تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

لماذا قام اليهود والنصارى بإخفاء كتابهم المقدس طيلة قرون ؟ بقلم مصطفى الهادي

لماذا قام اليهود والنصارى بإخفاء وإتلاف وحرق ومنع كتابهم المقدس من التداول طيلة قرون ؟؟؟؟؟ 

لا أحد يصدق أن أمة عظيمة من الأمم تمنع الناس طيلة قرون من رؤية أو قراءة او امتلاك نسخة من كتابها المقدس ! 
ولا أحد يصدق بأن هذه الأمة تابعت كتابها المقدس بالحرق والاتلاف طيلة قرون متمادية . 
ولا أحد يصدق أيضا أن هذه الأمة قتلت وأحرقت وصلبت وخوزقت وخنقت كل من سولت له نفسه امتلاك نسخة من الكتاب المقدس . 
ولكنك عزيزي القارئ لو قرأت البحث الآتي . فإنك سوف تصدق كل ذلك . ولكن هذا البحث سوف يترك عندك تساؤلات كثيرة عن الأهداف الكامنة وراء عملية المنع والإحراق والإتلاف للكتاب المقدس . ولكننا لم نغفل ذلك حيث عرضنا وبإيجاز كل المراحل التي تعرض لها الكتاب المقدس للمطاردة والمصادرة والمنع ومن هم الرجال الذين ساهموا في نشر الكتاب المقدس وكيف ؟ ثم بينا الأسباب . 
البحث : 
من الأمور المؤكدة والتي لا تقبل النقاش أو الجدل حتى من قبل النصارى أنفسهم ، هو أن السيد المسيح عندما ذهب من هذه الدنيا وارتفع إلى السماء لم يترك إنجيلا مكتوبا ولم يترك صفحة واحدة من شريعة مدونة أو سيرة واضحة ، ولم نجد في أي مرجع من المراجع المسيحية من يدعي بأن السيد المسيح (ع) ترك شيئا مكتوبا ، بل أن أكثر الأناجيل شهرتا وأقدمها يعود إلى عدة مئات من السنين والأناجيل الموجودة إنما كتبها أناس تلقوا سيرة السيد المسيح شفهيا وكتبوا ما عاينوه كما يعترف لوقا في مقدمة إنجيله .
والتوراة أيضا حالها حال الإنجيل من الضياع ولكن من الثابت أن الذي كتب التوراة ودونها بعد السبي ذكر بأن التوراة ضاعت ، ولم يتبق إلا أجزاء من الشريعة الشفوية أيضا . على كل حال فمنذ الصدر الأول للمسيحية وحتى قبل أكثر من 200 سنة كان أمر منع الكتاب المقدس من التداول هو الشائع ، فلا أحد من عامة الناس ولا حتى وجهائهم يستطيع أن يقترب من الكتاب المقدس أو حتى لمسه ، بل أن الذي يتولى قراءة الكتاب المقدس وشرحه للناس هو راعي الكنيسة فقط ، وهذه طريقة للحفاظ على مستوى معين من الحضور للناس لغرض الفائدة المادية . 
فلقرون طويلة احتفظ علماء الدين المسيحي لأنفسهم فقط حق قراءة الكتاب المقدس ، وحرموا على بقية الناس قراءته أو لمسه أو حتى الاقتراب منه ، وكان ذلك يعتبر خطيئة كبرى . 
أحاطت هالة من الشك والغموض حول هذا الكتاب الذي لا يستطيع أحد الاقتراب منه ، فتبرع علماء كثيرون لنشر الكتاب المقدس بين عامة الناس ، ولكن كانت هناك عقبة وهي لغة الإناجيل حيث كان مكتوبا باللغة اليونانية القديمة ، ولكن جميع هؤلاء العلماء الذين حاولوا ترجمة الكتاب ونشره بين الناس أدينوا بالهرطقة وأعدموا ، أمثال جون ويكلف وغيره .
واستمر المنع حتى أواخر القرن الرابع عشر حاول وليم تندل ترجمة الكتاب المقدس ، وقد شجعهُ على ذلك جهل رجال الدين المسيحي بما في الإنجيل مع أنهم وحدهم يملكون حق قراءته أو تفسيره . وقد سأل تندل يوما أحد رجال الدين عن معنى آية من الإنجيل ، فنهره رجل الدين وكاد يتسبب في مقتله فخاطبه تندل قائلا: إذا أبقاني الله حيا ، فلن تمضي سنوات كثيرة حتى أجعل الصبي الذي يسوق المحراث يعرف من الأسفار المقدسة أكثر مما تعرف أنت . 
لقد كان ذلك مشروعا خطرا جدا لأن رجال الدين كانوا يقاومون بشدة وضراوة أيّ مجهود لجعل الأسفار المقدسة متوافرة لعامة الناس ، لأن الناس لو اطلعوا على ما في الأسفار لولوا من الكنيسة فرار ـ هذا ما ستقرأه في الفصل الآتي ـ 
خاف تندل وهرب من إنكلترا إلى ألمانيا حيث تتوفر المطابع اليدوية . ثم قام سرا بترجمة الإنجيل فقط ، ترجمهُ من اليونانية الأصلية ، وطُبع منه نحو (30.000 ) استطاع تندل أن يهربها إلى إنكلترا . ولكن ما أن وصل خبرها إلى أسقف لندن حتى اشترى كل نسخة أمكنه العثور عليها ثم جمعها وأحرقها علانية في فناء كنيسة القديس بولص بوسط لندن . وتمت المطاردة العنيدة لتندل ، وأخيرا تم القبض عليه فتم اعتقاله وحوكم ، وأدين بالهرطقة والزيغان من الديانة المسيحية . وفي سنة (1536 ) خُنق وأحرق على الخشبة أمام الناس . ثم صدر مرسوم يعاقب بالحرق كل من يُعثر عنده على نسخة من إنجيل تندل. 
http://img105.herosh.com/2011/05/12/510006288.jpg
لم يعثر الناس بعد على أي نسخة من هذا الإنجيل حتى القرن العشرين حيث عُثر على نسخة أصلية منه فاشترتها المكتبة البريطانية بمبلغ ( 1,600,000 ) مليون وستمائة ألف دولار أميركي وكانت هذه النسخة محفوظة في مكان لم يخطر على أحد أن يفتشهُ ، لقد أخفاها أحد خدم الكنيسة بعد أن سرقها من الأكداس التي كان يجمعها أسقف لندن في فناء كنيسة القديس بولص، ثم أخفاها في الكنيسة نفسها ثم نقلها أحد أحفاد هذا الخادم إلى كلية بريستول المعمدانية في إنكلترا سنة 1784 حيث أخفاها هناك . وعندما تم العثور عليها ووقعت بين يدي الدكتور روجر هايدن ، نائب رئيس لجنة الكلية قال : نظرا لمعاناة من ترجم هذا الإنجيل فإنه يعتبر وثيقة قومية ثقافية مسيحية على جانب كبير من الأهمية ، لأن الذي ترجمها أراد أن تكون في متناول عدد أكبر من الناس ، بعد ما كنا قد أبقيناه في السراديب قرونا طويلة .
تصريحات ونستون تشرشل المتأخرة تعكس مدى المعاناة التي تعرض لها الناس على أيدي رجال الدين وذنبهم الوحيد أنهم حاولوا امتلاك نسخة واحدة من كتابهم المقدس .
يقول تشرشل : (( أحدث الإصلاح تغييرا كبيرا في مجال الإيمان الديني . فقد اكتسب الكتاب المقدس سلطة جديدة واسعة النطاق. كان الجيل القديم يعتقد أن الكتابات المقدسة تصبح خطرة إذا وقعت في أيدي غير المثقفين . وأن الكهنة فقط ينبغي أن يقرأوها .
ويقول تشرشل : في أواخر خريف سنة 1535، صدرت للمرة الأولى كتب مقدسة كاملة ومطبوعة ، وهي التي نقلها إلى الإنكليزية وليم تندل ، وكافردايل . وأصبح هنالك عدة طبعات منها . لقد فرضت الحكومة على رجال الدين أن يشجعوا على قراءة الكتاب المقدس . كانت إنكلترا ستنعم بالثقافة الدينية . إلا أن الفضل في ذلك يعود إلى حكومة هنري الثامن وليس إلى الكنيسة )) (1 )

http://img103.herosh.com/2011/05/12/710388050.jpg
المللك هنري الثامن فرض طباعة الكتاب المقدس بالقوة

لماذا اخفي الكتاب المقدس طيلة قرون .
هنا يطرح سؤال نفسه وبإلحاح ، لماذا أخفى رجال الدين الكتاب المقدس طيلة هذه القرون ؟ ولماذا قاتلوا وقتلوا من حاول أن يُظهر هذا الكتاب إلى العلن ؟
هناك عدة نقاط لعلها تسلط الضوء على ذلك ، منها :
أولا : المحافظة على سيطرة الكنيسة ورجالها على عموم الناس وشؤون حياتهم السياسية والمعاشية ، وذلك من خلال إفقار الناس إلى تعاليم دينهم ، مما يدفعهم إلى التعلق أكثر برجال الدين ، ويصبحون أداة طيعة لهم يستغلونهم ويسخرونهم لتحقيق أطماعهم مثل زجهم في الحروب ، واستخدامهم في الزراعة والصناعة والتبرع بسخاء حيث كانت طبقة رجال الدين تعيش في رخاء أسطوري ، وقد كان البابا نفسه يُحمل على كرسي من ذهب ويلبس الملابس الموشاة بالذهب . وقد وصف القرآن الكريم هؤلاء خير وصف عندما قال : ((إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل )) ( 2)
الثاني : إن بقاء الأناجيل بعيدة عن متناول مختلف طبقات الناس يتيح الفرصة لرجال الدين بالتلاعب بنصوصها وتأويلها كيفما يحلو لهم . ومن ذلك إيهام الناس بقدرة البابا على غفران الخطايا وقدرته على الحرمان الكنسي ، وقد كان عامة الناس يتصورون أن هذا موجود في الأناجيل ، فكانوا مثلا يسارعون بشراء صكوك الغفران ، أو شراء ذنوبهم ، أو شراء قطع أرض في الفردوس ، فكان هذا يدر على الكنيسة أموال خيالية ، ولما طُبع الإنجيل وأصبح في متناول أيدي الناس واطلعوا على ما فيه اتضحت لهم الصورة القبيحة لرجال الدين مقارنة بحياة السيد المسيح المتواضعة .
الثالث : الجهل المطبق الذي كان يتصف به رجال الدين ، حيث أن أكثرهم أمي لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يتوقف ذلك على القرون الماضية بل لا زال أكثرهم حتى عصرنا الحاضر غير

لازال الإسراف الكنسي حتى هذا اليوم ، هل العذراء بحاجة
إلى كل هذه المجوهرات ؟

مؤهلين وجاهلين بكثير من أمور الإنجيل أو حتى معرفة بعض الأمور الدينية ، فكثيرون أصابهم الإحباط واعتنقوا الإلحاد نتيجة لعدم تلبية الكنيسة لحاجاتهم الروحية ، وبقاء الأسئلة حائرة تدور على شفاههم ، وكمثال على ذلك نأخذ مارتن لوثر المصلح الأوربي الكبير الذي له الآن أتباع يعدون بالملايين ، كان لوثر غارقا بالجهل تهيمن عليه خرافات الكنيسة وعلى الرغم من ثقافته وتحسسه للواقع الذي تعيشه الكنيسة والبابا ، ولكنه كان يؤمن بالتقليد ويرفض ما دونه من أفكار وإن كانت حقة .
كان مارتن لوثر حالة حال الجميع يؤمن بأن الأرض هي مركز الكون وأن كل شيء يدور حولها . وعندما عارض كوبرنيكوس ذلك وأثبت بطريقة علمية أن الأرض هي التي تدور حول الشمس ، كان لوثر من بين أولئك الرافضين لهذه الفكرة وقد قال معقبا من دون أن يقرأ ما كتبه كوبرنيكوس : (( يُميل الناس أذنا صاغية إلى منجّم مغرور يجاهد ليبرهن أن الأرض تدور ، لا السماء أو القبة الزرقاء ، ولا الشمس والقمر )) ( 3) .
فإذا كان هذا هو حال مارتن لوثر المصلح الأكبر ، فما حال من هم دونه مرتبة ممن وزعتهم الكنيسة في جميع أديرتها في العالم؟ وأوكلت إليهم مهمة تفسير الكتاب المقدس للناس ؟.
يقول الراهب جيروم ( Jarum) إن عيش رجال الكنيسة ونعيمهم كان يزري بترف الأمراء والأغنياء والمترفين ، وقد انحطت أخلاق البابوات انحطاطا عظيما واستحوذ عليهم الجشع وحب المال وعدوا طورهم ، حتى كانوا يبيعون المناصب والوظائف كالسلع ، وقد تباع بالمزاد العلني ، ويؤجرون أرض الجنة ، ويأذنون بنقض القانون ، ويمنحون شهادات النجاة وإجازات عمل المحرمات والمحظورات يبيعونها كما يبيعون طوابع البريد ، ويرتشون ويرابون ، وقد بذروا المال تبذيرا حتى اضطر البابا انوسنت الثامن أن يرهن تاج البابوية المرصح بالأحجار الكريمة . ويذكر عن البابا ليو العاشر أنه أنفق ما ترك البابا السابق من ثروة وأموال ، وأنفق نصيبه ودخله وأخذ إيراد خليفته المترقب سلفا وأنفقه ، ويروى أن مجموع دخل فرنسا لم يكن يكفي البابوات لنفقاتهم وإرضاء شهواتهم .
كان الناس ضحايا هذه الممارسات ، وكان جبروت البابوات يزداد يوما بعد آخر ، وعندما بدأ النزاع والمنافسة بين البابوية والإمبراطورية في القرن الحادي عشر ، فاشتدت بعنف وحمى وطيسها ، وانتصرت فيها البابوية أولا حتى ان هنري الرابع ممثل الإمبراطورية اضطر سنة 1077 م أن يتقدم بخضوع نحو البلاط البابوي في قلعة كانوسا حيث لم يسمح له البابا بالدخول إلا بعد أن شفع له الرجال ، فسمح له بالمثول بين يديه . فدخل الإمبراطور صاغرا حافيا لابسا الصوف وتاب على يديه فغفر له البابا زلته. وكانت الحروب بين البابوية والإمبراطورية سجالا حتى ضعفت البابوية ، وبقي الناس هذه المدة الطويلة يتنازعهم عاملان ديني ودنيوي وبقوا يرزحون تحت نيرين إمبراطوري وآخر بابوي .
الفقر والبطالة دفعا الناس إلى الانخراط في سلك الرهبنة للتنعم بلذائذ الدنيا والاغتراف من شهواتها على حساب شقاء الآخرين يقول مؤلف كتاب : تاريخ أخلاق أوربا : زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة ، وعظم شأنهم واستفحل أمرهم واسترعوا الأنظار وشغلوا الناس ، بحيث لا يمكن إحصائهم على وجه الدقة لأن هذا من أسرار البابوية ومصدر من مصادر قوتها . ولكن مما يلقي الضوء على كثرتهم وانتشار الحركة الرهبانية ما رواه المؤرخون بأن عددهم بلغ نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر ! ( 4) وكان الجهل السمة البارزة فيهم .
حتى رأس الكنيسة الكاثوليكية ( البابا ) كان جاهلا ونتيجة لجهلها كانت البابوية تحرم شيء ثم تحلله تبعا لمصالحها والويل ثم الويل لمن لا يطيع مراسيمها ، ومثال على جهلها وتدخلها في كل شيء أن الحكومات الأوربية قامت بتعميم إسالة الماء الصافي والمعقم في المدن ولما كان هذا يطيل من أعمار الناس ويقلل من فرص حصول الكنيسة على أموال مراسيم الجنائز ، بادرت الكنيسة إلى منع الناس من الشرب من هذا الصنابير العامة ، بحجة أن الشيطان يرقد فيها ، وأن الذي سيشرب منها سيتعرض للحرمان الكنسي (5 )
بعد هذه القرون من المنع تم التغلب على رجال الدين وأفرج عن الكتاب المقدس ولكن ما أن بدء الناس يملكونه ويقرأونه حتى رموه جانبا ، وهجروا المسيحية برمتها ، وعندها عرف الناس لماذا كان رجال الدين يخفون الكتاب المقدس طيلة هذه القرون . إنه الاختلاف والتضارب بين النصوص وعدم تشابه الوقائع واختلافها اختلافا بينا واضحا فاضحا .
يقول رئيس أساقفة كانتربري الانغليكاني جورج كاري واصفا الوضع في الكنيسة بتعابير حية : نحن ننزف حتى الموت ، وهذه قضية ملحة جدا يجب أن نواجهها . فهناك شعور معاد للدين وهجر صامت متواصل له . فالكاتدرائيات الأوربية الشهيرة أصبحت تفتح أبوابها للسياح فقط بدلا من جذب الناس ، والكنيسة التي كانت فيما مضى لا تقهر هزمتها اللامبالاة والعلمانية والسبب نحن .
تم البحث . المصادر:
1- ونستون تشرشل تاريخ الشعوب الناطقة بالانكليزية المجلد الثاني .
2 - سورة التوبة آية 34 .
3 - تاريخ الفلسفة الغربية ، أسحق أدوارد ، الطبعة الأولى .
4 - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، الندوي نقلا عن تاريخ أخلاق أوربا ، ليكي .
-National Geographic, January 1991 . vol 179,no 5

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق