تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

سروش ومقولة النبوة . بقلم ابن الرافدين 14

يعتقد عبد الكريم سروش ان مقولة النبوة ماهي الا تجربة روحية كشفية يعيشها النبي وانها من القوة والوضوح بحيث تشكل- التجربة- في واقعها جوهر النبوة.

السيد سروش يفرق في كتابة بسط التجربة النبوية بين الانبياء واصحاب الذوق والشهود الذين يعيشون تجارب مشابهة الى حد ما مع الانبياء والرسل, في كون الانبياء لايبقون اسراء تجربتهم الكشفية الامر الذي يوحي بنوع من الانا وحب الذات بخلاف جميع اصحاب التجارب الذوقية الذين يلهيهم التنعم الكشفي عن الالتفات الى ازيد من نفس التجربة , يقول في ص18( ان الفرق بين الانبياء وغيرهم من اصحاب التجارب الدينية هو ان الانبياء لايبقون اسرى تجربتهم الشخصية ولايشغلهم التنعم بها عن اداء دورهم الانساني بل انهم وبسبب حلول هذه التجربة في عمق ذواتهم يشعرون بوظيفة جديدة يتبدل النبي عندها الى انسان جديد يسعى لبناء عالم جديد وانسان جديد....الخ).
ولانعرف وجهها معقولا لهذا التفريق يمكن ان يكون مستندا موضوعيا للتمييز بين الانبياء وغيرهم بعد عدم استناد الدكتور سورش الى شيئ ذي بال في هذا الصدد اللهم الا بناء ومن اول الامر على اشتراك الانبياء وسائر العرفاء واصحاب الذوق في اصل المكاشفة ولما كان الامر كذلك فلابد ان يكون الفارق في نفس هذه التجربة الدينية الكشفية ومن هنا نجده يصرح بهذا الفارق في ص19(اجل فان النبوة تتضمن في معناها وذاتها عنصر المأمورية والتكليف وهذا هو الشيئ الذي نفتقده في تجارب العرفاء والمتصوفة...)
ونحن نتفهم ان التكليف والمأمورية لاتنفك عن النبوة سواء كانت جزء ذاتيا من حقيتها او لازما غير مفارق لها بيد ان الكلام كل الكلام في حقيقة النبوة نفسها فهل هي متحدة في حقيقتها مع تجارب العرفاء والمتصوفة في كونها لاتعدو اكثر من كشف شهودي لايختلف عن تجارب المذكورين الا في شدتها وكون التكليف متضمنا في معناها وذاتها ام ان حقيتها شيئ اخر مختلف عن كل التجارب الدينية التي يعيشها اصحاب السير والسلوك؟؟
الواضح ان السيد سروش يتبنى الشق الاول من التساؤل الذي طرحناه قبل قليل وهو امر لانعرف له وجها او دليلا معقولا كما قلنا.

يعول سروش كثيرا على التجربة الدينية الكشفية ليس فقط في كونها متحدة في جميع السالكين سواء كانوا انبياء او لا, ولا انها عين الوحي الالهي او مستندا مهما له بل انه يزعم ان الطريق الوحيد لتشخيص النبي من غيره هو ان نكون واجدين لهذه التجربة الكشفية وهوفي هذا الصدد يقول في ص21( وهكذا الحال في مجال النبوة فنحن لايمكننا تشخيص التجارب النبوية او تمييز الافكار الوحيانية وفوق العقلية وبالتالي تشخيص من هو النبي الا بان تكون لدينا ملكة التجارب النبوية والذوق الوجداني لذلك اي اننا نتعرف الى الانبياء بتلك الطريقة نفسها التي نتعرف بها الى اصحاب الحرف الاخرى.....الخ).
ولو سألته عن المعاجز النبوية فانه سيجيبك بانها ليست لها قيمة مالم تقترن بشواهد اخرى رغم انه لم يذكر نوع الشواهد الاخرى المصححة للمعجزة النبوية!!!
يقول في ص22(.... وهناك مراتب اسمى منها في المكاشفات والاذواق والمواجيد العرفانية((ومن خلال هذا الطريق نحصل على اليقين في مسالة النبوة لا من خلال انقلاب العصا الى حية او شق القمر لان هذه الطرق لو لم تقترن بشواهد اخرى فمن المحتمل ان تكون من جنس السحر والخيال)) ولذلك لايمكن الاعتماد لاحراز نبوة النبي على المعجزة او الشواهد والاسناد التأريخية والاخبار المتواترة بل يجب في البداية معرفة حقيقية النبوة ثم معرفة مصداقها الخارجي )).

لو تأملنا هذا الكلام لوجدناه لايخلو من ملاحظات عدة:

الاولى: ان السير في طريق المكاشفات والاذواق والمواجيد العرفانية(وهكذا حقيقة النبوة) فرع تشخيصها وتحديدها في المرتبة السابقة ومعلوم ان تحديد هذه المفاهيم لايتأتى الا عن الطريق الالهي اي عن طريق الدين والشريعة وهذه لايأتي يها الا نبي فهو الوحيد القادر على رسم ملامح طريق الشهود وتفاصيله وتحديد معالمه ومن هنا فلو قلنا ان معرفة المصداق الخارجي للنبوة متوقف على سير طريق الذوق والمكاشفة فهذا يعني اننا واجدين لهذا الطريق قبل النبوة كي يكون هو المعيار والفيصل في تحديد النبي من غيره مع اننا سلمنا اول الامر ان المكاشفات والاذواق والمواجيد لايمكن تحصيلها الا عن طريق النبوة وهكذا صرنا واجدين وفاقدين في نفس الوقت للكشف والذوق فمن جهة نحن فاقدين له لاننا لم نؤمن بعد بنبي من الانبياء ومن جهة اخرى واجدين له لاننا يمكننا بحسب فرض الدكتور ان نكون قادرين على تشخيص النبي مما عداه بهذه الضابطة وهو كما ترى!


الثانية: ان كلامه في عدم كفاية المعجزة والشواهد وهكذا الاسناد التأريخي والاخبار المتواترة في اثبات نبوة نبي من الانبياء يتعارض تماما مع المستندات الدينية نفسها والتي يفترض ان السيد سروش يؤمن بها ويعتقد بحقانيتها لاننا اذا راجعنا القران الكريم وهو اصدق الشواهد الالهية فسنجده يؤيد الربط بين المعجز والنبوة وهذا واضح في اكثر من اية:

{ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَـؤُا بَنِي إِسْرَائِيلَ }

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىبِآيَاتِنَا‏}‏{‏إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}{‏فَلَمَّا جَاءَهُمْبِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ‏}{‏وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍإِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا)

(اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم اليك جناحك من الرهب فذانك 
برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين).


(وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوماً فاسقين).

{ اعبدوا الله مالكم من إله غيره، قد جاءتكم بينه من ربكم، هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم)الاعراف
73
{ وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها } (سورة الإسراء:59)

{ قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء مبين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } (سورة الشعراء:29ـ33)

{ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كي ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى .. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُـوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه.

فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا، إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلي موسى أن أضرب بعصاك البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (سورة الشعراء:52ـ68)

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِلَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ - فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِوَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَاطَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ - وَقَالُواْمَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَبِمُؤْمِنِينَ - فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَوَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْقَوْمًا مُّجْرِمِينَ )
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قدعلم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } *

وهكذا ايات كثيرة جدا.



الثالثة: نزعم ان خلطا موضوعيا وقع في كلام الدكتور سروش اذ من الواضح انه يدمج بين مقامين الثبوت والاثبات فلو تنزلنا وقلنا: صحيح ان حقيقية النبوة هي ماذكر الا انها تبقى حقيقة على مستوى الثبوت والواقع لكن ماهو الدليل الاثباتي عليها؟
هنا ستكون الامور التي رفضها سروش جوابا على هذا السؤال لان المعجز والاسناد التأريخي والشواهد التأريخية والاخبار المتواترة تشكل بمجموها معطيات اثباتية للتدليل على تجسد حقيقة النبوة في مصداقها الخارجي وهو النبي وبالتالي تكون ذات قيمة معرفية في رسم الطريق الشهودي الموصل لفهم حقيقية النبوة.


الرابع: ان ماذكره سروش لا يتفق مع السياقات الموضوعية التي حكمت مجتمعات النبوة بعد كون تلك المجتمعات في غالبها بعيدة تمام البعد عن كل مايرتبط بالدين والنبوة والذوق والشهود ولم نسمع عن الانبياء انهم حاولوا اعداد تلك المجتمعات اعدادا جديدا يبتني على عدم الايمان بالنبوة من خلال المعجز بل يكون هذا الايمان اعتمادا على فهم حقيقة النبوة والسير في طريق السلوك والمواجيد الذوقية العرفانية , وعلينا ان نتصور النبي الاعظم ص مثلا والذي بعث في مجتمع بدائي متخلف مقطوع الصلة بالعلم والمعرفة ثاويا في اهل الحجاز يطرح عليهم حقيقة النبوة والذوق والوجدان الكشفي ويقول ان هذا دليل نبوتي وهو انكم عندما تفهمون حقيقية النبوة وتسيرون في طريق المواجيد العرفانية فستعلمون اني نبي من الانبياء!!!!. 
وكيف سيبدو الامر عندما نعرف ان فهم حقيقة النبوة وهكذا السير في طريق الكشف والذوق لايتأتى الا عن طريق النبوة نفسها التي لم تثبت بعد.

الخامسة: انعقدت سيرة الناظرين في الاديان الطالبين معرفة صدقها من كذبها على سلوك طريق المعجز والشواهد والقرائن وغيرها وهو امر لايقتصر على زمن دون زمن ولاجيل دون جيل مما يمكن معه الجزم بامتداد هذه السيرة الى زمن النبوات ومن هنا لو كان هذا الطريق غير ذي قيمة لرأينا ردعا شديدا من الاديان نفسها ولو وجد هذا الردع لوصلنا لكثرة دواعي نقله وهذا امر لانجد له عين ولااثر عند اي دين من الاديان.



يمضي الدكتور سروش في اقتطاف ثمرات رأيه القائل بكون النبوة ماهي الا تجربة دينية روحية قائمة على اساس الشهود ليصل بالتالي الى القول بان الوحي من عنديات النبي نفسه ولايعدو ان يكون دور الغيب الا التأييد والتسديد فمادام النبوة هي الانفتاح على عالم الشهود ومعرفة حقائق الاشياء بحسب سعة نفس النبي وقدراته وقابلياته فليكن الوحي والتقنين من هذا النبي نفسه وهذا مانجده يصرح به وبضرس قاطع في اكثر من موضع ففي ص199 يقول:
(.....وبعبارة اخرى ان النبي بما يملكه من شخصية نقية وطاهرة ومؤيدة من عالم الغيب فان كلامه يصدر عن عين صافية ومنهل زلال وبما ان تلك العين طاهرة ونقية فان كلماته واحاديثه تكون طاهرة ونقية ايضا وفي ضوء هذا يتضح معنى الكلام الذي قلته من ان الوحي تابع للنبي اي متناسب مع شخصية النبي ومتناسب مع كلمات النبي ومتناسب مع محيط النبي ومتناسب مع الحوادث الواقعة في زمن النبي ومتناسب مع مزاج وعقلانية قومه.....)



وهكذا يقول في ص36(ليس الاسلام مجرد كتاب ومجموعة من الاقوال بل هو حركة تاريخية وتجسيد لتاريخ رسالة سماوية انه البسط التاريخي لتجربة نبوية متدرجة الحصول حيث تكون شخصية النبي محور هذا الموقع وتمثل كل ماوهبه الله تعالى للامة الاسلامية ويدور الدين وتعاليمه حول محور هذه الشخصية من خلال التجربة الباطنية والخارجية للنبي فكل ماجاء به النبي فهو حسن وجميل وبما ان كلامه لايصدر عن الهوى فهو عين الهداية ولذلك فان الدين هو التجربة الروحية والاجتماعية للنبي ومن هنا يكون الدين تابعا للنبي...).



ويبدو كلامه في ص 201 تحديدا وتخصيصا عندما يجعل النبي مشرعا للاحكام الفقهية ومقننا لها لذا يقول:
(وهناك ملاحظة اخرى اود ذكرها فاني اعتقد ان النبي هو المشرع للاحكام الفقهية وان النبي نفسه هو المقنن لهذه المسائل وبالطبع فان الله تعالى هو امضى القوانين التي شرعها النبي, الهاجس الاساس للنبي في امر التقنين هو ان هذه الاحكام والقوانين لابد ان تكون عادلة في اجواء زمانه وتبتعد عن الظلم في عرف ذلك الوقت لاانها تمثل العدالة المطلقة وفوق التاريخية بمعنى ان النبي عمل على اصدار قوانين وتشريعات كانت تقترن بالعدل في مفهوم تلك الاجواء وتلك الاذهان وبعيدة عن طبيعة الظلم والجور في ذلك الزمان).

وازعم ان ماذكره هنا هو زبدة المخاض التي يريد تحصيلها والوصول اليها لينتهي الى دخالة الزمان والمكان والمحيط وعقلانية المجتمع في سعة الدين ونفوذ احكامه في صميم الخلود واستطالتها على الزمان والمكان, والجدير بالذكر ان هذه المحددات المذكورة قبل قليل تكون بمجموعها مقيدة حتى للعدل الذي لايجب ان يكون-كما يرى سروش- عدلا مطلقا بقدر مايكون عدلا نسبيا بعيدا عن طبيعة الظلم والجور في اجواء زمان النص فقط وفقط!!!.

يطرح سروش مايسميها قرائن اربع لتأيد رأيه السالف في طبيعة الوحي ومنشأه نذكرها اختصارا:
يقول في ص181(والان لنعد خطوة الى الوراء فالنبي يعتقد((ويدعي اتباعه)) ان الله تعالى وراء الزمان والمكان وليس له حد ولاصورة ولايتكلم بلغة خاصة وليس له لون معين ولايتمتع باي صفة من صفات البشر فهو موجود منفرد تماما ولكن هذا الاله عندما يتحدث مع نبي الاسلام نفسه فانه يتحدث باللغة العربية اي انه في الواقع يخرج عن اطار اللالغة ويختار لغة معينة وعندما يتحدث الله مع انبياء اخرين فانه يتحدث معهم بلسانهم....(الى ان يقول) وكذلك يعتقد اتباع النبي ايضا ان عين هذه الالفاظ بشكلها العربي وبهذه الصورة من السياق اللغوي والعبارات والجمل التي تشكل القران الفعلي نزلت على النبي وقام بدوره بنقلها الى قومه. وفي هذا المجال ينبغي ان نتوقف عند هذه النقطة ونقول ان فعل الله في هذا المجال أصيب بالتخصيص كما يقول الفلاسفة بمعنى ان فعل الله اتخذ له لون المحيط الاجتماعي والبشري وعندما اتصل بالنبي تحول هذا الفعل او الكلام الذي كان بدون صورة وبدون هيئة وشكل الى صيغ مقدره بمقدار طبيعة هذا المجتمع الذي كان النبي يعيش فيه)).

في صدد القرينة الثانية يقول: ص182(القرينة الاخرى او الشاهد الاخر على ذلك المطلب... اننا نقرأ حوادث واردة في القران الكريم ترتبط بعصر النبي من قبيل حادثة اتهام عائشة او قصة ابي لهب او الحروب والغزوات التي وقعت في زمن النبي وغيرها من الحوادث الكثيرة والوقائع التي تتصل بتفاصيل وجزئيات حياة النبي والمسلمين في تلك المرحلة... بحيث ان قسما عظيما من الايات القرانية تتشكل من هذه الاسئلة والاجوبة والمسائل الاخرى التي وقعت على امتداد حياة النبي الاجتماعية والسياسية)
.

وعن القرينة الثالثة يقول في ص183(القرينة الاخرى ان معطيات الوحي على النبي تتناغم وتقترب تماما مع ما كان يدور في حياة النبي الخاصة اوالعامة بل كانت مقترنة ببعضها ببعض ولم تكن قضايا الوحي مثلا من قبيل الامور الجاهزة مسبقا بدون الاخذ في الاعتبار الحوادث الواقعة في اطار الزمان والمكان وبعيدا عما يدور في الوسط الاجتماعي للناس اي ان المطالب الوحيانية لم تكن منتجة سابقا ثم تم القاؤها في ذهن وقلب نبي الاسلام وانتهى الامر بتبليغها للناس فهذه التعاليم والمفاهيم كانت متناسبة جدا مع الحوادث الواقعة على امتداد حياة النبي...).

ويختم في ص 184 قرائنه وشواهده بالقول(الشاهد الاخر هو مااشرت اليه في مقالة الذاتي والعرضي في الاديان فهناك كلمات غير عربية كثيرة في الايات القرانية وهذه الكلمات يتجاوز عددها مئتي كلمة ومفردة حيث كانت تمثل المفردات السائدة في المحيط الثقافي للقبائل العربية القاطنة في شبه الجزيرة العربية فلم ترد هذه المفردات من مكان اخر ولم يكن العرب غرباء عنها او غير مفهومة لديهم تماما بل ان العرب كانوا على امتداد تاريخهم يعلمون بمعاني هذه الكلمات).

عندما يواجه سروش الايات القرانية الكثيرة التي تجعل الوحي ظاهرة خارجة عن شخص النبي نفسه من قبيل الايات التالية:

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىنُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَوَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَوَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163النساء

(كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

{ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون }( ال عمران 44)


{تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين }(هود 49)

{ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون } ( يوسف 102)






(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) (يونس:87)

(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن 
الغافلين). [يوسف: 3]

(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)
(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىإِلَيْكَ وَحْيُهُ)

(لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه).


(وَالنَّجْمِ إِذَاهَوَى,,مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْوَمَا غَوَى,,وَمَا يَنطِقُ عَنِالْهَوَى,,إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌيُوحَى,,عَلَّمَهُ شَدِيدُالْقُوَى,,ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى,,وَهُوَ بِالْأُفُقِالْأَعْلَى,,ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى,,فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِأَوْ أَدْنَى,,فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِمَا أَوْحَى,,مَا كَذَبَ الْفُؤَادُمَا رَأَى,,أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىمَا يَرَى,,وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةًأُخْرَى,,عِندَ سِدْرَةِالْمُنْتَهَى,,عِندَهَا جَنَّةُالْمَأْوَى,,إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَمَا يَغْشَى ,,مَا زَاغَ الْبَصَرُوَمَا طَغَى,,لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِرَبِّهِ الْكُبْرَى).
قارن هذه الايات الشريفة التي ترد تكذيب المشركين رؤية رسول الله ص جبرائيل وبين قوله سروش في

ص17(...في هذه التجربة يرى النبي وكأن شخصا يحضر عنده ويحدثه في أذنه وقلبه بمضمون الرسالة السماوية ويكلفه بابلاغ التعاليم والاوامر الالهية للناس), 
وهكذا في ص199(...ولااشكال ان النبي عندما يتحدث عن شيئ فانه يتحدث عنه احيانا كأنه يسمعه من شخص معين او يرى شخصا يتحدث معه ونحن نطلق على هذه الظاهرة الوحي بالمعنى الاخص)!!!.






واخير نذكر هذه الايات:


أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) (2). 
ويقول : ( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (3) . 
ويقول : ( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا


بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين )

( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً )

وواضح ان قوله تعالى(قل لئن اجتمعت الانس والجن على ياتوا بمثل هذا القران لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) بيّن في ان عموم هذه الاية الشريفة على مستوى التحدي والنفي شامل للنبي (ص) نفسه اي حتى انه ص لايتمكن من الاتيان بهذا القران الكريم ومن الواضح ان هذا لاينسجم مع كون الوحي من نتاجات النبي ص وعندياته.
اقول عندما يواجه بهذه الايات نراه يحاول التعويل على كون البحث في حقيقية الوحي يقع خارج دائرة الدين وبالتالي لاينبغي ان يحشر الدين في هذه المسألة ومن هنا يقول في 
ص195(النقطة الاخرى عندما نتحدث ونبحث في ظاهرة الوحي ففي الواقع ان بحثنا ينطلق من خارج دائرة الوحي وينظر من الخارج الى حادثة وظاهرة باسم الوحي الذي تمظهر في المجتمع العربي وألقي في روع النبي وضميره فلو اردنا اثبات او نقض هذا الادعاء من خلال القرائن والشواهد فلابد من ان تكون هذه القرائن والشواهد من خارج دائرة الوحي لان الرجوع في مقام اثبات الادعاء الى النصوص والى داخل دائرة الوحي نفيا واثباتا لايعتبر عملا سليما وصحيحا من الناحية المتدولوجية اي لايمكن القول بان الاية القرانية الفلانية تقرر بطلان او اثبات هذه النظرية فجميع الايات تقع ضمن دائرة هذه النظرية التي طرحناها من خارج الدائرة بشرط ان تكون هذه النظرية صحيحة في منطق العقل والعلم...).

ونحن نشارك الدكتور في كون البحث يجب ان يقع خارج دائرة الدين لكن السؤال المطروح اي بحث هذا الذي يجب ان يقع خارج دائرة الدين؟؟ 
فهل المعني به اثبات اصل الوحي الذي القي في روع النبي وضميره ام اثبات حقيقة الوحي وطبيعته؟؟
لااشكال في كون البحث عن اصل الوحي وتحققه مما يقع خارج دائرة الدين اذ التعويل على نفس الدين في اثبات اصل الوحي دور صريح الا ان الكلام في كون طبيعة الوحي وحقيقته وباي نحو يكون هل هو من الامور التي يمكن للعقل ان يبت فيها على نحو الجزم واليقين او لا؟؟
معلوم اننا لكي نجعل الحكم العقلي ضابطة نستهدي بها في استنطاق النصوص الدينية وترجيح حكمه حتى على ظواهر النصوص التي يشم منها رائحة المخالفة له لابد ان يكون هذا الحكم قطعيا يستقل به العقل الذي يفترض به ان يكون هو مرجع حجية الحجج وهذا ما ندعي عدم توفره في طول وعرض كلام السيد سروش لا لشيئ الا لننا نشكك في كون العقل يستقل في ادراك طبيعة الوحي وحقيقته بدون معونة من النقل الديني وبالتالي ستكون رؤية سروش حول الوحي اطروحة حدسية مبنية على الاستحسان اكثر منها رؤية عقلية منشؤها العقل القطعي.
ولايفوتنا ان نذّكر هنا ان سروش من المؤمنيين بحقانية الاديان وحينئذ فعليه ان يجد تفسيرا معقولا لتناقض الكم الهائل من الايات القرانية التي ذكرنا قسما منها مع نظريتة-وهي ليست كذلك- حول الوحي ونزعم انها مناقضة لايمكن معها ايجاد نتيجة تجمع بين الرأيين وانا هنا اتحدث عن الرأي السروشي والرأي الديني.

تصل النوبة الى الى القاء نظرة نقدية حول قرائن سروش الاربع فنقول:
في صدد القرينة الاولى يكفينا الدكتور سروش نفسه تجشم عناء رد الفقرة المرتبطة بانفصال الله تعالى عن خلقه اذ يقول في ص214(... وانا بدوري لاارى هذه الفاصلة بين الله وخلقه في اطار الرؤية الكونية للعالم ولاينبغي ان ان اقول بها... وكما قلت ان ماوراء الطبيعة محيط بما في الطبيعة وهذه الاحاطة هي احاطة شاملة وكاملة وليس هناك مكان يختلف عن مكان اخر بالنسبة الى الذات المقدسة او عالم الغيب...). وكما لايرى سروش هذه الفاصلة كذلك لايراها احد له المام بلغة القران الكريم الذي يقول:
(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُمِنْهَا وَ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ مَعَكُمْأَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّموَاتِ وَ مَافِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لاَخَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لاَ أَدْني مِنْ ذَلِكَ وَ لاَ أَكْثَرَ إِلاَّهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَالْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمٌ)(
(وَ للهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَ مَا تُوَلُّوافَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ولانعرف ماهو التلازم المنطقي بين كون كلام الله تعالى بلسان قوم النبي وانطباعه بلون المحيط الاجتماعي والبشري وبين كون الوحي تابعا لنفس النبي على نحو يكون هو المنشأ والمؤسس له؟؟
وبكلمة اخرى: اننا لانجد منافاة بين تناسب الوحي مع الخصائص الاجتماعية والبشرية وبين كونه الاهيا ان لم يكن ذلك عين الحكمة
ان ماذكره الدكتور سروش هنا يوحي بان الكلام لايكون كلاما الاهيا الا اذا تجرد عن لون المحيط الاجتماعي والبشري وكان كلاما بدون هيئة وشكل وصورة مع ان كلمة المسلمين متفقة على ان معنى كلامه تعالى أصوات و حروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي ,ومن الحكمة بمكان ان يكون ذلك الكلام جاريا على وفق عرف لغة المبعوث اليهم مشتملا على خصائصها والا لتعذر الافهام والتفهيم ولرأينا الانبياء بدلا من تعليم الناس معالم دينهم عبر لغة جاهزة سلفا يتجهون الى بيان اللغة الالهية الجديدة بحدودها وتفاصيلها وهو امر جد عسير فضلا عن بعض الرسالات النبوية جعلت نفس لغة المجتمع دليل صدقها وربانيتها كما في رسالة الخاتم ص وعندما يكون التحدي بحروف واصوات عايشوها في حياتهم العادية وفطروا على ايصال مكنون ضمائرهم ورغباتهم بها فسيكون امرا ابلغ في التحدي واكثر دلالة على الصدق .

يعتبر سروش التفاصيل الجزئية التي حدثت في مسيرة الاسلام وهكذا تناغم معطيات الوحي مع ماكان يدور في حياة النبي الخاصة والعامة قرينة ثانية وثالثة على كون الوحي الالهي من عنديات النبي ص وكأن الدكتور يفرق بين الوحي الالهي والوحي النبوي بخضوع الثاني لمتطلبات الزمان والمكان وماحويا من احداث بينما لابد للاول ان يستطيل على الزمان والمكان وان يكون بشكل الوصفة الجاهزة المعدة سلفا والتي تلقى في ذهن النبي ص مباشرا بلاحاجة الى التدرج وانتظار المتغيرات الزمانية والمكانية.
لم يبين سروش ماهو المحذور الموضوعي في مراعاة الوحي الالهي لخصوصية الزمان والمكان واخذه المتغيرات الاجتماعية بعين الاعتبار الامر الذي جعل معه هذه المذكورات دليلا على عدم ربانية الوحي كما لانعرف بالضبط من اين علم الدكتور ان الوحي الالهي لم يكن صيغة جاهزة ومعدة سلفة غاية الامر انه كان ينتظر حلول الواقعة نفسها ليرى حكمه النور سواء قلنا ان هذه الصيغة الجاهزة كانت على مستوى العلم الالهي او حاضرة في وجدان النبي وقلبه باي صورة من الصور؟؟؟
الان علينا ان نتصور كيف سيكون الحال عندما يتجاوز النبي الاطر الاجتماعية والاحداث الزمانية والمكانية واي انقلاب اجتماعي الى حد الفوضى سيصاب به المجتمع الفتي عندما يذكر ومن اول الامر ان ابا لهب في جهنم وان عائشة بريئة من الافك الذي سترمى به وانكم ستطرحون اسئلة في المستقبل هذا جوابها حتى قبل اوان طرحها وان الاحداث السياسية والاجتماعية والعسكرية التي ستواجهنا مستقبلا هذه وصفة جاهزة باحكامها!!
ان هذا امر لاينسجم مع طبيعة الاصلاح والتغيير الاجتماعي والمعرفي باي حال من الاحوال.
ان النبي الاكرم وصل الى غاية الكشف والشهود ذلك الكشف الذي مكنه من الاقتراب من عوالم المعنى وسماع نداء الغيب كما يقول سروش نفسه في عبائره التالية:

ص24(ومع ذلك فان نبي الاسلام هو خاتم الانبياء اي انه نال الكشف التام بحيث لايتسنى لشخص اخر نيل مثل هذا الكشف او الحصول على ذلك التكليف الالهي).


ص25(فاذا قلنا ان النبوة تعني الاقتراب من عوالم المعنى وسماع نداء الغيب وبذلك تحصل للنبي تجربة بهذا المعنى.....الخ).
ومن هنا فاذا كان النبي ص قد نال هذه المرتبة الربانية العظيمة بحيث صار قريبا من عالم المعنى وثيق الاتصال بالغيب فهذا يعني انه يعلم من اول الامربجميع تفاصيل مضامين القران الكريم الفكرية والاجتماعية والسياسية وحتى الشخصية بناء على تصور سروش لمعنى الوحي والنبوة وعليه فلماذا لم يات بصيغة وحيانية جاهزة من اول الامر؟؟ ولماذا انتظر المتغيرات الاجتماعية والتقلبات الزمانية والمكانية في ابلاغ الوحي؟؟
بكلمة اخرى: ان نفس الاشكال الذي اورده سروش على من يقول بالوحي الالهي يرد عليه بناء على تصوره لمعنى الوحي والنبوة واستنادهما الى شخص النبي نفسه لانه وبناء على التصور يكون النبي قادرا على استشراف المستقبل بكل تفاصيله بعد كونه قريبا من عالم المعنى لصيقا بالغيب لاسيما وهو امر يؤيده تضمن قرأنه الشريف نبؤات غيبة لاتوجيه لها عند سروش الا معلوليتها لنفسه الشريفة وانفتاحه على مجاهل الغيب بلاحاجة الى وحي الهي.

في القرينة الرابعة يجعل السيد سروش ورد مفردات غير عربية في القران الكريم شاهدا على ماادعاه من كون الوحي تابعا لشخصية النبي ص وفي تصوري ان هذه القرينة كما سابقتها تركز على نفس البناء السالف من جعل الدكتور نقطة امتياز الوحيين الالهي والنبوي في كون الوحي الالهي لابد ان يكون ذا وصفة جاهزة معدة سلفا ومفردات غريبة تماما عن الواقع الاجتماعي والثقافي للقبائل العربية وهو امر لم يات الدكتور عليه بدليل يثبت وجه التنافي والتلازم بين غرابة المفردة وربانيتها وبين تناسبها مع واقع الناس الثقافي والاجتماعي واباءها عن ان تكون وحيا الاهيا.

يبقى الكلام في نقطتين:
الاول ماذكره من ان النبي ص هو مشرع الاحكام الفقهية.
الثاني ان تلك التشريعات لاينبغي لها الا ان تنسجم مع العدل في اجواء ذلك الزمان لامطلقا.
ازعم ان مال كلا النقطتين هو القول بكون التشريعات الاسلامية تشريعات مرحلية ترتبط بزمن نزولها وتقنينها ولاتمتد الى ابعد من ذلك وعليه يجب رفع اليد عن كثير من تلك الاحكام بعد كونها غير عادلة بنحو مطلق وتابعيتها لشخص النبي ومعلوم ان النبي في تشريعاته يجب ان يراعي الخصوصيات الثقافية والفكرية والاجتماعية لمن شرع لهم وهذه كلها محددات تجعل من حكمه خاصا بمجتمعه وبمن يحمل خصائص مشابهة لطبيعة مجتمع النص.

لااشكال لدى المحققين من العلماء ان النبي ص كان يمتلك نوع ولاية تشريعية تخوله تقنين جملة من الاحكام الفقهية لاسيما تلك المرتبطة بالتدبيرات السياسية والاجتماعية بيد ان الكلام يقع في سعة هذه الولاية وضيقها,الاعلام يرون انها لاتشمل الا مجالات محددة وضيقة ولاتمتد بامتداد الفقه بينما يرى سروش انها من السعة بحيث تشمل كل دائرة فقهية وهذا واضح بعد تبنيه نظرية تبعية الوحي للنبي ص رغم ان هذه النظرية وهكذا كون النبي مشرعا من قبلها ليست من ابتكارات الرجل ولامن ابداعاته وقد سبقه اليهما اقدمون ومحدثون ,وهما نظريتان لاتمتلكان قيمة دليلة ازيد من قرائن سروش الاربع التي اراد من خلالها اثبات تابعية الوحي للنبي, فاذا كان الوحي تابعا لشخص النبي وهو مبتكره ومبدعه بحسب الفرض فمن طريق اولى تثبت تابعية الاحكام الفقهية له ص وقد تقدم مافي هذا الكلام فلانعيد.

اما النقطة الثانية ففيها : انه من المنطقي ان يراعي المشرع في تشريعه الظروف الزمانية والمكانية ويأخذ المتغيرات الاجتماعية بنظر الاعتبار وبالتالي ينظر الى التشريع مقيدا بتلك القيود لامعلقا في الهواء وعلى هذا يمكن فهم ظاهرة النسخ الكاشفة عن كون الحكم مقيدا بقيود مصلحية خاصة ينتفي بانتفائها وهذا يعني في مايعنيه ان الحكم المنسوخ لايمثل افضل محتملات المسألة لو جرد موضوعها من القيود والمحددات نعم هو يمثل افضل الاحكام في ظل هذه القيود وتلك المحددات.

ظاهر كلام سروش ان قضية انسجام التشريعات الفقهية مع اجواء زمن التشريع قضية عامة ولاتختص بحكم فقهي دون اخر الا اذا ثبت بالدليل عدم ذلك وهذا يعني فيما يعنيه رفع اليد عن الفقه رأسا الا ماخرج بدليل ولانعرف كيف خرج الدكتور بهذه النتيجة وماهي ادلته في هذا الصدد؟ ولماذا خصص حكمه بغير ماخرج بالدليل مع ان الملاك واحد في الجميع؟؟ ولماذا صار الحكم الفقهي فقط موافقا لاجواء عدالة ذلك الزمان ولم لا يشمل الامر جميع التشريعات الدينية في ابعادها المختلفة؟؟ وكيف يوجه سروش الادلة الدينية التي تنص على خلود القسم الاعظم من الاحكام الفقهية على قاعدة حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة؟؟ ولماذا سكت الشارع عن بيان هذه المسألة المهمة التي نزعم انها ستغير وجه الفكر الديني على تقدير تمامها؟؟ وكيف يتصرف الناس من الناحية العملية بعد رفع اليد عن الاحكام الفقهية؟؟ وهل يعني هذا هدم الشريعة في بعدها الفقهي وترك امر الاحكام الشرعية الى الناس يشرعون مايحلو لهم ويتناسب مع مستوى ادراكهم وثقافتهم ومصالحهم؟؟
لااستبعد هذا بعد ان نعرف ان سروش يرى الفقه علما بشريا و غالب الاحكام الفقهية والتشريعات الدينية كانت معروفة بقضها وقضيضها للقبائل العربية و ماجاء به الاسلام على مستوى التجديد لايعدل واحد بالمائة!!.

يرتب سروش على كون النبوة تجربة روحية كشفية جملة من الاثار :
الاول: ان الدين تابع للنبي و ماهو الاتجربتة الاجتماعية والروحية( فكل ماجاء به النبي فهو حسن وجميل وبما ان كلامه لايصدر عن الهوى فهو عين الهداية ولذلك فان الدين هو التجربة الروحية والاجتماعية للنبي ومن هنا يكون الدين تابعا للنبي...)ص36
الثاني: ان الوحي تابع للنبي وليس النبي تابع للوحي
(.....وبعبارة اخرى ان النبي بما يملكه من شخصية نقية وطاهرة ومؤيدة من عالم الغيب فان كلامه يصدر عن عين صافية ومنهل زلال وبما ان تلك العين طاهرة ونقية فان كلماته واحاديثه تكون طاهرة ونقية ايضا وفي ضوء هذا يتضح معنى الكلام الذي قلته من ان الوحي تابع للنبي)ص199

الثالث: تابعية الاحكام الفقهية للنبي ص فهو مشرعها ومؤسسها( ان النبي هو المشرع للاحكام الفقهية وان النبي نفسه هو المقنن لهذه المسائل وبالطبع فان الله تعالى هو امضى القوانين التي شرعها النبي, الهاجس الاساس للنبي في امر التقنين هو ان هذه الاحكام والقوانين لابد ان تكون عادلة في اجواء زمانه وتبتعد عن الظلم في عرف ذلك الوقت لاانها تمثل العدالة المطلقة وفوق التاريخية...)ص201
وذا كان الوحي بالصفة التي يذكرها في ص199(... وفي ضوء هذا يتضح معنى الكلام الذي قلته من ان الوحي تابع للنبي اي متناسب مع شخصية النبي ومتناسب مع كلمات النبي ومتناسب مع محيط النبي ومتناسب مع الحوادث الواقعة في زمن النبي ومتناسب مع مزاج وعقلانية قومه.....) فمن باب اولى ان تكون الاحكام الفقهية وهي جزء من الوحي النبوي الذاتي تحمل الصفة المذكورة لذا فلا عجب من قوله في 
ص202(...ومن هنا نفهم حال الاحكام الفقهية ايضا بانها مؤقتة وترتبط بالمجتمع العربي في صدر الاسلام والمجتمعات المماثلة له الا ان يثبت بالدليل خلاف ذلك, فنحن يجب ان نثبت بالدليل القاطع ان هذه الاحكام وضعت للابد وفوق مقتضيات الزمان والمكان وغير مشروطة بشروط خاصة...).
غير ان سروش لم يبين لنا لماذا يجب ان تكون الاحكام الفقهية عادلة في خصوص اجواء ذلك الزمان وليست ذات عدالة مطلقة وفوق التأريخية بعد كون النبي ص يصدر في كلامه وتقنينه من عين صافية لاسيما وان الله تعالى وهو العدل المطلق قد امضى تلك الاحكام كما يفترض سروش نفسه في كلامه المتقدم؟؟ وهل هذا الانسجام مع اجواء زمن النص راجع لخصوصية محيط النبي ومتناسب مع عقلانية قومه ام ان الامر يرجع الى النبي نفسه وشخصيته؟؟
وعلى تقدير الاول لماذا صار الامر خاصا بالتقنين الفقهي ولماذا لايطال التشريعات الاخرى بابعادها العقدية والاخلاقية والتربوية وحتى العبادية مادام الملاك موجودا اعني خصوصية المحيط والثقافة والعقلية؟؟

الرابع: نفي ختم النبوة وهذا مايذكره في ص205(... وهنا يثار هذا السؤال: هل يستطيع كل شخص ان يكون رسولا؟ في الواقع ينبغي الاذعان الى هذه الحقيقة وهي ان كل شخص بامكانه ان يكون نبيا لنفسه ويعيش حالات خاصة من خلال مايجده من مكاشفات وذوقيات).
وفي نفس الصفحة يعطي قاعدة عامة فيقول( وكل انسان يرتبط فيما بينه وبين الله تعالى برابطة معنوية خاصة يجب عليه ان يتحرك وفق مسؤوليته فلو احس شخص انه لا يستطيع بعد الان التحرك وفق تعاليم شريعة نبي الاسلام وشعر في نفسه ان له وظيفة اخرى فيجب عليه ان يجيب ربه من موقع الحجة...).
وليت الامر بقي في حدود الامكان كي يقال هو اعم من الحدوث وان قضية النبوة من القضايا الممكنة بل وصل الامر الى القول في ص67(ان ديوان المثنوي كتاب ملهم بلا ادنى شك حيث يستشم من بعضه رائحة الوحي والكشف الالهي...) طبعا هذا كله اذا لم نجد له تأويلا معقولا من قبيل وحي ام موسى ومريم عليها السلام والا فالمشكلة عسيرة لاسيما بالالتفات الى فقرات من كلامه حول النبي وتكليف اتباعه فهو يقول في ص38(...فلو ان النبي استمر في حياته وكان له من العمر اكثر مما كان وواجه من الحوادث والتحديات اكثر مما وقع فمن الطبيعي ان تزداد ممارساته ومواجهاته للحوادث وهذا يعني ان القران كان بامكانه ان يكون اكثر في حجمه من هذا القران الموجود) لذا يدعو انصاره واتباعه في ص50 قائلا(ينبغي لنا في هذا العصر عرض الدين كتجربة متحركة في حال تحول وتفاعل وتوالد مستمر....بل نتحرك باختيار تام ومن خلال ماتفرزه التجربة الكشفية لافقط على مستوى الفقه بل على مستوى جميع المعارف والتجارب الدينية...), فاذا اضفت الى هذا كلامه السالف ( فلو احس شخص انه لا يستطيع بعد الان التحرك وفق تعاليم شريعة نبي الاسلام وشعر في نفسه ان له وظيفة اخرى فيجب عليه ان يجيب ربه من موقع الحجة...) فازعم ان النتيجة ستكون سافرة في كون الرجل لايقول بختم النبوة.
وغريب ان تكون هذه النتيجة مع انه نفسه يقول في ص24(ومع ذلك فان نبي الاسلام هو خاتم الانبياء اي انه نال الكشف التام بحيث لايتسنى لشخص اخر نيل مثل هذا الكشف او الحصول على ذلك التكليف الالهي).
وهكذا الامر في ص19(اجل فان النبوة تتضمن في معناها وذاتها عنصر المأمورية والتكليف وهذا هو الشيئ الذي نفتقده في تجارب العرفاء والمتصوفة وهذه المأمورية السماوية انتهت بالخاتمية ولكن اصل التجربة والمكاشفة باق في حركة الشعور الداخلي لافراد البشر على امتداد التاريخ).
اجزم اننا لو تنزلنا عن اعتبار الرجل من المعتقدين بعدم ختم النبوة فان اقل ماسنخرج به ان موقفه منها متهافتا متناقضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق