سعدون الوحي الى مستويين يقول في ص39(أما بالنسبة للمستوى الأول (الذاتي) من مستويات الوحي، فهو مستوىذاتي لأنه يندرج في صنف الملكات التي يدعي بعض الناس امتلاكها ولكنهم

لا يستطيعون إثباتها، كما هو الحال مع ملكة الشعر فالشاعر لا يستطيع أن يجعلنا نلمس شاعريته أو نراها أو نسمعها، لأنها قضية ذاتية بحتة، نعم هو يستطيع أن ينظم لنا قصيدة وهذه القصيدة ستثبت وجود الشاعرية ولا تكشف عنها بصورة مباشرة. وهذا هو حال النبي مع نبوته، فهو يحاول إثباتها بالمعجزة، لكن المعجزة هنا (مع الأسف) لا تشبه القصيدة من ناحية انسجامها مع الشاعرية، فالمعجزة لا تنسجم مع دعوى النبوة، ومن ثم فلا تستطيع النهوض بمهمة إثباتها. وهذا يعني بأن النبي لا يستطيع إثبات نبوته، لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة).

هذا الكلام الذي سجله السيد سعدون ضمد يشابه من حيث المضمون والى حد بعيد ماطرح في بعض مصادر علم الكلام من أنّ دلالة المعجزة على صدق دعوى النبي هل هي دلالة إقناعية او برهانية؟(
ولكن البحث المهم والذي يطرح هنا هو: هل توجد علاقة منطقية ورابطة عقلية بين المعجزة وبين ما يدّعيه النبي بنحو ينتقل العقل والفطرة إلى صدق دعوى النبي بمجرد مشاهدة المعجزة، أو أنّه لا توجد مثل تلك العلاقة المنطقية وانّ تأثير المعجزة في الواقع تأثير نفسي إقناعي فقط، وعلى هذا الأساس لا تكون المعجزة دليلاً كافياً و برهاناً تامّاً لإقناع العلماء والمفكّرين وأصحاب العقول من الناس، بل يحتاج مثل هؤلاء إلى أن يقيم لهم النبي الدليل العقلي القاطع والبرهان الساطع على صدق مدّعاه ليتسنّى له جذبهم إلى الإيمان من خلال هذا الطريق، وأمّا المعجزة فإنّه يستخدمها في مجال هداية وإرشاد العوام من الناس الذين لا يتحلّون بدرجة عالية من الفكر والتعقّل وإنّما يكتفون بظواهر الأُمور ويذعنون بها ويعتبرونها المعيار الأساسي لتمييز الحق عن الباطل. ولقد اعتمد النظرية الثانية ـ مؤخراً ـ أحد الكتّاب المصريين حيث قال ما هذا حاصله:لا يمكن للمعجزة أن تكون دليلاً عقلياً ولا علمياً لإثبات صدق ادّعاء صاحبها، بل هي دليل إقناعي يأتي بها الأنبياء لإقناع الناس وجذبهم إلى الدين والإيمان بالرسالة، حيث إنّ عوام الناس كلّما شاهدوا أمراً خارقاً للعادة قد صدر من إنسان فإنّهم يقعون تحت تأثير ذلك الفعل ويمدّون لصاحبه يد الطاعة والخضوع، والحال انّه لا توجد أيّ علاقة منطقية بين صدور المعجزة وصدق القائم بها. ولذلك ينبغي على الذين يدّعون أنّ المعجزة دليل على حقّانية الدعوى أن يثبتوا وجود العلاقة المنطقية بين القضيتين، وفي غير هذه الحالة فإنّ ادّعاءهم لا يخرج من كونه مجرّد ادّعاء، بل هو شبيه من يدّعي أنّ قيام الطبيب بعملية زراعة القلب ـ و لأوّل مرّة ـ دليل على نبوّته)2

ويستدلّ هؤلاء المتوهمون، على مقالتهم، بأنّ الدليل البرهاني يتوقف على وجود رابطة منطقية بين المّدَّعَي والدليل، وتلك الرابطة غير موجودة في المقام. إذ كيف يكون خرق العادة وعجز الناس عن المقابلة، دليلاً على صدق المدّعي في كونه نبيّاً وحاملاً لشريعة إلهية. إذ لو صحّ ذلك لصحّ أن يقال: إنّ قيام الطبيب بعملية جراحية بديعة، دليلٌ على صدق مقاله في المسائل النجومية والفلكية. أو صدق تخطيطاته السياسية والاجتماعية. ومن المعلوم، انتفاء الرابطة المنطقية بينها.


ولأجل ذلك ـ يضيف المتوهم ـ لا يدلّ قيام المسيح بإحياء الموتى وإبراء المرضى، على صدق ما يدّعيه، بدلالة برهانية. وإنّما يُكتفى به، لأنّ مشاهدة هذه الأعمال العظيمة تجعل للقائم بها في نفوس الناس مكانةً عالية، بحيث يأخذ مجامع قلوبهم ويستولي على ألبابهم، فيقنعهم، ويجلب يقينهم بصدق دعواه.3


ولااعرف ان كان الاستاذ الكناني قد لجأ الى خلفيتة الدينية في الاستفادة من هذا المبحث الكلامي او استفاد من رأي هذا الكاتب مباشرة او لا هذا ولا ذاك وان الامر لايعدو ان يكون محض مصادفة وتوارد خواطر وبالتالي حصل هذا التطابق؟!

وكيف كان فقد علقوا على هذا الكلمات بانها:


لان تكشف عن جهل صاحبها بكيفية دلالة المعجزة
إنّ هذا البرهان يعتمد على أصل مسلّم، وهو أنّ اللّه حكيم، والحكيم لا ينقض غرضه، وبالالتفات إلى هذا الأصل يظهر لنا وبجلاء انّ المعجزة دليل برهاني على صدق دعوى النبوة4,وسيأتي مزيد بيان.


يقول في ص38-39(... 
لابد من الاشارة الى انني لن اتوقف عند الادلة التي ساقها الفلاسفة والمتكلمون حول النبوة لانها ادلة منبثقة من فضاء الوعي الاسلامي المكبل بقيود المسلمات المفروغ من صحتها,والدليل على هذا المضمون هو برهان اللطف الذي ساقه المتكلمون لاثبات دعوى النبوة فهذا الدليل يقوم على مسلمة فكرية تقول بأن الله لطيف ,وهذه المسلمة كما هو معروف مسلمة دينية وهي من افرازات الاديان والنبوات بمعنى أنها كمسلمة متوقف اثباتها على اثبات دعوى النبوة وهذا يعني ان دليل اللطف قائم على مصادرة كبيرة)


هكذا يسقط دليل اللطف عند الاستاذ (ضمد) لانه وببساطة يستبطن مصادرة كبيرة تنبه اليها في الوقت الذي غفلت عنها الاجيال المتواصلة من المتكلميين رغم ان استشفاف المصادرة المزعومة سهل المؤونة قياسا على عمق تفكيرهم ورصانة وعيهم فضلا عن ظهورها -المصادرة- بأدنى تأمل لمن هو خارج الابحاث الكلامية-من مثل الكاتب- فما بالك بمن هو خرّيت هذه الصناعة؟!
ارجو الا يفهم من كلامي هذا اني في صدد لجم الفكر وسد باب التأمل والاقتصار على الموروث الجاهز,كلا والف كلا بل هدفي يرتكز على ضرورة الموضوعية واستفراغ الوسع في التعاطي مع مسائل تمثل حجر الزاوية في الفكر المخالف وعدم تعمد اظهارها بمظهر السذاجة المعرفية والسطحية الفكرية,وهذا كله كان يحتم على صديقنا -سعدون- ان يكون اكثر احاطا بالابحاث المعرفية-الدينية- والماما بادواتها التخصصية,وهو امر نجده غائبا تماما عن مقاله هذا او يكاد كما سنثبت ذلك دليّليا فانتظر.
ان تصوير الاعلامي -سعدون- للمصادرة التي يتضمنها برهان اللطف قائم على اساس ارجاع هذا الدليل الى دائرة الاديان والنبوات باعتبار اتكائه على مسلمة دينية مفروغ من صحتها في رتبة سابقة وهي بالتالي بمثابة المعلوم التصديقي وانا هنا اتحدث عن مقولة -ان الله لطيف- فان هذه المقولة منتج نبوي في حين اننا نريد اثبات النبوة عن طريقها وهذا يسميه -الكناني- مصادرة كبيرة او توقف الشيئ على نفسه بصورة ادق
لقد تصور الكاتب ان مقولة -الله لطيف- هي المسلمة الدينية التي تتكأ عليها قضية اثبات النبوة في حين ان نفس هذه المقولة هي افراز ونتيجة للنبوة والدين,بيد ان هذا التصوير لايخلو من تحفظات متعددة:
الاول: ان برهان اللطف لايؤتى به في الابحاث الكلامية لاثبات دعوى النبوة كما توهم الكاتب بل يذكر عادة لاثبات لابدية النبوة وتفرعها على القول به, ولايهتم برهان اللطف بالبحث عن كون هذه النبوة قد تحققت على الارض ام لم تتحقق تماما كعدم اهتمامه في البحث عن مصاديق النبوة وكون زيد او بكر نبيا او ليس بنبي.
الثاني: ان اللطف بمعنيه المحصل والمقرب5 يشكل افرازا عقليا للايمان بالله تعالى وحكمته وتفضله وجوده ومعلوم ان هذه المقولات ليست مقولات دينية خالصة ولاهي من افرازات النبوة بل هي تنتمي الى المنهج الالهي بمعنى ان كل من امن بالله وحكمته رتب على ذلك الايمان وجوب اللطف منه تعالى من دون ان يعني ذلك ضرورة الايمان بالنبوة والرسالة لمجرد الايمان بحكمة الله ولطفه.
ان هذا ينبغي ان يكون واضحا لاسيما عند قرائتنا للتراث الفلسفي فاننا سنجد كما كبيرا من الفلاسفة والحكماء امنوا بالمقولات السابقة من دون ان يقودهم ذلك-على نحو الضرورة- الى الايمان بالنبوة والرسالة.

الثالث: اقتصار الصديق سعدون على ذكر برهان اللطف ونقده لايخلو من مجافاة للموضوعية البحثية التي توجب عرض مايمكن عرضه من اثباتات معرفية وادلة فكرية يرى المتبني لفكرة ما انها المظلة المنطقية لتبني تلك الفكرة وبالتالي تقيمها موضوعيا ووزنها بميزان العقل والبرهان,اما ان يتم اجتثات ادلة كاملة وغض الطرف عنها بحجة انها تعتمد مسلمات دينية تجعل الاعتماد عليها اشبه بالمصادر فهو امر لايشكل في النهاية الا دعوة غير بيّنة ولا مبيّنة.
وانا هنا استعرض مجموعة من الادلة التي قدمها الفلاسفة والمتكلمون بعنوان -الفهرست- وهي بالنهاية ادلة لا تعتمد على شيئ من المقولات الدينية الخاصة:


1-حاجة المجتمع إلى القانون الكامل


2-حاجة المجتمع إلى المعرفة


3-هداية الفطريات وتعديل الغرائز



4-بعثة الأنبياء أولى من الكماليات


5-اللُّطف الإِلهي 6.



يقتصر الاستاذ الكناني على دليل الاعجاز الذي ساقه الفلاسفة والمتكلمون لاثبات دعوى النبوة-حسب تصوره- ولايفوته ان يبين السر وراء الاقتصار على هذا الدليل فقط وفقط بالقول:
(تأتي اهمية الاقتصار على دليل الاعجاز من انه دليل خال من الارتكاز على المسلمات الدينية فقد ساق النبي هذا الدليل -في حال ثبت انه ساقه- وهو يحاول اقناع الملحدين بصدق دعواه)ص38
لقد عرفنا سابقا نفس-الكاتب- في تحديد المسلمة الدينية من غيرها ومن هنا فاننا نستعين بفهمه للمسلمة الدينية لتقييم كلامه هنا ومعرفة ان دليل الاعجاز ووفقا لمتبنياته هل يستعين بمسلمة دينية من وزان المسلمة التي تحدث عنها في دليل اللطف او لا؟

لقد قالوا في علم الكلام بضرورة وجود رابطة منطقية بين الإعجاز ودعوى النبوة، وتلك الرابطة مرددة بين امرين:



الأول: أنّ الخالق عادلٌ لا يجور، وحكيمٌ لا يفعل ما يناقض الحكمة.


الثاني: أنّ الله تعالى يريد هداية الناس، ولا يرضى بضلالتهم وكفرهم.


ومالم نؤمن باحد هذين الامرين-على الاقل- فلن يؤت الاعجاز اكله في التدليل على صدق صاحبه

وبكلمة اخرى ان –برهان الاعجاز- يعتمد على أصل مسلّم، وهو أنّ اللّه حكيم، والحكيم لا ينقض غرضه, ومن هنا( إنّ مسألة كون اللّه حكيماً يُعدّ برهاناً كلياً على صدق ما يدّعيه الأنبياء في الأُصول والفروع، وانّ ما يدّعونه ليس مخالفاً للواقع بشهادة أنّهم قد زوّدوا بالمعجزة، والحكيم لايمنح المعجزة ـ مطلقاً ـ للإنسان الكاذب....
ولقد أشارت آيات الذكر الحكيم إلى هذا البرهان، كما أشار سبحانه وتعالى إلى صدق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله:
( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقاوِيلِ * لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثَمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحْد عَنْهُ حاجِزينَ )7 .


اذن فالنتيجة التي نخرج بها-وفقا لمتبنيات الكناني- هي اعتماد دليل الاعجاز على مسلمة دينية مفروغ من صحتها وبالتالي فان هذا يوجب رفع اليد عن مناقشته اصلا لانه سيكون والحال هذه مبتلى بنفس ماابتلي به دليل اللطف فهل يرضى صاحبنا سعدون بذلك؟!!
هذا اولا
اما ثانيا فان دليل الاعجاز غاية مايثبته نبوة هذا النبي او ذاك ولا ينتظر منه ان يثبت اصل النبوة الا بضميمة مقدمات ومسلمات أخر,ويفترض ان الكاتب يناقش في اصل النبوة!
ولايفوتنا هنا ان نشير الى التردد الذي ذكره-الاستاذ ضمد- في اقامة النبي الاعجاز شاهدا على نبوته الذي عبر عنه بقوله(-في حال ثبت انه ساقه) ولمعرفة منشأ التردد هذا يحيلنا الكاتب الى هامش ص46 لنرى ان التردد هنا قد صار جزما هناك وهو واضح من قوله:((لااعتقد بان هناك وعي سليم ويعتقد بانه قادر على خرق نواميس الطبيعة لان هذا الخرق غير ممكن,وهذا ماعبر عنه جعفر بن محمد الصادق عندما سئل :هل يستطيع الله ان يضع البحر في قدح فقال :الله يستطيع ولكن القدح لايستطيع,وهو يقصد بان وضع البحر في القدح يستدعي اما تكبير القدح او تصغير البحر وفي كلا الحالتين لن يتحقق المراد فاما ان البحر سيتحول الى جرعة من الماء ومن ثم لن يعود بحرا او ان القدح سيتحول الى اناء بحجم مساحة البحر وبالتالي لن يعود قدحا.وهنا نجد بان الصادق يستهزء بالوعي الذي يصدق بالمعجزة)!
وقد كان على الكاتب ان يسائل المتكلمين والفلاسفة عن مقصودهم من(خرق نواميس الطبيعة),او على الاقل استعراض حججهم ومناقشتها, وان يقيم الادلة والشواهد على حكمه الجزمي(لان هذا الخرق غير ممكن) لا ان يظهر حكمه هذا بمظهر الادعاء الخالي من اي قيمة اثباتية!
وكي يتضح الامر اكثر لابد ان نعرف المقصود من (خرق نواميس الطبيعية) في كلمات المتكلمين وبالتالي نعرف ان الكاتب الكناني استجلى حقيقة الاعجاز اولا:
الواضح من تتبع كلمات المتكلمين في ابحاثهم الكلامية انهم لايريدون من خرق نواميس الطبيعية نفي قانون العليّة والسببية بل خصوص خرق العلل المادية المتعارفة الّتي أنس بها الذهن وألفها، واعتاد الإنسان على مشاهدتها في حياته اليومية. لانه لا يمتنع-منطقيا- أن تكون للمعجزة علّة أخرى لم يشاهدها الانسان من قبل، ولم يعرفها العلم، ولم تقف عليها التجربة,
وبكلمة اخرى:إنّ هناك من الأمور ما تعدّ خارقة للعقل، أي مضادة لحكم العقل الباتّ، كاجتماع النقيضين وارتفاعهما، ووجود المعلول بلا علّة، وانقسام الثلاثة إلى عددين صحيحين... فإنّ هذه أمور يحكم العقل باستحالتها وامتناع تحققها.

وهناك أمور تخالف القواعد العادية، بمعنى أنّها تعدّ محالاً حسب الأدوات والأجهزة العادية، والمجاري الطبيعية، ولكنها ليست أمراً محالاً عقلاً لو كان هناك أدوات أخرى خارجة عن نطاق العادة، وهي المسماة بالمعاجز8.


ترى مالمانع المنطقي الان في خرق نواميس الطبيعة حتى يقال (لان هذا الخرق غير ممكن)؟!
اللافت للنظر ان كاتب المقال يشكك اولا في ادعاء النبي الاعجاز ثم يتحول هذا التشكيك الى جزم كما رأينا اعتمادا على عدم امكانية خرق النواميس الطبيعية وهو دليل ينتمي الى فضاء غير فضاء ادعاء الاعجاز لان الكلام ليس في امكانية خرق النواميس من عدمه حتى يجزم-صاحبي- بالاستحالة بل في ان النبي هل ادعى خرق النواميس او لا؟
سواء كان ذلك الدعاء نتاج الوعي غير السليم -كما عبر في الهامش- او نتاج المعطيات الموضوعية كما يرى المؤمنون بالنبوة(تستحسن الدقة في ملاحظة الخلط!).
يبقى الكلام في ما نسبه للامام الصادق-ع- في تسطيح واضح للاعتقاد بالمعجزة :(:هل يستطيع الله ان يضع البحر في قدح فقال :الله يستطيع ولكن القدح لايستطيع....)!
مع ان الوارد في التراث الامامي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: "قيل لأمير المؤمنين(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لاينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون..)9
و الرواية واضحة في الاشارة إلى عدم تعلق القدرة بالمحال الذاتي لا لنقص في القدرة بل لعدم قابلية المحل, اي ان الفاعل تام الفاعلية بيد ان القابل ليس تام القابلية ,واين هذا من المعجزة التي هي ممكنة في حد ذاتها؟!.


وبكلمة اخرى: ان الحديث يتمحور حول عدم تعلق قدرة الله تعالى بالمحالات من جهة انها محالات وغير ممكنة في نفسها ولانظر اليها الى قدرة الله تعالى ,وهل لذلك علاقة بخرق النواميس الذي تتبناه المباني الدينية؟!
لقد ذكروا في تحديد ماهية الاعجاز:
انه خارق للعادة وليس خارقاً للعقل,وهذا القيد مأخوذ من نفس تعريف المعجزة التي هي:( أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة)10

يقول الكناني ص39
(المعجزة لا تثبت النبوة لأنها تواجه ثلاث عقبات يصعب عليها تجاوزها كلها من أجل أن تحقق وعدها باثبات ما جاءت لإثباته:
العقبة الأولى: أن المعجزات أحداث وقعت قبل آلاف السنين، أي في وقت لم يكن فيه الناس يوثِّقون الأحداث المهمة التي تجري أمامهم بشكل علمي دقيق،
، أي أن المؤثرات العاطفية والآيديولوجية والسلطوية، تؤثر في نقل الحدث، ومن ثم التقليل من شأنه أو تضخيم هذا الشأن. أي أننا يجب أن لا نركن للروايات التاريخية التي تتحدث لنا عن وقوع المعجزات لأننا إذا فعلنا ذلك سنكون ملزمين بتصديق جميع الأساطير والخرافات التي تتحدث عن الأعمال الخارقة التي قام بها أبطال الأمم السابقة. وبما أننا لا نصدق بالأساطير التي تتحدث عن الأعمال الخارقة التي قام بها كلكامش لمجرد أنها مكتوبة على الألواح السومرية، فيجب علينا ألا نصدق الروايات المشابهة لها، لأن الموضوع واحد وليست هناك مبررات كافية للتفريق في عملية الحكم بين الأعمال التي قام بها كلكامش، وبين تلك التي قام بها أي من الأنبياء الآخرين، كإحياء الموتى أو شق البحر أو المعجزات الكثيرة التي تحتفظ بها الكتب التي تتحدث عن معجزات محمد

العقبة الثانية: أن المعجزات ليست أحداثًا تاريخية عادية، بل هي أحداث خارقة للطبيعة وجارية في سياق إثبات دعوى النبوة، التي هي دعوى تحكَّمت، ولا زالت تتحكم، بمصائر الشعوب، ما يعني بأننا بحاجة إلى ناقل يكون دقيقًا، لا فيما يتعلق بنقل الحادثة وحسب، بل وبتأكيد خرقها لقوانين الطبيعة[5]، وهذا لا يتيسر لأي مؤرخ، في حال كان هناك مؤرخ في تلك الأزمنة القديمة.
فبالنسبة لمعجزة إحياء الأموات مثلاً، نحن بحاجة لنوعين من الوثائق التاريخية: النوع الأول هو نتائج فحوص قام بإجرائها أطباء ذوي خبرة يؤكدون لنا خلالها بأن الميت الذي تمت عملية إحيائه، قد تم فحصه من قبلهم وتبين أنه ميت بما لا يدع مجالاً للشك، فهو ليس فاقدًا للوعي بل ميت بشكل تام. أما النوع الثاني من الوثائق فهي الوثائق التي يتركها المؤرخون المحترفون، التي تؤكد حصول واقعة إحياء الميت.
ومنشأ الحاجة إلى مثل هذه الوثائق الدقيقة إننا بمواجهة التثبت من قضية غاية بالدقة والأهمية، هي قضية حدوث عملية الوحي، التي هي عملية تم خلالها انتقال رسالة من المطلق إلى البشر، وهذه العملية بحد ذاتها تعد قضية خطيرة فبسببها أبيدت أمم وسحقت مصائر، وما زالت تفعل فعلها في حاضرنا ومستقبلنا، الأمر الذي يجعلنا مطالبين بتأكيد أو نفي حدوثها بشكل دقيق.
كيف يمكن لنا أن لا نوافق على نقل الأموال من ملكية شخص ميت إلى ملكية ورثته من الأحياء إلا بعد أن نلزمهم بتقديم وثائق تثبت بما لا يقبل الشك كونهم الورثة الوحيدين له؟ مع أن الموضوع يتعلق بأموال تافهة، ثم لا نتعامل بنفس الدقة مع موضوع تعلق ويتعلق بمصائر الأمم؟
الموضوع نفسه ينطبق على المعجزة التي تتعلق بعصا موسى وتحولها إلى ثعبان، فهنا نحن بحاجة إلى من ينقل لنا وجهة نظر السحرة، فهم شهود مهمون في هذا الإطار، شهود ينقلون لنا وجهة نظر تختلف عن تلك التي نقلها أتباع موسى من اليهود، فشهادة اليهود مقدوح بها لأنها تمثل شهادة جانب المدَّعي وليس الخصوم في الدعوى.
إذن وإزاء هذه العقبة لا نستطيع أن نتعامل مع الحكايات التي تتحدث عن وقوع المعجزات كما نتعامل مع الوثائق الدقيقة؛ لأنها في الحقيقة ليست وثائق ولا هي دقيقة في إثباتها لوقوع الحوادث من جهة، ولكونها شكلت خرقًا للطبيعة من جهة أهم. هذه الوثائق تشبه إلى حد كبير الألواح السومرية التي تتحدث عن الأحداث الخارقة التي قام بها كلكامش.

العقبة الثالثة: وهي الأهم، أن المعجزات أدلة أجنبية عن الدعوة التي تساق لإثباتها، ما يعني أن المعجزات أدلة لا تكفي لإثبات النبوة. المعجزات – في حال أنها وقعت – تثبت بأن الأنبياء يستطيعون أن يفعلوا أفعالاً تتجاوز المألوف أو تشكل خرقًا لنواميس الطبيعة، لكن خرق المألوف شيء والنبوة شيء آخر.
بعبارة أخرى: كان على الأنبياء أن يقدموا أدلة تثبت نبوتهم، لأن المعجزات تثبت فقط إنهم كانوا قادرين على فعل الأشياء الخارقة. ومهما فعل الإنسان أفعالاً خارقة فأن عليه إذا أراد أن نصدق بأنه نبي أن يثبت بدليل معقول ارتباط القدرة على فعل الخوارق بالنبوة وحدها....الخ)

اقول: انتهى كلامه بطوله وهو واضح الوهن والضعف و الخلل المنهجي الصارخ وهذا يتضح ضمن مجموعة نقاط:
1- انه يتحدث عن المعاجز المنقولة كأحداث وقعت قبل آلاف السنين وياخذ عليها ان الناس لم يكونوا يوثِّقون الأحداث المهمة التي تجري أمامهم بشكل علمي دقيق-حسب تعبيره-، وواضح ان كلامه هذا لايشمل الذين يعيشون اجواء المعجزة باعتبارهم معاصرين لها ومن البيّن ان اشكالية التوثيق لا تشكل عقبة امامهم للايمان بالمعجزة.
2- انه يخصص الكلام بالمعاجز المادية فقط ولايتطرق الى غيرها ومعلوم ان المعاجز لم تكن يوما منحصرة بالجانب المادي كانقلاب العصا ثعبانا او شق البحر او احياء الموتى وغير ذلك بل كان الجانب المعنوي حاضرا وبقوة وهذا مانراه في دعوة اكثر من نبي:
{وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:49].



{ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين}




(قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ,ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان)يوسف 37-41
(الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ) الروم: 1_5.

ولعل اهم المعاجز المعنوية على الاطلاق هي المعجزة المعرفية التي جاء بها النبي الخاتم –ص- في قرانه الكريم رغم اميّته وانتمائه الى بيئة ساذجة معرفيا


(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الجمعة 2.



3- القران الكريم هو المعجزة الاسلامية الخالدة التي لم تفقد قيمتها على طول الدهر ومر الزمان وبالتالي فان اهميتها الموضوعية في الزمن الحالي باقية على حالها الاول في الزمن السالف(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الاسراء 88, ومن هنا يسقط الحديث عن اشكالية المعاجز المنقولة التي عاصرتها الاجيال الاولى ولم تصل لنا الا انطباعاتهم عنها.





4- ان القول بان الايمان بمعاجز الانبياء لازمه الايمان بالاساطير والخرافات الاولى لانها متحدة من جهة النقل امر في غاية الغرابة وهو يوحي بان الكاتب لم يطلع على تفاصيل بحث المعجزة التي هي (أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة» ) وهو تعريف يحمل شروطا متعددة نقطع بان تلك الاساطير لم تكن واجدة لها حتى لو سلمنا حدوثها مع ان اغلب تلك الاساطير امور غير قابلة للصدق في نفسها وتفتقد للاثباتات التاريخية القطعية,ولااقل ان المعجزة النبوية الوحيدة المعاشة اليوم هي القران الكريم وهو لايصدق عليه كلام السيد سعدون السالف لانه يحمل دليل صدقه معه وعلى الدوام(وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)البقرة23.



5- حديثه عن معجزة احياء الاموات وغيرها لايعدو ان يكون ترفا فكريا لان سلسلة اثباتها منقطعة ونحن انما أمنا بها من جهة اخبار القران الكريم بها ليس الا,يقول المحقق الخوئي-قد-(وقد جرت محادثة بيني وبين حبر من أحبار اليهود تتصل بموضع انتهاء شريعتهم بانتهاء أمد حجتها وبرهانها. قلت له: هل التدين بشريعة موسى (عليه السلام) يختص باليهود أو يعم من سواهم من الأمم؟ فان اختصت شريعته باليهود لزم أن نثبت لسائر الأمم نبياً آخر، فمن هو ذلك النبي؟ وإن كانت شريعة موسى عامة لجميع البشر، فمن الواجب أن تقيموا شاهداً على صدق نبوته وعمومها، وليس لكم سبيل إلى ذلك فان معجزاته ليست مشاهدة للأجيال الآخرين ليحصل لهم العلم بها، وتواتر الخبر بهذه المعجزات يتوقف على أن يصل عدد المخبرين في كل جيل إلى حد يمنع العقل من تواطئهم على الكذب، وهذا شيء لا يسعكم إثباته، وأي فرق بين إخباركم أنتم عن معاجز موسى (عليه السلام) وإخبار النصارى عن معاجز عيسى (عليه السلام) وإخبار كل امة اخرى بمعاجز أنبيائها الآخرين فإذا لزم على الناس تصديقكم بما تخبرون به، فلم لا يجب على الناس تصديق المخبرين الآخرين في نقلهم عن أنبيائهم؟!. وإذا كان الأمر على هذه الصورة فلم لا تصدقون الأنبياء الآخرين.


فقال: إن معاجز موسى ثابتة عند كل من اليهود، والنصارى والمسلمين، وكلهم يعترفون بصدقها. وأما معاجز غيره فلم يعترف بها الجميع، فهي لذلك تحتاج إلى الإثبات.


فقلت له: إن معجزات موسى (عليه السلام) لم تثبت عند المسلمين ولا عند النصارى إلا بإخبار نبيهم بذلك لا بالتواتر فإذا لزم تصديق المخبر عن تلك المعاجز وهو يدعي النبوة لزم الإيمان به والاعتقاد بنبوته، وإلا لم تثبت تلك المعاجز أيضاً، هذا شأن الشرائع السابقة.


أما شريعة الإسلام فإن حجتها باقية تتحدى الأمم إلى يوم القيامة، وإذا ثبتت هذه الشريعة المقدسة وجب علينا تصديق جميع الأنبياء السابقين لشهادة القرآن الكريم ونبي الإسلام العظيم.


وإذن فالقرآن هو المعجزة الخالدة الوحيدة الباقية التي تشهد لجميع الكتب المنزلة بالصدق، ولجميع الأنبياء بالتنزيه)12.

ولايفوتنا قبل مغادرة هذه النقطة ان ننبه الى ماذكره في الهامش 5ص46 قائلا(في هذا السياق يمكن لنا أن نورد مثالاً توضيحيًا يشرح كيف أن نقل الناس للأحداث غير المألوفة ينتابه الكثير من التشويش، وهو نقل لا يستند إليه العقلاء أبدًا، وهذا المثال يتعلق بآلاف الشهادات التي تقدم بها أفراد أو جماعات تتعلق بمشاهدتهم إما لصحون طائرة أو لكائنات فضائية، فمع أن هؤلاء الشهود تجاوزوا الآلاف إلا أنهم لم يقدموا وثائق تتجاوز جميع مراحل الفحص.....)
ونقول : المتواترات هي قضايا تسكن إليها النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع. وذلك بواسطة أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطأهم في فهم الحادثة.
ومن هنا فإن المدار في حصول التواتر( إنما هو حصول اليقين من الشهادات عندما يعلم امتناع التواطؤ على الكذب وامتناع خطأ الجميع), وعلى هذا الاساس لابد لحصول التواتر من تحقق امرين:
اولهما: العدد بحيثل يستحيل عادة التواطى على الكذب والخطأ.
ثانيهما: ان يكون المخبر عنه من المحسوسات او القريبة منها13. 
والملاحظة الجديرة بالذكر انه حتى لو تحقق التواتر فليس من الضروري ان يوجب ذلك تحقق العلم وعليه فان القيمة العلمية انما تثبت لخصوص التواتر المولد للعلم بالنحو الذي شرحناه قبل قليل.
بعد هذا وذاك يمكننا الان ان نفهم سبب عدم تصديق ماينقله السيد سعدون عن الاخبارات المتصلة بالصحون الطائرة والكرامات الدينية وغيرها لانها اما حوادث متعددة لاتولد العلم عادة رغم مايقال عن تواترها المزعوم او قضايا لايمتنع فيها خطأ من شاهدها وغير ذلك, وهذا بخلاف معجزات الانبياء التاريخية لان النقل يتعلق في اغلب الاحيان بتجربة اعجازية منفردة شاهدها الالاف الامر الذي يجعل خطأهم جميعا امرا بعيدا في حساب الاحتمالات الرياضية.



6- ماذكره في مااسماه العقبة الثالثة علقنا عليه سابقا وقلنا :إنّ مسألة كون اللّه حكيماً يُعدّ برهاناً تاما على صدق ما يأتي به الأنبياء من خرق للمألوف والعادة ، لان الحكيم لايمنح المعجزة ـ مطلقاً ـ للإنسان الكاذب، و لازم هذا وجوب تصديق من ظهرت على يديه المعجزة في ادعائه السفارة الالهية والنبوة الربانية .

قال في هامش 6ص (..الدليل الذي يساق لإثبات ارتباط المعجزات بالنبوة هو: أن حدوث المعجزات مرتبط بالله وأن الله لا يمكن أن يمنح المعجزة إلا لأنبيائه، لكن هذا الكلام غير دقيق لأننا لا نستطيع أن نفرق بين الأفعال غير المألوفة وبين المعجزات ومن ثم فنحن لا نستطيع أن نتأكد إن كانت الأفعال التي جاء بها الأنبياء هي من صنف المعجزات التي يعزز بها الله دعوى أنبيائه، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مقولة أن المعجزات مرتبطة بالله وأن الله لا يدعم بها غير الأنبياء، هي مقولة دينية، ومن ثم فإن استخدامها يؤدي إلى الوقوع بمصادرة واضحة)
اقول: وكي لااتهم ذهنية الكاتب بالسطحية فاني اجد نفسي مضطرا الى اتهام صياغته لهذا الدليل بالسطحية لاننا قلنا مرارا ان الرجل لم يستجل كنه المعجزة وشرائطها لذا جره هذا الى ادعاء عدم التفريق بين الافعال غير المألوفة والمعجزات والا فان الفعل غير المألوف واضح لكل احد وهو ان يتحقق فعل ما من سبب خفي يغاير الاسباب التي ألفناها وعرفناها ,اما فرقه عن المعجزة-على القول بتغايرهما- فهو راجع لجملة شرائط مذكورة في الابحاث الكلامية اهمها:

1 ـ الإعجاز يجب أن يكون مقترناً بالدعوى 

2 ـ عجز الناس عن مقابلته
هذا هو القيد ينحلّ إلى أمرين: 

الأول ـ دعوة الناس إلى المقابلة والمعارضة، وطلب القيام بمثله.
الثاني ـ عجز الناس كلهم عن الإتيان بمثله.


3 ـ أن يكون عمله مطابقاً لدعواه.14

ويبقى تعبيره عن هذا الدليل بانه مقولة دينية وبالتالي فالاستدلال به مصادرة واضحة غريبا حقا اذ متى كانت مقولة –الله الحكيم- مقولة دينية بالضرورة؟!
قال في ص40(...مثل الأنبياء في هذا السياق كمثل من يدعي بأنه من سكان كوكب زحل (مثلاً)، ويطالب لهذا السبب بامتيازات مكلفة وكثيرة، وعندما يطالبه الناس بدليل يثبت أنه من سكان كوكب زحل ليستحق تلك الامتيازات فأنه يكتفي بتحقيق أمر خارج عن المألوف أمامهم، كأن يلين أمامهم الحديد أو يحيي ميتًا أو يشق البحر. والحقيقة أن أيًا من هذه الأدلة لا يثبت بأنه من سكان كوكب آخر. لأنها أدلة أجنبية عن الدعوى وغير قادرة على اثباتها....الخ).
 
وقد تقدم اكثر من مرة ان المعجزة مبتنية على اصل موضوعي هو استحالة ان يظهر الحكيم معجزته على يدي الكاذب لما في ذلك من نقض الغرض وعلى هذا تصبح العلاقة بين الاعجاز والنبوة علاقة برهانية,فضلا عن ان ادعاء النبوة لازمه الانفتاح على العلم الالهي والاقتباس منه وهذا موجود في النبوات لاسيما في رسالة الخاتم -ص- مما يعني ان نفس هذا الانفتاح وذاك الاقتباس يمكن ان يعد دليلا اعجازيا ينسجم تمام الانسجام مع دعوى النبوة.
 
قال في نفس الصفحة (...ولذلك سينقسم الناس إزاء هذه الأدلة قسمين:


الأول: سيصدق به ويعتبر أن الأدلة كافية ومناسبة، وهذا القسم يمثل عامة الناس ممن لا يمتلكون قدرة نقدية تؤهلهم فحص مواضيع الإدراك فحصًا موضوعيًا خالصًا من المؤثرات العاطفية. ومثل هؤلاء يكون إيمانهم مجانيًا إلى درجة كبيرة.


-

الثاني: سيكذب هذا المدَّعي ويطالبه بأن يأخذهم إلى كوكب زحل لو كان صادقًا، لأنهم سيعتبرون أن الأفعال الخارقة للمألوف التي قام بها تثبت بأنه قادر على فعل الأشياء غير المألوفة فقط، ولا تثبت أنه من كوكب زحل، فقد يكون على معرفة بقوانين جديدة للفيزياء، أو قد يكون ذا قدرة كبيرة على الإيحاء للناس والتأثير بهم. ولذلك يبقى الدليل الوحيد الذي يناسب الدعوى ويثبتها هو أن يسافر بهم إلى زحل

.(

اقول: بل الامر في قضيتنا عكس ذلك تماما لان القسم الاول هو من يمتلك القدرة النقدية لانه يؤمن ان المعجزة وفعل غير المألوف في طريق ادعاء النبوة والسفارة لايمكن ان يصدرا من مدع كذاب لان ذلك يوجوب نقض مقولة-حكمة الله تعالى-,مضافا الى عجز التفسيرات العادية عن اعطاء تبرير مقنع لصدور غير المألوف على يدي مدع النبوة وبالتالي لايبقى احتمال اخر الا مرجعية الغيب.
 

قال في ص40 (...كيف يمكن لنا أن نصدق ادعاء رجل ما، بأنه جراح بارع في جراحة العيون، لمجرد قدرته على الطيران، أو قدرته على نفخ النار، أو حتى قدرته على نظم قصيدة من ألف بيت يشرح فيها تفاصيل طب العيون! كيف؟
القدرة على الطيران تثبت القدرة على الطيران ولا تثبت التخصص بطب العيون، وكذلك الحال بالنسبة للقدرة على نفخ النار، فهي الأخرى لا تثبت التخصص. أما الألفية فستثبت شاعرية ناظمها وامتلاكه معلومات كبيرة بمجال جراحة العيون ولا تثبت غير ذلك. أما الدليل الذي يثبت الاختصاص في جراحة العيون فهو العملية الجراحية الناجحة التي تُجْرى أمام شهود لعين مصابة. فهذا الدليل لا يكذبه إلا معاند. أما الأدلة الأخرى فلا يقبل بها إلا متعاطف أو مستفيد أو جاهل)

.

اقول :ان تصديقنا بذلك ناتج عن عجز التفسيرات العادية في اعطاء تبرير معقول لهذه الحوادث مما يجعلها بالتالي حوداث غير مألوفة وغير عادية فيصبح الطريق معبدا للاعتماد على الاصل الموضوعي القائل ب( ان الحكيم لاينقض غرضه) بعد تمامية شرائط المعجزة, ومن المعلوم ان جريان هذه الامور غير العادية ولا المألوفة على يدي مدع النبوة زورا و كذبا يوجب التغرير بالناس وغوايتهم واضلالهم وهو مما لايليق بالحكيم ان يسمح به,على ان العجز عن اعطاء تبريرات موضوعية لهذه الحوادث يبثت بما لايدع مجالا للشك بان وراء هذه الحوداث سببا غيبيا خفيا فانه من غير المعقول-مثلا- ان يؤسس شخص امي نشأ في بيئة صحراوية منقطعة الصلة عن العلم والمعرفة-على انخفاضهما في عصره- وبشكل مذهل لمنظومة معرفية تشمل العقيدة والتشريع والاخلاق والغيب والسياسة والاقتصاد ووو....الخ, الامر الذي يجعل العامل الغيبي اكثر العوامل منطقية لاعطاء تفسير معقول لهذه الظاهرة الخارقة.
وهكذا لو جاءنا احد الناس وقال: اني نبي ومنفتح على عالم الغيب ودليل ذلك اني زودت بايات وعلامات لايمكن لاي احد ان يجد لها تفسيرا عاديا اللهم الا اذا امنا بالغيب وتأثيره, فأنا 
(...رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) 
(إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ).ولو جادل المجادلون وشكك المتشككون في هذا وقالوا(إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) فانهم سيكونون والحال هذه اخس حالا ممن اتخذ السفسطة منهجا فأنكر وجود العالم على سعته.
 
 
 

قال في نفس الصفحة (هذه الحقيقة تذكرني بأهل مكة ممن واجهوا النبي بتهمة الشعر أو السحر والشعوذة، فقد يكون بعض هؤلاء من المرجفين، ممن لا هم لهم إلا تسفيه آراء الآخرين حسدًا أو جهلاً أو حقدًا، لكن قد يكون بعض منهم أولي رؤية نقدية. هناك من أهل مكة من اتهم النبي بأنه شاعر، وربما أن هؤلاء لم يجدوا في القرآن دليلاً كافيًا لإثبات النبوة، لأن القرآن يدل على أن محمد شاعر أو أديب فقط. ومن أهل مكة من اتهم النبي بالسحر والشعوذة ويبدو أن هؤلاء كانوا بمواجهة أفعال خارقة للمألوف وهي عندهم تدل على قدرات سحرية فقط).
اقول:


كان على من وصفهم السيد سعدون ب(اولي رؤية نقدية) ان يجدوا تفسيرا معقولا لظهور القران الكريم بثقافته الفريدة على يدي النبي الامي -ص-
وهو الذي لم يساهم قبل البعثة حتى في ألوان النشاط الثقافي العادي الذي كان شائعاً عندهم من شعر وخطابة فقد مكث فيهم أربعين سنةً ولم يعهدوا له مشاركةً في حلبة أدبية ، ولا تميّزاً في أيّ فنّ من فنون القول1
فضلا عن تبرير عجزهم عن معارضته رغم انهم قد بلغوا في الصناعة الادبية مبلغا لم يحدثنا التأريخ ان احدا قبلهم ولابعدهم قد بلغه ومع هذا كله غضوا الطرف وطأطؤا الرأس اما تبكيتات القران لهم :﴿ قُل لَئِن اجتَمَعت الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ لا يأتُونَ بِمثلِهِ ولو كَانَ بَعضُهُم لِبَعض ظَهِيراً ﴾ . الإسراء: 88 .
﴿ أم يَقُولُونَ افتَراهُ قُلْ فأتُوا بِعشرِ سُوَر مِثلِهِ مُفترَيات وادعُوا مَن استَطَعتُم من دُونِ اللهِ إن كُنتُم صادقين ﴾ هود: 13 .
﴿ وإن كُنتُم في رَيب ممّا نَزَّلنا على عَبدِنا فأتُوا بِسُورة مِن مِثلِهِ وادعُوا شُهَدَاءَكم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِين ﴾ البقرة: 23 .
أعلن النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك وكرّره على مجتمع لم يعرف صناعةً كما عرف صناعة الكلام ، ولم يتقن فنّاً كما أتقن فنّ الحديث ، ولم يتعوّد على شيء كما تعوّد على مجابهة التحدّي والتغنّي بالأمجاد ، ولم يحرص على أمر كما حرص على إطفاء نور الرسالة الجديدة وتطويقها ، ومع ذلك كلّه لم يشأ هذا المجتمع الذي واجه تلك التحدّيات الكبيرة أن يجرّب نفسه ، ولم يحاول أن يعارض القرآن بشيء إيماناً منه بأنّ الأدب القرآني فوق قدرته اللغوية والفنيّة2 .
والطريف انهم اتهموا النبي -ص- ب(الشاعرية) في سلسلة ماتهموه به وهو اتهام يجعل امر معارضته سهلا عليهم للغاية لكنهم مع هذا عجزوا عن معارضته رغم ان المطلوب منهم لم يكن يتعد الاتيان بسطر واحد مضاهاة للقران الكريم!!
ان من يؤمن من مشركي العرب بان هذا القران فوق قدرتهم اللغوية والفنية وإنّه لا يشبه إطلاقاً ما ألِفوه من أساليب البيان ، وما نشأوا عليه وأتقنوه من طرائق التعبير ، حتى قال قائلهم حين استمع إلى القرآن: « والله لقد سمعت كلاماً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجنّ ، وإنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو وما يُعلى ، وإنّه ليحطم ما تحته3

من يقول ذلك منهم فان نعته عند السيد سعدون ضمد سيكون(.... متعاطف أو مستفيد أو جاهل),اما من يكابر ويعاند ويتخبط ويجانب الموضوعية ويقول(كاهن,مجنون,معلم,شاعر ....الخ) فانه سيكون والحال هذه(قد يكون بعض منهم أولي رؤية نقدية)!!!.

 
قال في نفس الصفحة( كان أصحاب تهمتي الشعر والسحر يطالبون النبي بأن يثبت النبوة بدليل مرتبط بدعواها، والدليل الأكثر كفاية هو أن يعيد أمامهم تكرار عملية الاتصال بالمطلق. ولأن الاتصال ذاتي، بمعنى أنه متعلق بأحاسيس ومشاعر النبي، فهذا سيؤدي إلى أن يُلزم النبي بتعريض كل فرد منهم لتجربة تجعله يشعر بالنبوة، وهذا ما لا سبيل إلى تحقيقه، لأنه خارج عن قدرات النبي، ولأنه سيؤدي إلى تمكن جميع الناس من تحقيق شروط الاتصال بالمطلق، وهو ما ينفي الحاجة إلى النبي(.
اقول : لم يات السيد سعدون بدليل يتكأ عليه كلامه المتعلق ب(بأن يثبت النبوة بدليل مرتبط بدعواها، والدليل الأكثر كفاية هو أن يعيد أمامهم تكرار عملية الاتصال بالمطلق) بل ماحكاه القران الكريم عنهم هو مطالب تعجيزية من قبيل:
(وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)

 
"وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) 
(وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا)

 
اما قوله:(ولأنه سيؤدي إلى تمكن جميع الناس من تحقيق شروط الاتصال بالمطلق، وهو ما ينفي الحاجة إلى النبي) فهو مشعر بان النبوة لاتتقوم الا بوجود من ينقل اليه خبر السماء وهو غير تام لانها-اي النبوة- تنسجم حتى مع انتفاء وجود مرسل اليه4.
 

قال في ص40(عجز المعجزات عن إثبات تحقق النبوة وحاجة النبي لتكرار عملية الوحي يؤكد أن إثبات النبوة يتضمن نفيًا لها بشكل مباشر. فمما لا شك فيه أن النبوة تقوم على نحو من أنحاء تمييز النبي لنفسه عن بقية البشر، بمعنى أن دعوى النبوة، التي هي دعوى مباشرة يدعيها النبي، تتضمن دعوى غير مباشرة لا يجاهر بها، وهي دعواه بأنه مميز عن باقي البشر إلى درجة تؤهله للتواصل مع المطلق دونًا عنهم، الأمر الذي يؤدي إلى أن النبي الذي يريد أن يثبت دعواه من خلال تعريض الآخرين لتجربته نفسها التي مر بها سينفي عنه التميز، فكل هؤلاء الذين يمرون بنفس تجربته سيتحولون إلى أنبياء، ما ينفي حاجتهم إليه وإلى نبوته

(.
اقول:
لااعرف ماذا سيفهم السيد سعدون من هذه الايات القرانية:
﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
 
ياايهاالنَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًاً)
"


(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)


)

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ

)

وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)

 
ذرية"(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين 
بعضها من بعض والله سميع عليم) 
بعد هذا تعرف قيمة كلام السيد سعدون(تتضمن دعوى غير مباشرة لا يجاهر بها، وهي دعواه بأنه مميز عن باقي البشر إلى درجة تؤهله للتواصل مع المطلق دونًا عنهم)!.
قال في ص41 مستشهدا بحادثة الزركة
(.....والمهم بالموضوع أن المعركة التي راح ضحيتها الكثير من المدنيين من أتباع هذا الداعية لم تلق معارضة من قبل المؤسسة الدينية الشيعية في النجف، مع أنها معنية بالموضوع من جهتين، الأولى أن الضحايا شيعة، والثانية وهي الأهم، أن الدعوة تقع في سياق عقيدة الإمام المهدي وهي عقيدة أساسية بالنسبة للشيعة، بمعنى أن الشيعة يصدقون ببقاء الإمام المهدي حيًا وبذلك يكون احتمال وجود ممثل أو نائب عن هذا الإمام احتمالاً واردًا بالنسبة لهم، ولذلك سنكون بمواجهة سؤال مهم: (لماذا لم تتحرك المؤسسة الدينية الشيعية العراقية اتجاه فحص مدى صدق مدَّعي هذه الدعوى؟) السبب واضح بالتأكيد، وهو أن مثل هذه الدعاوى لا تلق آذانًا صاغية لدى المؤسسات العلمية ولدى النخب المثقفة، لأنها دعوى غير قابلة للتصديق، وهذا يعني أن سلوك المؤسسة الدينية – وهي تستبعد أي احتمال في أن يكون داعية (الزركة) صادقًا – كان أقرب إلى سلوك مشركي قريش منه إلى سلوك أوائل المؤمنين بدعوى النبوة، وهذا يعني بأن أغلب من سارع إلى الإيمان بنبوة محمد كانوا أشخاصًا لا علميين تمامًا)


.
اقول:
لااريد الوقوف كثيرا امام هذه النقطة بيد اني اكتفي بان انبه الى ان عدم اكتراث الحوزة بهذه الدعوى ليس راجعا الى ادعاء الرجل المهدوية فقط بل لانه ادعى ماتنفيه المسلمات الدينية والتأريخية بان قال:(انه الابن الصلبي لعلي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء -عليهما السلام- وانه الاخو الثالث للحسن والحسين -ع- وان نطفته كانت في السماء ....الخ) وغيرها من ترهات لايصدقها عقل رشيد,واين هذا من دعوى النبوة التي لاتوجد مسلمة قبيلية تحكم باستحالتها سلفا فضلا عن كونها معززة بالشواهد والمعاجز؟
نعم من ييتبعون الادلة ويصدقون المعاجز ويرون ان معجزات من مثل:(


أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) شاهد صدق على نبوة الانبياء واتصالهم بالسماء فهولاء وامثالهم تقيممهم عند صديقنا -سعدون-( لاعلميين تمامًا),اما اولئك الذين واجهوا هذه المعجزات بتهم ساذجة من قبيل السحر والكهانة والجنون والشاعرية ووو... فهولاء موضوعيون جدا لان( مثل هذه الدعاوى لا تلق آذانًا صاغية لدى المؤسسات العلمية ولدى النخب المثقفة، لأنها دعوى غير قابلة للتصديق)!!
ترى اي الفريقين موضوعي وعلمي؟
من يؤمن ان وراء قيام انسان ما بابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى والاخبار بالمغيبات(

وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) وهكذا الاخراج من كتم العدم الى نور الوجود(أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ), وصيرورة البحر طريقا يبسا ونجاة المطلوبين وهلاك الطالبين بمجرد ضربه بالعصا( أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* ان في ذلك لآية, وما كان أكثرهم مؤمنين)}. 
وتدفق الماء العذب من الحجر الاصم عند تكرر ضربه بالعصا وشرب الجموع الغفيرة منه حد الارتواء (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ),وعجز فحول الادب وأمراء البيان بل موجودات العالم المادي قاطبة عن مضاهاة نص ادبي في سطر واحد:﴿ قُل لَئِن اجتَمَعت الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ لا يأتُونَ بِمثلِهِ ولو كَانَ بَعضُهُم لِبَعض ظَهِيراً ﴾ . 
﴿ وإن كُنتُم في رَيب ممّا نَزَّلنا على عَبدِنا فأتُوا بِسُورة مِن مِثلِهِ وادعُوا شُهَدَاءَكم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِين ﴾
اقول من يؤمن ان وراء كل ذلك سببا الهيا غيبيا ام من ينسبها الى السحر والشعوذة والجنون؟
الحكم لكل من(كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).
 

قال في نفس الصفحة(....عندما لا يملك صاحب الدعوى التي تنطلق عن – أو تستند إلى – أسس ذاتية، غير صدقه دليلاً على دعواه فيجب عليه ألا يعتب على من يشك به، لأنه هو نفسه إذا وضع بنفس الموقف سيسلك نفس السلوك، وهذا ما حدث مع مسيلمة الذي ادعى النبوة في زمن محمد وحكم عليه محمد بأنه كذَّاب. ولم يكن حكم محمد قاسيًا بقدر ما أن حكم المؤمنين بنبوة محمد والمؤمنين بنبوة مسيلمة كان حكمًا متساهلاً لأنه لم يطالب ببراهين تكفي لإثبات النبوة

(.
اقول:
اما عدم وجود دليل على صدق النبوة فهو ادعاء لايملك شاهدا ولامؤيدا بل القرائن والادلة القطعية على خلافه واولها المعاجز التي رأتها الاجيال رأي العين ولامستها ملامسة اليد ومازال بعضها يقرع اسماع الدنيا الى يومنا هذا:


﴿ وإن كُنتُم في رَيب ممّا نَزَّلنا على عَبدِنا فأتُوا بِسُورة مِن مِثلِهِ وادعُوا شُهَدَاءَكم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِين).
اما القول( ولم يكن حكم محمد قاسيًا بقدر ما أن حكم المؤمنين بنبوة محمد والمؤمنين بنبوة مسيلمة كان حكمًا متساهلاً لأنه لم يطالب ببراهين تكفي لإثبات النبوة)
اقول:
بعد تجاوز مهازل ادلة مسيلمة وترهاته التي حفظها لنا التأريخ فلا بد من نفي الحاجة الى مطالبته ببراهين تكفي لاثبات نبوته كما يعبر السيد سعدون لان المؤمن بنبوة محمد-ص- ورسالته يعتقد انها خاتمة الرسالات والا نبي بعده


(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا),وهذا يستبطن الحكم بكذب مدع النبوة بعد الخاتم -ص- اذن لاحكم قاسي ولامتساهل ولا هم يحزنون. 
 
 
قال في ص41(بالنسبة لمحمد كان مسيلمة كاذبًا لأنه غير قادر على إثبات دعواه، لأنها دعوى ذاتية......
...... لكنه في الوقت ذاته لا يشعر بنبوة مسيلمة، بالتالي لم يكن أمامه غير مطالبة هذا الأخير بدليل يثبت دعواه. ولأن النبوة لا يمكن اثباتها، ذهب محمد تجاه الحكم الصائب، وهو: (مسيلمة كذاب وليس نبيًا)
.
 
قوله(بالنسبة لمحمد كان مسيلمة كاذبًا لأنه غير قادر على إثبات دعواه، لأنها دعوى ذاتية.......بالتالي لم يكن أمامه غير مطالبة هذا الأخير بدليل يثبت دعواه. ولأن النبوة لا يمكن اثباتها، ذهب محمد تجاه الحكم الصائب، وهو: (مسيلمة كذاب وليس نبيًا..)
لانعرف مستندا لادعاء السيد الكناني بان النبي الاكرم -ص- طالب مسليمة الكذاب بدليل على صدق نبوته المزعومة بعد كونه طلبا غير قابل للتصديق في نفسه اذ كيف ينسجم هذا الطلب مع ضرورة الاسلام التي كان النبي -ص نفسه يجاهر بها اناء الليل واطراف النهار(لانبي بعدي)؟!
من هنا فليست قضية كذب مسيلمة مرتبطة بعدم اقامة دليل على دعواه كما يتخيل سعدون ضمد ويقول(بالنسبة لمحمد كان مسيلمة كاذبًا لأنه غير قادر على إثبات دعواه) لان جعل المناط في الحكم بكذب مسيلمة عدم اقامة الدليل يمكن معه افتراض صدقه واقعا رغم عدم اقامته دليل على نبوته, بل لان القضية في ابسط ملابساتها تصادم الضرورة الدينية القائلة بختم الرسالات وسد باب النبوات.
ويبقى قوله:(ولأن النبوة لا يمكن اثباتها، ذهب محمد تجاه الحكم الصائب، وهو: مسيلمة كذاب وليس نبيًا..)
متكأ على اعتقاد عدم نبوة الخاتم -ص- او عدم الالمام بحقيقة مقام النبوة بل ولامعرفة الطبيعة المحمدية-ص- حتى لو جردناها عن البعد الرباني5 لذا لجأ الى هذا التفسير الذي يصور الشخصية النبوية تصويرا يتوقف معه حكمها بكذب مدع النبوة على عدم اقامة هذا المدعي اي دليل لاثبات رسالته!
 
 
 
 

قال في ص42(من المعروف بأن محمد كان يتكلم اللغة العربية، ما يعني بأن الاتصال به غير ممكن إلا عن طريق هذه اللغة، ولذلك جاء القرآن باللغة العربية، فهل اللغة العربية – وبوصفها أداة التواصل التي تم اعتمادها بين المطلق والنبي – أداة قادرة على تحقيق شروط اتصال بهذا الحجم وهذه الأهمية؟).
 
اقول:
هكذا صوّر السيد سعدون الوحي تصويرا ساذجا بان جعل الرب تبارك وتعالى لايتواصل مع انبيائه ورسله الا عبر اللغة التي يفهمونها فقط وفقط!
لو كلف الرجل خاطره وصرف القليل من وقته ويمم وجهه تجاه الابحاث الكلامية والفلسفية للمس لمس اليد وعورة البحث ودقته وعمقه وتشعبه ولكان ذلك اكثر فائدة من لجوئه الى تسطيح ظاهرة الوحي, الامر الذي يوحي بان الهدف من وراء ذلك هو قطف ثمار نتائج لا تترتب الا على اخراج هذه الظاهرة بصورة سطحية و ساذجة!
تعددت النظريات6 واختلفت في استجلاء ماهية الوحي وحقيقته ولم تات واحدة منها بما تركن له النفس ويطمئن لمضمونه القلب,لذا لا مناص لنا دون الاعتماد على المورث الديني -الذي يفترض ان السيد سعدون يحاور هنا استنادا له-,على ان هذا الموروث لايزودنا باكثر من اعتبار

الوحي ظاهرة روحيَّة قد توجد في آحاد من الناس يمتازون بخصائص روحيَّة تؤهّلهم للاتّصال بالمَلأ الأعلى ، إمّا مكاشفةً في باطن النفس أو قرْعاً على مسامع ، يحسّ به الموحى إليه إحساساً مفاجئاً يأتيه من خارج وجوده ، وليس منبعثاً من داخل الضمير ، ومن ثمَّ لا يكون الوحي ظاهرة فكرية تقوم بها نفوس العباقرة ـ كما يزعمه ناكروا الوحي ـ كلاّ ، بل إلقاء روحانّي صادر من محلٍّ أرفع إلى مهبطٍ صالحٍ أمين .
قال تعالى : ( أَكَانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّاسَ ) 
نعم ، شيء واحد لا نستطيع إدراكه ، وإن كنّا نعتبره واقعاً حقّاً ، ونؤمن به إيماناً 
صادقاً ، وهو : كيف يقع هذا الاتّصال الروحي ؟ هذا شيء يخفى علينا إذا كنّا نحاول إدراكه بأحاسيسنا المادّية ، أو نريد التعبير عنه بمقاييسنا اللفظية الكلامية ، إنَّها ألفاظ وُضِعت لمفاهيم لا تعدو الحسّ أو لا تكاد ، وكلّ ما باستطاعتنا إنَّما هو التعبير عنه على نحو التشبيه والاستعارة ، أو المجاز والكناية لا أكثر ، فهو ممّا يُدرك ولا يوصف



فالوحي ظاهرة روحية يدركها مَن يصلُح لها ، ولا يستطيع غيره أن يصِفها وصفاً بالكُنه ، ما عدا التعبير عنها بالآثار والعوارض هذا فحسب7

.
نعم مانعرفه ان محل الوحي هو قلب النبي 
نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } *
{


عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِين

والمراد بالقلب المنسوب إليه الإِدراك والشعور في كلامه تعالى هو النفس الإِنسانية التي لها الإِدراك وإليها تنتهي أنواع الشعور والإِرادة دون اللحم الصنوبري المعلق عن يسار الصدر الذي هو أحد الأعضاء الرئيسة كما يستفاد من مواضع في كلامه تعالى، كقوله:
{


وبلغت القلوب الحناجر }[الأحزاب: 10]، أي الأرواح، وقوله:
{

فإنه آثم قلبه }
[

البقرة: 283]، أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الإِثم إلى العضو الخاص.
ولعل الوجه في قوله: { نزل به الروح الأمين على قلبك } دون أن يقول: عليك هو الإِشارة إلى كيفية تلقيه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن النازل عليه، وأن الذي كان يتلقاه من الروح هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواس الظاهرة التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية.

فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى ويسمع حينما كان يوحى إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمى برحاء الوحي.

فكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم حاستي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما.

ولو كان رؤيته وسمعه بالبصر والسمع الماديين لكان ما يجده مشتركاً بينه وبين غيره فكان سائر الناس يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه، والنقل القطعي يكذب ذلك فكثيراً ما كان يأخذه برحاء الوحي وهو بين الناس فيوحى إليه ومن حوله لا يشعرون بشيء ولا يشاهدون شخصاً يكلمه ولا كلاماً يلقى إليه.8.

 
 
قال في ص43-44 (...القصد أن منظومة وعي البشر تستقبل المعلومات من خلال (دائرة استقبال) وهذه الدائرة مكونة من مجموعة من المفاهيم، وأية معلومة لا يكون في دائرة الاستقبال مقابل لها من المفردات والمفاهيم يستطيع أن يصنع صورة ذهنية مفهومة عنها، فإن عملية استقبالها ستكون مشوشة أو غير ممكنة. فكيف يمكن لنا أن نقرب لإنسان ما قبل التاريخ معنى النظرية النسبية؟).
 
اقول تصويرات السيد سعدون لظاهرة الوحي وحقيقته تدور في فلك العلم الحصولي وعالم المفاهيم منطقيا بينما دائرة هذه الظاهرة واستنادا الى ماتقدم غير هذه الدائرة جزما لان

الذي يتلق الوحي و الروح هو نفس النبي من غير مشاركة الحواس الظاهرة في شيئ من ذلك فضلا عن المكاشفات الروحية ورؤية ملكوت الاشياء بالحواس الباطنية:(وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين)..

قال في ص(هذه النتيجة تجرنا مباشرة لحقيقة مهمة جدًا على صعيد قدرة الوعي البشري على تحقيق قفزات هائلة فيما يخص استقبال معلومات ومعارف جديدة تمامًا
فهذه القفزات غير ممكنة لأن منظومة الاستقبال ستكون مشلولة أمامها.....الخ) 
وقال في ص44 (وهذا العجز نجد صداه في آيات القرآن التي تحاول أن تنقل طفرة معرفية من خلال تصديها لتصوير القدرة المطلقة، فالآيات التي حاولت أن تصور (نور الله) بدت عاجزة عن الخروج من ضائقة المفاهيم البشرية الضيقة والمحصورة بخبرة البشر، وهي إذ تحاول أن تعطي صورة مضخمة للنور الإلهي نجدها في النهاية عاجزة عن الخروج بصورة هذا النور عن صورة المصباح الذي كان يستخدمه أهل الجزيرة العربية في إضاءة بيوتهم، فهي تقول: "مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور


"
لاحظ أن المفاهيم المستخدمة في عملية التفسير هي المفاهيم الموجودة في وعي المتلقي: (نور، مشكاة، مصباح، زجاجة، كوكب دري، شجرة مباركة، نار). وهذه المفاهيم عملت على تشويه المعرفة المُدَّعى نقلها عن المطلق، لأنها نزلت بهذه المعرفة لحدود المعرفة البشرية المألوفة، وبذلك فشلت عملية رفد الوعي البشري بمعلومات جديدة – تتعلق بقدرة الله ومدى سطوع نوره – لم يعرفها سابقًا....الخ).
اقول:
1-ان كل منصف ومتابع للوضع العالمي السائد في عصر البعثة النبوية يجد بادنى تأمل ان الرسالة الالهية التي حملها النبي الاعظم -ص-تمثل طفرة معرفية عظيمة وانعطافة كبرى في تأريخ الدنيا ,فهذه الرسالة الربانية وفي بعض خصائصها وميزاتها قد

جاءت بنمط فريد من الثقافة الإلهية عن الله سبحانه وتعالى وصفاته وعلمه وقدرته، ونوع العلاقات بينه وبين الإنسان، ودور الأنبياء في هداية البشرية ووحدة رسالتهم، وما تميّزوا به من قيم ومثل، وسنن الله تعالى مع أنبيائه، والصراع المستمرّ بين الحقّ والباطل، والعدل والظلم، والارتباط الوثيق المستمرّ لرسالات السماء بالمظلومين والمضطهدين، وتناقضها المستمرّ مع أصحاب المصالح والامتيازات غير المشروعة.
وهذه الثقافة الإلهية لم تكن أكبر من الوضع الفكري والديني لمجتمع وثنيمنغمس في عبادة الأصنام فحسب، بل كانت أكبر من كلّ الثقافات الدينية التي عرفها العالم يومئذ، حتى إنّ أيّ مقارنة تبرز بوضوح أ نّها جاءت لتصحّح ما في تلك الثقافات من أخطاء، وتعدّل ما أصابها من انحراف وتعيدها إلى حكم الفطرة والعقل السليم.
.....و جاءت بقيم ومفاهيم عن الحياة والإنسان، والعمل والعلاقات الاجتماعية، وجسّدت تلك القيم والمفاهيم في تشريعات وأحكام. وكانت تلك القيم والمفاهيم وهذه التشريعات والأحكام ـ حتى من وجهة نظر من لا يؤمن بربانيتها ـ من أنفس ومن أروع ما عرفه تأريخ الإنسان من قيم حضارية وتشريعات اجتماعية
..... نحن نواجه هنا طفرةً هائلةً وتطوّراً شاملا في كلّ جوانب الحياة، وانقلاباً في القيم والمفاهيم التي تتّصل بمختلف مجالات الحياة إلى الأفضل....9

 

2-المشكلة الاساسية في كلام السيد سعدون انه يظهر بمظهر من يطالب الانبياء ان يأتوا بمنظومة لغوية خارج المألوف والسائد على مستوى المفردات والاستعمالات والتوصيفات غافلا عن ان امرا مثل هذا يوجب قطع الصلة والتواصل بين الرسول والمرسل اليه لان اللغة المألوفة والخطاب المفهوم شرط اساسي لتحقيق التواصل المطلوب(

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ
).
ولانعرف الضرورة المنطقية التي تحتم التوسل بقاموس لغوي مغاير لما ألفه الناس لايصال المرادات النبوية بعد امكان الاستعانة بالتعابير المألوفة لايصال المقاصد الالهية شريطة استبعاد -بشكل واخر- الزوائد واللوازم الباطلة عن ايحاءات الالفاظ ومداليلها؟
 
3- ان السيد الكناني حاكم مسألة رفد الوحي الناس بمعلومات جديدة في الثقافة الالهية من عدمه استنادا الى تكرار الوحي الالفاظ الشائعة والمتداولة في بيئة النص, وهو امر في غاية الغرابة لان المدار ليس على الالفاظ بما هي الفاظ بل على ما تؤديه من معاني وتوصله من معارف , ونحن لو سلمنا بهذه المؤاخذة لأوجب ذلك وصم النظريات العلمية وفي مختلف الحقول بعدم تقديم اي جديد على مستوى رفد الفكر البشري بمعارف علمية مجهولة وتزويده برؤى جديدة لا لشيئ الا لانها استعملت-غالبا- نفس التعابير والتراكيب التي يستعملها الناس في حياتهم العادية!
 

 
4: لم يدع احد ان الانسان المحدود قادر على الاحاطة بالمطلق اللامحدود واستيعاب تفاصيل عالم الملكوت او التعبير عنه عبر منظومة لغوية محدودة,ان هذا شيئ محكوم بالاستحالة النابعة من محدودية الانسان واثاره,ومعلوم ان اللغة اثر من اثار الانسان اما منشأ واستعمالا او الاخير على اقل تقدير وعلى هذا قامت الادلة العقلية والنقلية.
بيد ان هذا لايعني باي حال من الاحوال استحالة التواصل مع تلك العوالم الربوبية وتنزل المفردات الغيبية الى تخوم عالم النفس وانفتاح الانسان عليها بحسب الطاقة والوسع عبر أكثر من أليّة كما في الوحي الالهي والمكاشفات النفسية وهما أليتان لا تتوقفان في تحققهما على الاستعانة بالمنظومة اللغوية التي تنبع ضرورتها-غالبا- من اعتبارها وسيلة حاكية عن خلجات الوحي والمكاشفة للاخرين,وعلى هذا يكون حصر السيد سعدون -تواصل- المطلق مع الانسان في خصوص الاداة اللغوية ليس من الموضوعية في شيئ.
من هنا يتضح الحال في كلامه في نفس الصفحة( وعلى أساس ما تقدم نستطيع أن نقول بأن الإنسان الذي يقف بمواجهة الوعي المطلق سيكون عاجزًا عن استيعاب أية معرفة من معارف هذا المطلق تكون قادرة على تحقيق طفرة زمنية كبيرة. وكل ما يمكن أن يعيه لا يخرج عن التعديلات المحدودة على معارفه التي اختزنها من خلال تجاربه التاريخية. وهذه التعديلات لن تخرج عن إطار التعديلات التي يمكن أن يحققها الإنسان نفسه وبدون مساعدة وعي خارق. لأن الوعي الخارق وكما قلت سابقًا سيعجز عن التفاهم مع الوعي البسيط للإنسان

(.
فان قصر التواصل مع رب الارباب عبر المفردة اللغوية وبالتالي اتخاذ ملابسات اللغة ذريعة لنفي هذا التواصل امر في غاية الغرابة لان الطريق الى الغيب ليس منحصرا في ذلك اولا,ولان رب الارباب المهيمن على كل شيئ والعارف بالتطور الحضاري لايعجزه ايصال ادق المعارف الالهية من طريق اللغة الانسانية لاسيما وان اللغة في نفسها بما فيها من تعابير حقيقيّة ومجازيّة واستعارات وكنايات قابلة لذلك

بدليل استجابتها للحاجات البشرية المتطورة10 ثانيا, ونعته ماتأتي به النبوات بعدم تجاوز اطار التعديلات المحدودة النابعة من تجربة الانسان خلاف الموضوعية فان لااحدا يحترم نفسه يمكنه الزعم ان الثقافة الالهية التي جاء بها النبي الامي -ص- كانت نتاج تجربة تاريخية مر بها شخصيا او عاشتها بيئته11, ثالثا,كما ان القول بان الانسان يستطيع تحقيق مؤدى النبوات بدون الاستعانة بالنبوة غفلة منه عن دور النبوة ودائرتها12 ودور العقل ومساحته وتاثره بالافرازات البيئية والثقافية والتربوية وغيرها , ويكفي ان نعلم ان العقل ومهما اوتي من قوة وقدرة يقف عاجزا عن معرفة فلسفة المنظومة العبادية- مثلا- وملاكاتها رابعا,ويبقى المطلوب في عملية الانفتاح الانساني على المعارف الالهية محددا بحدود القدرة الاستيعابية التي هي برزخ بين القطيعة التامة والاستيعاب الكامل خامسا.
على اننا لو سلمنا اشكالية السيد سعدون فان المعضلة ستكون-بقرينة مثاله- متمحورة حول الثقافة الالهية المتصلة بالله تعالى وصفاته من دون ان تطال الجوانب التشريعية والاخلاقية والتأريخية وغيرها لان ايصال هكذا معلومات ومعارف لايتطلب قاموسا خارقا يتجاوز الدائرة اللغوية الانسانية .
 



قال في ص44(...لو سلمنا بأن وعي النبي خارق لدرجة تمكنه من الاستغناء عن المفاهيم المتعارفة في زمنه وعن مفردات اللغة العربية المحدودة، لو سلمنا بأن المطلق الذي انتخبه من بين البشر قد وهبه قدرة من نوع ما، للتواصل معه ومن ثم لاستيعاب كم من المعارف يحقق طفرة معرفية تنفع البشر. لكن مع هذا التسليم ستكون الطفرة المعرفية غير ممكنة، لأن المعارف التي اكتسبها النبي ستبقى حكرًا عليه، لأنه لن يستطيع أن ينقلها إلى بقية بني البشر، إذ إنه سيكون بمواجهة العقبات التي تحدثت عنها تحت العنوان السابق، أي العقبات المتعلقة بعجز منظومة الوعي البشرية عن التعامل مع معرفة تتجاوز قدراتها الادراكية المرتبطة بجهاز استقبال المعلومات المحدود لديها.)
 
اقول:
ان محدودية جهاز استقبال المعلومات عند باقي البشر لايعني تعذر ايصال المعلومة اليهم متناسبة مع التطور العقلي والقدرة الذهنية عندهم -كما تقدم- وهذا امر ابتنى عليه تعدد الشرائع واختلافها انسجاما مع المتغيرات العقلية والفكرية عند الانسان, نعم يبقى الامر في كيفية ايجاد صياغة لغوية قادرة على حفظ التعدد المفهومي الذي ينسجم مع التكامل البشري والتطور الانساني, وفي عقيدتنا ان الاسلام استجاب لذلك عبر وسائل متعددة اهمها فيما يتصل بالجانب اللغوي :
1-نظرية بطون القران .
2-نظرية الجري القراني.12

 

 
واخير قوله ص46 (كيف يعجز الوعي البشري العام عن استيعاب أفكار آينشتاين، وينجح باستيعاب أفكار المطلق؟)
اقول:
1- هذا متفرع على الاعتقاد ان الثقافة الدينية المترشحه عن عالم الغيب اكثر تعقيدا من نظرية اينشتاين وهو اول الكلام,لاسيما في القضايا ذات الابعاد التشريعية والاخلاقية والتاريخية وغيرها كثير.
2-اكثر المفردات الدينية يمكن الايمان بها واخذها اخذ المسلمات اعتمادا على الدليل التعبدي من دون ضرورة التوغل في التفاصيل والجزئيات,فيكفي ان يؤمن الفرد بنبوة شخص ما واتصاله بالغيب للاخذ بكل ماأوتي به ولا يتعين عليه فهم معانيه تفصيلا.
3- هناك مساحة واسعة من المعارف الالهية تتكأ على المعطيات العقلية الخالصة بنحو تعد تلك المعارف بمثابة المؤيدات لهذه المعطيات ومن هنا يكون فهمنا لتلك المعارف مسبوقا بفهم تلك الاحكام العقلية القطعية التي لايمكن للشارع الرباني تجاوزها ولعل نظرية التحسين والتقبيح العقليين احد شواهد هذه الاحكام.

4- قد كررنا اكثر من مرة ان المعرفة الالهية المطلوبة من الانسان تتحدد بحدود قدرته وسعته(لايكلف الله نفسا الا وسعها) ومعلوم ان البشرية ليست سواء في قدراتها العقلية والنفسية وخصائصها الروحية ومن هنا تعددت المنتجات وكثرت المخرجات من دون ان يعني ذلك تباينا وتناقضا بين هذه المنتجات وتلك المخرجات بل في احيان كثيرة يوجد بينها-وحدة تشكيكية- بحيث يكون التغاير راجعا الى العمق لا الى التغاير الجذري وامثلة هذا كثيرة في العلوم التفسيرية والكلامية والمطالب الفلسفية.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    ممكن اتواصل معك اخي؟
    لو عندك فيسبوك :)

    ردحذف