نقل السيد احمد القبانجي الفصل الثاني ص45 تحت عنوان ـ الإعجاز البلاغي للقرآنفقرتين, اولاهما عن العلامة الطباطبائي والثانية عن محمد رشيد رضا في تفسيريهما وجاء في الفقرتين بحسب نقل القبانجي:
يقول الطباطبائي صاحب الميزان في تصوير التحدي القرآني للبشر:
«وقد تحدى القرآن بالبلاغة كقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا مناستطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وان لا اله الا هو فهل أنتم مسلمون)والآية مكية .. وفيها التحدي بالنظم والبلاغة فان ذلك هو الشأن الظاهر من شؤون العرب المخاطبين بالآيات يومئذ، فالتاريخ لا يرتاب أن العرب العرباء بلغت من البلاغة في الكلام مبلغاً لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدمة عليهم والمتأخرة عنهم..»
ويقول صاحب تفسير «المنار» في بيان المعجزة البلاغية للقرآن:
«الوجه الثاني: بلاغته التي تقاصرت عنها بلاغة سائر البلغاء قبله وفي عصر تنزيله وفيما بعده، ولم يختلف أحد من أهل البيان في هذا، وانما أورد بعض المخالفين بعض الشبه على كون بلاغة كل سورة من قصار سوره بلغت حدّ الاعجاز فيه. والقائلون به لا يحصرون اعجاز كل سورة فيه، ويتحقق التحدي عندهم باعجاز بعض السور القصيرة بغيره، كاخبار الغيب في سورة الكوثر التي هي أقصر سورة، على أن مسيلمة تصدى لمعارضتها بمحاكاة فواصلها، فجاء بخزي كان حجة على عجزه وصحة اعجازها...»
بعد ذلك علق احمد القبانجي على هاتين الفقرتين بجملة مناقشات نوردها تفصيلا محاولين تسجيل نقاط القصور الموضوعي التي نراها عليها:
قال في ص47
(إن الآية محل الشاهد لا إشارة فيها للتحدي البلاغي كما يدعى، وانما هو مجرد تحدٍّ لأن يأتوا بعشر سور مثله، ولا دليل على أنّها مثله فيخصوص البلاغة والفصاحة، وقول العلامة أنّه هو الشأن الظاهر من شؤون العرب المخاطبين بالآيات يومئذ هو أول الكلام، فحتى على فرض أن العرب يومئذ كانوا قد بلغوا من البلاغة مبلغاً، إلاّ أنّه مجرد شأن ظاهر كما يقول، وهو مبني على خلفية ذهنية ومسبوقات فكرية على أن العرب مهروا في البلاغة والفصاحة، في حين أن هذا المعنى مجرد ادعاء، فلكل لغة وقوم بلاغتهم وفصاحتهم وشعراؤهم وادباؤهم، فمن قال بأن العرب وشعراءهمأبلغ من الفرس أو الفرنسيين في لغتهم وأدبهم وشعرهم؟
فنحن امام قضية يستحيل الحكم فيها لصالح أحد الأقوام والثقافات البشرية، لأن مقاييس بلاغة كل لغة وثقافة مختصة بتلك اللغة لا تتعداها إلى غيرها، فالأدباء العرب يرجحون الأدب العربي الجاهلي من حيث البلاغة والفصاحة، والأدباء الفرس يرون في شعر حافظ وسعدي وبهار (ملك الشعراء) أنّه أبلغ من جميع الأشعار، وهكذا ترى كل امة في أدبائهاوشعرائها ذلك).
اقول: هذا الكلام لايخلو من غرابة لان:
1- التحدي بالاتيان بمثله ليس مخصصا ابتداء في خصوص القصاحة والبلاغة كيف وحذف المتعلق يدل على العموم؟, ذلك العموم الشامل للفصاحة والبلاغة لامحالة, والسيد العلامة نفسه يرى عموم التحدي لجميع المعارف التي جاء بها القران الكريم كما سياتي تفصيله,نعم هو -قد- يرى ان التحدي لخصوص مشركي العرب كان واضحا بالفصاحة والبلاغة لان الضرورة التأريخية قائمة على انهم امتازوا امتيازا بيّنا فيهما اولا ولان القران الكريم كان في اعلى درجات الفصاحة والبلاغة وهذا يجعل من المنطقي جدا ان يكون التحدي في هذين الامرين اللذين عرفوا بهما واشتهروا بسسبهما بين الامم ثانيا ولان تحديهم لو لم يكن بالفصاحة والبلاغة لاجابوا وقالوا اننا لانعرف جهة التحدي التي اعلنتها علينا وطالبتنا بمماثلتها او لانجيدها لان اصولها ليست بأيدينا ولاتخذوا ذلك ذريعة لاسقاط القران الكريم وهذا على اي حال امر ابلغ بكثير من ترهاتهم وسخافاتهم التي قابلوا بها القران وحامله-ص- ولو فعلوا لاجابهم القران واهتم باشكالهم هذا اشد من اهتمامه باجابة اشكالياتهم الساذجة التي حاولوا بها تبرير اتيان النبي -ص- بالقران الكريم.ولامناص حينئذ من وصول كل هذا لنا بعد كثرة دواعي نقله, لكنهم سكتوا عن كل ذلك وهو امر يشعر بان جهة الاعجاز كانت واضحة في اذهانهم وضوحا لالبس فيه ثالثا,على ان التحدي لو لم يكن فيهما لكان يمكن لهم ان يأتوا بسورة او سور في التاريخ والقصص او التشريع والاخلاق او غيرها مضاهية للقران الكريم بلاغة وفصاحة ويتخذوها ذريعة لتبكيت القران وانصاره فان فعلهم هذا بالنهاية يصدق عليه المعارضة والتحدي لاسيما وانهم قدموا لذلك مقدمة وهي وصفهم القران الكريم بانه نتاجات شاعر( وان يقولوا شاعر نتربص به ريب المنون,قل تربصوا فاني معكم من المتربصين) وهو عمل لو قاموا به لكان وقعه في النفس عظيما واثره في المجتمع كبيرا ولكانت مقبوليته ابلغ بمالايقاس من اتهمام صاحب القران-ص- بالجنون والكاهنة والشاعرية والتعلم ...الخ رابعا.
2- سؤاله القائل( فمن قال بأن العرب وشعراءهمأبلغ من الفرس أو الفرنسيين في لغتهم وأدبهم وشعرهم؟) فجوابه:
أ- هذا الامر لاربط له بالمسألة المبحوث عنها وهي تحدي القران مشركي قريش بلاغيا لان اثبات هذا المطلب متوقف على مسلمة وحيدة وهي اجادة العرب للفنون الادبية بصورة واضحة وجليّة, ولو تم ماذكره القبانجي فانما يتم في خصوص رد كلام العلاّمة القائل بان امة العرب تجاوزت الامم الاخرى بالبلاغة والفصاحة بفواصل كبيرة جدا.
ب-ان ادراك تفوق العرب في البلاغة امر تثبته المقتضيات والبواعث التي تكاد تنعدم من حيث مجموعها عند امة من الامم, وربما يرجع ذلك الى اكثر من سبب:
الاول: ان من سبر غور النقل والموروث الادبي يجد شدة اهتمام العرب بالمخرجات الادبية بما لم يحدثنا التاريخ عن نظير له عند الامم السابقة واللاحقة بحيث صارت ارضهم منبت للأدب ومزرعة للبلاغة والفصاحة, وقد انعقدت سيرة ملوكهم وعظماؤهم منذ القدم على تقريب اهل الادب وصلتهم والخلع عليهم وتخصيصهم بالجوائز الثمنية والاعطيات العظيمة وهو امر لم يحدثنا التاريخ عن وجوده في اي مجتمع اخر .
ولم يكن الامر مقتصرا على العظماء والزعماء والملوك والامراء بل تعداه الى احاد الناس وسوقتهم والشاهد على ذلك المنتديات الادبية واسواق الشعر والخطابة والمهرجانات السنوية التي يعقدونها لهذا الغرض حتى قيل:(... وأما العرب فقد برعت في البلاغة، وامتازت بالفصاحة، وبلغت الذروة في فنون الأدب، حتى عقدت النوادي وأقامت الأسواق للمباراة في الشعر والخطابة. فكان المرء يقدر على ما يحسنه من الكلام، وبلغ من تقديرهم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر القديم، وكتبوها بماء الذهب في القباطي، وعلقت على الكعبة، فكان يقال هذه مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره
واهتمت بشأن الأدب رجال العرب ونساؤهم، وكان النابغة الذبياني هو الحكم في شعر الشعراء. يأتي سوق عكاظ في الموسم فتضرب له قبة حمراء من الادم، فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها ليحكم فيها.1
اما بواعث ذلك واسبابه فنجده واضحا في كلمات ارباب الفن واستاذة الصناعة فأبو عمرو بن العلاء يصوّر فرط حاجة العرب إلى الشعر باعتباره هو "الذي يقيّد عليهم مآثرهم، ويضخّم شأنهم، ويهوّل على عدوهم ومن غزاهم، ويهيّب من فرسانهم، ويخوِّف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيره فيراقب غيرهم)). و يزيد النهشلي في بيان هذا الدور الذي يؤديه الشعراء، قائلا "ذبهم عن الأحساب، وانتصارهم به على الأعداءوقد ذكر ابن رشيق في العمدة نماذج من الشعر الذي قيل في الدفاع عن القبيلة، والانتصار لها من الخصوم تحت عنوان "باب احتماء القبائل بشعرائه".
يقول ابن قتيبة: "وللعرب الشّعر الذي أقامه الله تعالى مقام الكتاب لغيرها، وجعله لعلومها مستودعاً، ولآدابها حافظاً، ولأنسابها مقيّداً، ولأخبارها ديواناً، لا يرِثّ على الدهر، ولا يبيد على مرّ الزّمان..."وأثنى ابن سلام على لبيد فقال: "كان في الجاهلية خير شاعر لقومه، يمدحهم، ويرثيهم، ويعدّ أيامهم ووقائعه ) وهكذا العلوي يبين العلوي باعثا اخر في اهتمام العرب بالادب قائلا: "إن الشعراء يحضّون على الأفعال الجميلة، وينهون عن الخلائق الذميمة، وإنهم سنّوا سبيل المكارم لطلابها، ودلّوا بناة المحامد على أبوابها.."ومن هنا صار نبوغ شاعر في قبيلة ما مدعاة للفخر والاعتزاز وحادثا نادرا يوجب الاحتفال به على وزان الاحداث العظيمة والاعياد الجليلة قال النهشلي: "وكان الشاعر في الجاهلية إذا نبغ في قبيلة ركبت العرب إليها فهنأتها به، لذبّهم عن الأحساب، وانتصارهم به على الأعداء. وكانت العرب لا تهنئ إلا بفرس مُنْتج، أو مولود ولد، أو شاعر نبغ).
وقال ابن رشيق: "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذبّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج.."ويستطرد النهشلي في حديثه عن منزلة الشعر عند العرب ومقامه الرفيع، مبيّنا سبب كل ذلك بالقول: "كانت العرب لا تعدل بالشعر كلاماً، لما يفخّم من شأنهم، ويُنْهي من ذكرهم.
و أبو عمرو يبيّن مكانة الشعراء عند العرب، بقوله: "كانت الشعراء عند العرب في الجاهلية بمنزلة الأنبياء في الأمم.."ولهذه المنزلة رفع الشعر ووضع، وخيفت ألسنة الشعراء، وكان لهم أسنان وأقدار، تُقبل شفاعتهم، وتكرم وفادتهم، ويُنزل عند قضائهم.
وبسبب التصاقه بوجدان الجماهير، وتجنّده في خدمة قضاياهم، وتحريه الصدق، علا شأنه في العرب، وسمت منزلته، ونُظِرَ إلى الشاعر على أنه مصدر الحكمة والحق، حتى قال قائلهم:
"كل حكمة لم ينزل فيها كتاب، ولم يُبْعث بها نبي، ذخرها الله حتى تنطق بها ألسن الشعراء.
واحتكم العرب إلى الشعر في أمور حياتهم، فكان مسموع الكلمة، نافذ الرأي، قال ابن سلام:
"كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم، ومُنْتَهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون".ولقد آمن العرب بالذات أن شعرهم هو وعاء تجاربهم، ومستودع حكمتهم، وهو ديوان معارفهم وعلومهم. وتتردد على ألسنة نقاد كثيرين عبارة: "الشعر ديوان العرب" التي تعني ما يمكن أن نطلق عليه بمصطلح العصر "دائرة معارفهم".قال ابن فارس: "الشعر ـ شعر العرب ـ ديوانهم، وحافظ آثارهم، ومقيّد أحسابهم".وقال الثعالبي: "كان يقال: الشعر ديوان العرب، ومعدن حكمتها، وكنز أدبها".وقال التّبريزيّ عن الشعر: "أفضل الأمم من كان به أمهر، وحظّه فيه أوفر، وهم العرب الذين جعلوه ديوانهم الذي به يحفظون المكارم والمناسب، ويقيّدون به الأيام والمناقب، ويخلدون به معالم الثناء، ويبقون به مواسم الهجاء، ويضمّنونه ذكر وقائعهم في أعدائهم، ويستودعونه حفظ صنائعهم إلى أوليائهم.."وقرن أبو عمرو بن العلاء الشعر بالعلم، فقال: "ما انتهى إليكم ممّا قالت العرب إلا أقلّه، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير.."وعبّر ابن قتيبة عن احتواء الشعر العربيّ على كم هائل من المعرفة والخبرة والحكمة بقوله: "الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها، ومستودع أيامها، والسور المضروب على مآثرها، والخندق المحجوز على مفاخرها، والشاهد العَدْل يوم النّفار، والحجة القاطعة عند الخصام، ومن لم يقم عندهم على شرفه، وما يدّعيه لسلفهن من المناقب الكريمة، والفعال الحميد بيتٌ منه؛ شذّت مساعيه وإن كانت مشهورة، ودرست على مرور الأيام وإن كانت جساماً. ومن قيّدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه، وأشهرها بالبيت النادر، والمثل السائر، والمعنى اللطيف، أخلدها على الدهر، وأخلصها من الجحد، ورفع عنها كيد العدو، وغض عين الحسود.
وعلى نحو ما أوضحت أقوال النقاد العرب التي ذكرنا طائفة منها وظيفة الشعر في حفظ المآثر والأحداث، وتسجيل الوقائع والأيام، بيّن النهشليّ كذلك هذه الوظيفة، فذكر أنه لولا الشعر لجُهل تاريخ بعض القبائل، وضاعت مآثر وأفعال ولم يقم لها أبداً منار. يقول:
"فلولا الشعر لم يقم لهذه الأفعال علم، ولا رُفع لها منار، ولدرست آثارها، كما درس كثير لم يقيّده الشعر، كالذي نسي من أفعال بني حنيفة وعجل، إذ لم يكن فيهم شعر، فدخلوا في جملة الخاملين2"
الثاني: تعد اللغة العربية من أغنى لغات الدنيا ثروة وأكثرها أصواتاً وأغناها مقاطعا وحروفا وتعابير حقيقيّة ومجازيّة واستعارات وكنايات بنحو ينعدم وجود مثله عند اللغات الاخرى وهذا مايفسر عدم وقوف اي لغة في وجهها والتفوق عليها او مجاراتها رغم ان هذه اللغة وباعتبارها اداة المعارف الدينية قد انفتحت على عشرات الامم واللغات والثقافات الا ان الجميع بخع الى قدرتها البلاغية الفائقة بحيث لم يحدثنا التاريخ عمن شكك في ذلك حتى اشد خصومها واصلف مناؤيها.
وبالتفات الى هذين العاملين يظهر سر ذهاب العرب في العلوم الادبية شاؤا بعيدا جعلتهم يحوزون قصب السبق في ميدان البلاغة.
ج- على اننا في غنى عن تكلف اثبات مامر ويمكن للقبانجي ان يأتينا بنصوص ادبية مقارنة من نتاجات فحول الادب العربي وغيرهم من ادباء اللغات الاخرى لينظر ذوو الذوق والوجدان ومن كان صاحب مسكة في الفنون البلاغية والادبية اي الفريقين اقصر باعا واضعف جندا,او يزودنا بشهادات خريتيّ الصناعة الادبية في الثقافات الاخرى تشهد بتفوق منتوجهم الثقافي على الادب العربي, وهذان امران اقرب للموضوعية من استبعاداته التي لادليل عليها سوى الادعاء ,على ان شهادات المنصفين من غير المسلمين تثبت ان القران الكريم يقع في سنام العلوم الادبية الانسانية بنحو لايقاربه اي نص ادبي اخر وستأتي الاشارة الى ذلك بعد قليل.
3-قوله:(فنحن امام قضية يستحيل الحكم فيها لصالح أحد الأقوام والثقافات البشرية، لأن مقاييس بلاغة كل لغة وثقافة مختصة بتلك اللغة لا تتعداها إلى غيرها، فالأدباء العرب يرجحون الأدب العربي الجاهلي من حيث البلاغة والفصاحة، والأدباء الفرس يرون في شعر حافظ وسعدي وبهار (ملك الشعراء) أنّه أبلغ من جميع الأشعار، وهكذا ترى كل امة في أدبائهاوشعرائها ذلك).
اقول:
أ- لو اكمل القبانجي كلام العلامة الطباطبائي -قد- لاتضح مراده من تقدم العرب على غيرهم في صنوف البلاغة لكن الرجل اقتطع قطعة ناقصة من كلامه-قد- ورتب عليها لوازمه الباطلة!!يقول العلاّمة الطباطبائي في بحثه حول الاعجاز من ج1 ص59 (وقد تحدى القرآن بالبلاغة كقوله تعالى:
{ أم يقولون افتراه قل فأْتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلاَّ هو فهل أنتم مسلمون }
[هود: 13-14]. والآية مكية، وقوله تعالى:
{ أم يقولون افتراه قل فأْتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله }
[يونس: 38-39]. والآية أيضاً مكية وفيها التحدي بالنظم والبلاغة فإن ذلك هو الشأن الظاهر من شؤون العرب المخاطبين بالآيات يومئذٍ، فالتاريخ لا يرتاب أن العرب العرباء بلغت من البلاغة في الكلام مبلغاً لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدمة عليهم والمتأخرة عنهم ووطئوا موطئاً لم تطأه أقدام غيرهم في كمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق....الخ).
وانت خبير ان حديث العلامة -قد- ناظر الى كمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق وغيرها من مفردات بلاغية يمكن لاي احد ان يجزم بتفوق العرب فيها على سائر الامم, وهو امر لادخالة لاختلاف مقاييسس البلاغة بين اللغات كما يتبنى القبانجي فان اختلاف المقاييس شيئ و كمال البيان ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق شيئ اخر وحديثنا في الثاني لا الاول.
وبكلمة اخرى ان المفردات التي نتحاكم اليها هي الكمال والبيان والرعاية والسهولة المتقدمة سواء كانت ثمة مقاييس بلاغية متفق عليها بين لغات الدنيا ام لا, واخال ان القبانجي يعي جيدا ان السيد العلاّمة مفسر خبير ومطلع على اكثر من لغة بحيث يتمكن من من محاكمة اللغة العربية اليها, على ان النوبة لم تصل الى ادعاء ان هذه اللغة ابلغ من تلك حتى يعترض عليه بان مقاييس تحديد البلاغة متفاوتة بين لغة واخرى بل كل ما قاله العلّامة ان العرب في خصوص هذه المفردات بلغوا مبلغا لم يصله احد قبلهم ولابعدهم ,بل حتى لو قلنا ان العرب ابلغ امة عرفها التأريخ فان اشكال القبانجي لايتم لان من يدعي الخلاف مطالب باقامة الاثباتات اللازمة ويكفينا عدم وجود هكذا دعوة رغم كثرة دواعي طرحها على مرور الاجيال, فمابالك والدعوة على خلاف هذا تماما كما يجدها بوضوح من راجع كلمات المنصفين من المستشرقين الذين قضوا ردحا طويلا من اعمارهم في دراسة علوم العربية والمبادىء الاسلامية؟
يقول المستشرق بلاشير في تاريخ الأدب العربي، 2 / 31
.
ويضيف هذا الاستاذ المتمرس في الادب العربي كما في القرآن الكريم، ص 102 – 103 (.....إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضًا ويمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجَّلته من التحف.. ....)3.وعلى غرار كلام بلاشير يقول الدكتور فليب حتي استاذ التأريخ الاسلامي ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية في جامعة برنستو,فيالإسلام منهج حياة ، ص 62:"إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلّد. وهذا في أساسه، هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى...)4
وهكذا غير هذين العلمين كثير من غير المسلمين المنصفين تجد تفصيل ذلك في (قالوا في الاسلام) للدكتور عماد الدين خليل.
وان كان احمد القبانجي يرى خلاف هذا فليأتنا باثباتات معللة مغايرة لما قلناه ان استطاع الى ذلك سبيلا..
ب- يمكن القول:اننا لسنا في وارد الحكم لصالح احد الاقوام والثقافات البشرية بقدر مانريد القول ان العرب الاوائل وصلوا القمة من حيث الاهتمام بالشؤون البلاغية,ذلك الاهتمام الذي لم يحدثنا التاريخ عن امة من الامم انها بذلت شطرا منه تجاه الادب وفنونه وهو امر يكفي لتقرير اصل المطلب الذي يدور الكلام حوله وهو تحديهم بالبلاغة والفصاحة, و قد قلنا ان اشكال القبانجي لو تم انما يتم في خصوص رفض فكرة ارجحية البلاغة العربية على سائر اللغات الاخرى وهو امر لسنا حريصين على ابطاله لانه لايمس التحدي الثابت للقران الكريم للعارفين بالاساليب العربية سواء كان التحدي حقيقة كما يراه غالب علماء الاسلام او ادعاء منهم كما يتبنى احمد القبانجي ,ومعلوم ان البلاغة لاتختص بقوم دون قوم ولا لغة دون اخرى وعلى هذا الاساس يطال التحدي القراني جميع لغات الدنيا فتأمل.
قال القبانجي:( إن القرآن نفسه يكذّب هذا الإدعاء بالتحدي البلاغي، لأنه يتحدى الانس والجن قاطبة ويقول:
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً()).
ومعلوم أن الأقوام البشرية لا تتكلم العربية بأجمعها، بل أن العرب لا يشكلون إلاّ جماعة صغيرة ونسبة قليلة جداً من الذين يتكلمون باللغات غير العربية، فاذا أضفنا الجن اليهم ازدادت نسبة الطرف المقابل كثيراً، ولا يعقل أن يتحدى الله سبحانه كل هؤلاء بأن يأتوا بمثل هذا الكتاب العربي في بلاغته وهم لا يفهمون من بلاغته شيئاً، ولو طلب منهم الإتيان بكتاب مثله بلغتهم لأمكن أن يدّعوا بأن كتابهم أفصح وأبلغ، ولا معيار في البين يمكن التحاكم إليه لتشخيص الفائز في هذه المسابقة.
فالمفروض في المقام أن يتحدى القبائل العربية فقط لا الإنس والجن.
اقول:
1- ليس بين تحدي القران الكريم لعرب الجاهلية في البلاغة والفصاحة وبين شمولية التحدي للجن والانس اي تهافت او تناقض حتى يصار الى جعل تحدي القران الكريم الانس والجن قرينة على كذب دعوى تحديه البلاغي لعرب الجاهلية لان:
أ- نفس شمولية التحدي وعموميته يستبطن التحدي البلاغي لان البلاغة احدى الصناعات البشرية التي قد لا تخلو منها لغة ,والمفروض ان التحدي جاء للانس والجن فيما يتقنونه ويحسنونه والبلاغة احد مصاديق ذلك, ومن البيّن ان احدى اهم مميزات بيئة النص القراني هي فصاحة اهله وبلاغتهم.
وغير خفي على الاستاذ القبانجي ان السيد العلاّمة -قد- يرى عموم التحدي وشموليته لجميع المفردات التي تناظر مساحته المعرفية,ولاندري لماذا اغمض القبانجي الطرف عن كلامه-قد- وحمل كلامه لايحتمله رغم ان رأيه-رحمه الله- مطروح وبوضوح تام لا لبس فيه في نفس موضوع التحدي الذي نقل القبانجي عنه!!
يقول الطباطبائي -قد- في ج1 ص62(......فلو كان التحدي ببلاغة بيان القرآن وجزالة أسلوبه فقط لم يتعد التحدي قوماً خاصاً، وهم العرب العرباء من الجاهليين والمخضرمين قبل اختلاط اللسان وفساده، وقد قرع بالآية أسماع الإِنس والجن.
وكذا غير البلاغة والجزالة من كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعية والأخبار المغيبة ومعارف أُخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كل واحد منها مما يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدي على الثقلين ليس إلاَّ في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات. فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقننين في تقنينهم، وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان.
ومن هنا يظهر أن القرآن يدعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كونه إعجازاً لكل فرد من الإِنس والجن من عامة أو خاصة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لب يشعر بالقول......).
ب- كلامه اعلاه فيه خلط بين القشرة الخارجية للنص وشكله وبين مضمونه ومحتواه فصحيح ان المطلوب هو الاتيان بمضمون يضاهي المضمون القراني في اي مفردة طرحها تأريخية او اخلاقية او قصصية او غيرها بيد ان ذلك لايعني الاتيان بها خلوا من قشرة بليغة تشكل بجمعها مع المحتوى مايمكن عده-مثله-, يبقى الامر الواضح من التحدي ان القشرة البلاغية المطلوبة لاينبغي ان تكون عربية بالضرورة بعد ان قلنا ان البلاغة والفصاحة لا اختصاص لها بلغة العرب اولا وبصدق المماثلة العرفية بين نصين ادبيين حتى ان كانا متغايرين لغة, نعم ربما تكون البيئة العربية التي نزل بها القران الكريم قد ألقت بظلالها على التحدي المطلوب بحيث جعلته وكأنه مقصور على لغة تلك البيئة فقط ,الا ان هذا امر يدفعه تصريح القران الكريم بالتحدي لجميع الناس(ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله) بل لجميع الانس والجن كما هو صريح الاية التي سجلها القبانجي نفسه, ونزعم ان هذا كان واضحا حتى في اذهان معاصري القران الكريم لوضوح ان احدا -لامن العرب ولامن غيرهم - لم يعترض على تحديه الانس والجن وكل ماسوى الله تعالى قائلا ان هذه القضية مختصة بمن يعرف اللسان العربي ولايتعداه الى غيره فلم شمولية التحدي الى غيرهم؟
ج-اما قوله:(بكتاب مثله بلغتهم لأمكن أن يدّعوا بأن كتابهم أفصح وأبلغ....الخ) ففيه:
ان الادعاء شيئ والواقع شيئ اخر فلياتوا اولا بكتاب مماثل للقران الكريم ثم بعدها ننظر في صدقية دعواهم افصحيته وأبلغيته والحكم في ذلك المتخصصون في ادب اللغات المقارن او من يمكنه تحديد اي الكتابين اوفى بكمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق وغيرها,على ان دعواه هذه لم تكن خافية ولابعيدة المنال عن الامم والشعوب التي وصلها صوت القرأن المتحدي عبر اجيال متمادية ولم نسمع ان احدا اعتذر بما اعتذر به احمد القبانجي بعد الف واربعمائة وتزيد من عمر التحدي!
3 ـ قال القبانجي(.... إذا كان معنى المعجز كون العرب لا يستطيعون الإتيان بمثله في البلاغة، فنهج البلاغة للإمام علي(عليه السلام) كذلك، فالعلماء وأهل الأدب والبلاغة يصفون هذا الكتاب أنّه: «فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق» ومحل الشاهد هو الجملة الأولى، فلو فرضنا أن كلام الإمام علي(عليه السلام) فوق كلام البشر من جهة البلاغة، فيصح تسميته بالمعجزة على التعريف المذكور، ولم يبق فرق حينئذ بينه وبين القرآن من هذه الجهة إلاّ من حيث التحدي، أي أن الإمام لو كان قد تحدى العرب على أن يأتوا بمثله لما استطاعوا، فثبت أن مجرد الإتيان بكتاب بليغ لا يستطيع الآخرون على الإتيان بمثله يمكن أن يصدر من البشر ولا يختص ذلك بالله تعالى. فاذا استطاع الإمام علي أن يأتي بكتاب أعجز جميع العرب أن يأتوا بمثله، فالنبي الذي هو أبلغ وأفصح من الإمام علي بإمكانه أن يأتي أيضاً بكتاب تعجز العرب جميعاً عن الإتيان بمثله، وبعبارة اُخرى: أنّه كما عجزت العرب عن الإتيان بمثل نهج البلاغة وهو كلام بشري، فكذلك عجزوا أيضاً عن الإتيان بكتاب مثل القرآن الذي جاء به محمد(صلى الله عليه وآله)،وعليه فما المانع من أن يكون هذا الكتاب، وهو القرآن، كلام بشري أيضاً؟
اقول:1- لايوجد محذور من عد النهج الشريف معجزة عند التوسع في اطلاق اسم المعجزة شأنه شأن العديد من الوقائع الاعجازية التي حفظها لنا التأريخ عنهم -صلوات الله وسلامه عليهم- لاسيما وانهم -و الامام-ع- في مقدمتهم كانوا امتدادا طبيعيا لمقام النبوة ومصداقا واضحا للسفارة الربانية ومن هنا ليكن نهج البلاغة شاهدا اعجازيا على هذا المقام الكريم, واين المحذور في ذلك؟
2- ربما يقال ان المحذور هو ماذكره القبانجي في ذيل فقرته المتقدمه من عد النهج كلاما بشريا فهو وان كان بهذه الصفة الا انه معجز بالنهاية لاسيما مع توصيفه بانه(فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق),الا ان هذا اول الكلام فمن قال ان النهج كلام بشري بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة؟
انه يمكننا القول ان كلماتهم -عليهم السلام- وافعالهم العجيبة هي نتاج الاقدار الالهي والتفضل الرباني تبعا لمتطلبات الموقع الالهي الذي هم -ع- فيه بعد كون ذلك الاقدار والتفضل ضرورة لا مناص منها اما لتحقيق مبدأ الافضلية المطلوب لاكمال قاعدة(قبح تقديم المفضول على الفاضل) و(قبح ترجيح احد الطرفين المتساويين على الاخر لانه ترجيح بلامرجح) ومعلوم ان الافضلية تعد شرطا لازما عند الامامية, ومن هنا قيل:(كلام الامام امام الكلام), اما لهذا او لاحتياج مقام الامامة له على مستوى اثبات اصل تحققها فيهم -ع- والقيام بوظائفها واداء مهماتها وهذا كله يستلزم الاستعانة بالامداد الالهي بشكل واخر.
3- سؤاله الاخير (فما المانع من أن يكون هذا الكتاب، وهو القرآن، كلام بشري أيضاً؟) جوابه:
الفرق بين عد النهج كلاما بشريا-ان قبلنا حرفية هذه الفكرة- وبين عد القران الكريم كلاما الهيا رغم اشتراكهما في تعجيز الاخرين عن الاتيان بمثلهما راجع الى كون العجز المأخوذ في القران الكريم هو غيره في نهج البلاغة ربما لكون بلاغة القران وفصاحته واسلوبه الفريد قد تصاغر الى جنبها كل كلام مهما كان بليغا وفصيحا حتى حكم المنصفون من اهل الفن وسجلت التجربة عجز البشرية مهما أوتيت من قوة وقدرة على الاتيان بما ماثله او قاربه,وهذا غير موجود في نهج البلاغة وكلمات الائمة عليهم السلام اذ انها وبالرغم من فصاحتها وبلاغتها لم تبلغ حدا تصير معه معجزا يشابه تماما المعجز القراني فصاحة وبلاغة واسلوبا وتركيبا وبالتالي لايمكن عدها الا تطورا كميّا للكلام العربي بخلاف القران المجيد الذي يعد من هذه الناحية طفرة كيفيا جعلته متميزا عما سواه من فنون القول وادب الكلام فلاهو بالشعر ولا هو بالنثر ولاي اشيئ اخر مألوف في الذاكرة العربية بل هو قران وحسب, مضافا الى ان كثرة استماع كلماتهم-ع- وتكرار مراودتها يجعل من تقليدها ومحاكاتها بنحو يقاربها امرا ممكنا جدا ,(قال عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع فغاضت ثم فاضت و قال ابن نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة و كثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن ابي طالب)4, في تسجيل واضح لمديونية فصاحتهم لقصاحة امير المؤمنين-ع- , وهذا كله لم يحدث للقران الكريم ولن يحدث, لذا ترى البحث السندي قائما على اشده بين اعلام المدرسة الامامية حتى في نفس خطب النهج الشريف مما يوحي بامكانية اشتباه كلامهم -ع- مع كلام غيرهم نحو تشابه ولو كان معجزا بيّنا بما تحمله هذه الكلمه من معنى لكان التأمل في المتون الروائية يكفي للاطمئنان بصدورها عنهم-ع- من عدمه,وهو غير موجود ألبتة.
ويمضي القبانجي قائلا(ـعلى فرض أن القرآن تحدى العرب بالبلاغة، إلاّ أن نظرة تاريخية سريعة للموقف في ذلك الزمان يشير إلى عدم تحقق الفرصة للمشركين للموافقة على هذا التحدي وقبوله، وحينئذ يبقى التحدي القرآني البلاغي مجرد شعار واطروحة تفتقد الميدان العملي لترجمتها على أرض الواقع، المشركون عاشوا لمدة عشر سنوات (فترة وجودة النبي في مكة منذ الاعلان عن الدعوة إلى زمان الهجرة) لا يتصورون أن هذا الدين الجديد قد يبلغ به الخطر إلى أن يهدد وجودهم وكيانهم بين القبائل، فما هو إلاّانحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان وسلوك شاذ لدى فئة قليلة من الفقراء والعبيديمكن معالجته بأدوات الارعاب والقهر والتعذيب. فلم يشعروا بالخطر الجدّي على دينهم وكيانهم حتى يهتموا للإتيان بكتاب نظير القرآن في البلاغة، وخاصة إذا علمنا أنّ أول آيات التحدّي نزلت في سورة الاسراء وهي من السور المكّية التي نزلت قبل الهجرة بسنة أو سنتين، وسائر آيات التحدّي نزلت في المدينة، ولما أحسّ المشركون بالخطر وهاجر النبي إلى المدينة انشغلوا بالحروب والقتال مع أنصار هذا الدين الجديد وكانت المواجهة بينهما قد أخذت طابعاً عسكرياً وميدانياً، والغلبة لمن يغلب خصمه في ميدان القتال لا في البلاغة، واستمر الحال على هذا المنوال عشر سنوات اُخرى تقريباً حتى دخل المشركون وعلى رأسهم قريش في الإسلام جميعاً، وحينئذ أغلق باب التحدي عملياً، لأن أحد المسلمين مهما كان بليغاً لا يتجرأ على منازلة القرآن وقبول تحديه بل ولا يفكر في مثل هذا الأمر لأن مصالحه ستتعرض حتماً إلى الخطر، وأهون ما يصير إليه أن تضرب عنقه بتهمة الإرتداد وتكذيب القرآن.
اقول: كلامه هذا سطحي الى حد بعيد ومخالف لضرورة النقل التاريخي والحدث القراني وطبائع الاشياء لان:
1- القران الكريم يتحدى بالاعجاز تصريحا او تلميحا في ايات كثيرة مكية ومدنية بيد ان اوضحها :
{ قل لئن اجتمعت الإِنس والجن على أنْ يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }
[الإسراء: 88]،{ أم يقولون افتراه قل فأْتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إنْ كنتم صادقين }
[هود: 13].{ أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون فليأْتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }
[الطور:34]* { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * البقرة 23-24{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }واللافت ان جميع هذه الايات مكية باستثناء الاخيرة لا كما عكس اخونا القبانجي!!
نعم قال ابن كثير في تفسير الاية الاولى (....وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد [ بن جبير ] أو عكرمة ، عن ابن عباس : إن هذه الآية نزلت في نفر من اليهود ، جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به ، فأنزل الله هذه الآية)5 .
وعقب على ذلك قائلا(....وفي هذا نظر ؛ لأن هذه السورة مكية ، وسياقها كله مع قريش ، واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة..)
وينبغي الالتفات الى ان الرواية الاخرى عن ابن عباس تؤكد نزولها في مكة شأنها شأن هود والطور كما عليه الجمهور6
على انه يمكن الجمع بين القولين باحد وجهين:
أ- القول بتكرار نزولها في المدينة بعد ان نزلت ابتداء في مكة وكم لهذا نظير في القران الكريم.
ب- ان رواية ابن عباس ليس فيها الا ان نفرا من اليهود جاءوا رسول الله ص وقالوا ماقالوا لكن لادلالة في ذلك على ان مجيئهم كان في المدينة بل ربما كان لقاؤهم به -ص- في مكة بعد ان كانت مبررات هذا اللقاء معقولة جدا لاسيما وان حدث ظهور نبي جديد يدعي ختم النبوة ويقيم الشواهد والادلة على عالمية رسالته يعد امرا محفزا لكل مهتم لان يبحث في حقيقة دعواه والوقوف على صدق مدعاه فضلا عن ان كل الدلائل عندهم كانت تشير الى قرب مجيئ نبي موعود والقران الكريم نفسه اعلن ذلك واحتج عليهم في ايات كثيرة.
2-ان طبائع الاشياء تقتضي ان يكون التحدي صادر منذ اوائل الدعوة الشريفة لان الامر المقطوع هو ان اول سؤال سيواجهه النبي -ص- هو ماهو دليلك على ارتباطك بالسماء؟
لذا فان تأخير اعلان التحدي القراني كل هذه السنين غير منطقي تماما اولا وسيفتح الباب على مصراعيه ثانيا للتشكيك والطعن في حقانية الدين الجديد لان تأخره سيعني الهزيمة عمليا في ميدان مباراة الخصوم لا لشيئ الا لان صاحب دعوة النبوة تأخر--بلامبرر موضوعي- سنين عددا في اعلان دليل نبوته القوي ولما اعلنه لم يدع لنا مجال كافيا للرد عليه بل فر من بلدتنا تحت جنح ظلام الليل فتحول من المحاججة الفكرية الى القوة العسكرية فهل يسلكن احد المسلك الذي ابتدعه اخونا القبانجي ويقول بتأخر التحدي الى مايقارب سنة او سنتين قبل الهجرة وامام ناظريه عشرات السور المكية التي تشكل غالبية القران الكريم؟ وان النبي -ص- تأخر كل هذه الفترة ثم فجأة اعلن التحدي ولم يترك لمناؤيه مساحة زمنية من اجل الرد؟
كل هذه على تقدير حدوثه يعني في ما يعنيه ضعف الحجة وخواء البرهان عند من يدعي الارتباط بغيب السماء,ولايحتمل عاقل ان محمدا -ص- النابه الذكي غابت عنه كل هذه الاثار الباطلة ,او ان الامر مر من دون ان يثير حفيظة احد صديقا كان او عدوا فيشكل ويستفهم عن سبب تأخر التحدي كل هذه السنين -رغم انه رأس مال الرسالة وحجر زاوية النبوة- وعن ادعاء الكفار انهم لم يعطوا المجال للكافي للمجابهة والرد ولو اعطوا لفعلوا,ومن الطبيعي ان هذه الملابسات لو وقعت لوصلت الينا قطعا لكثرة دواعي نقلها بين الاصدقاء والاعداء وهو واضح بأدنى تأمل(لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).
3- امر التحدي لم يكن مقصورا على عرب مكة حتى يعتذر القبانجي لهم بما اعتذر به بل هو شامل ابتداء وبدرجة اساسية جميع سكان الجزيرة العربية ممن يعرف للعربية لونا اوطعما اورائحة فما مبرر سكوت هولاء عن رد التحدي غير العجز؟
وقد كان بامكانهم التنصل عن الظهور بمظهر العجز هذا بالقول اننا لا نجد في انفسنا مقومات الاتيان بمثل القران الكريم لو كانوا فعلا غير واجدين لشرائط البلاغة والفصاحة.
4-لو كان الامر كما صوره القبانجي لأعترضوا على النبي -ص- وقالوا انك لم تعطنا مساحة زمنية معتد بها للرد ولاتخذوا ذلك ذريعة مابعدها ذريعة لاسقاط القران الكريم من الاعتبار ولأوجب ذلك تشويش ذهنية القواعد المؤمنة بربانية الرسالة الاسلامية مما يعني لابدية السؤال والاستفهام حول حقيقة الحال ولو كان هذا لسجله القران ولرد عليهم مقولتهم هذه تماما كما فعل مع مقولاتهم الاخرى التي لاتقاس اهميتها بهذه الشبه المفترضة ولتواتر الامر لكثرة دواعي نقله.
5- معلوم ان النبي -ص- انتقل الى المدينة واصبح على تماس مباشر مع اهل الكتاب وهم مشمولون بالتحدي حالهم حال غيرهم واحدى ايات التحدي قد نزلت في المدينة وهي قوله تعالى:
* { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * البقرة 23-24{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }
والثابت تأريخيا وسجله القران ايضا انهم كانوا شديدي الخصومة للاسلام وكثيرا ماكانوا يطرحون الاشكالات التي تطال صميم القضايا الاسلامية الاساسية وهذا واضح من تتبع السلوك اليهودي مع الدين الجديد وبعض حوادث نصارى نجارن وقد كان بوسعهم طرح مايماثل القران الكريم-وفيهم الفصحاء والخطباء والشعراء- لو كانوا يقدورون ولو بصيغة سؤال او استفهام على النبي -ص- نفسه او على احد اتباعه كما جرت عادتهم على ذلك او اعلان المماثل المزعوم من دون نسبة لاحد شأنه شأن الاشعار التي كانت تنال من طواغيت السلطة وحكامها من دون ان تنسب لأحد على وجه التحديد لو كانوا يخشون التبعات المزعومة.
ولو اصر مشكك على عدم امكان طرحهم هذا الامر خوفا من ردة الفعل غير المحمودة -رغم ان التأريخ يشهد انهم كانوا يشككون في مسلمات الدين ومتبنياته وكثيرا مادخل في محاججات دينية مع النبي ص واتباعه- فيمكن القول : كان بمقدورهم فعل ذلك في مجاميعهم الخاصة واوساطهم المغلقة لاسيما وانهم معنيون بهذا الامر لا اقل من جهة تحصين اتباعهم ودفع الشبه عن ضعافهم والاجابة عن مستشكلهم وهي امور تكثر وتشدد في اجواء مشابهة لاجواء الدعوة الاسلامية.
وغني عن البيان انهم لو فعلوا ذلك لتحفظوا عليه تحفظ المنتصر على حجته والمدعي على بينته ولتناقلوه جيلا بعد جيل,على ان بعضهم كاليهود حكم النبي -ص- عليهم بالجلاء فحلوا اماكن لايد للنبي -ص- فيها ولاسلطة له عليها وكان بامكانهم اظهار الرد لو ووجد او انشاؤه لو استطاعوا او تسليمه لاعدائه الالداء على اضعف الايمان, كل ذلك انتقاما ممن يرونه فعل بهم مافعل بدلا من الاكتفاء بهجاء النبي -ص- وندبة الحظ العاثر الذي جر عليهم ماجر.
6- ان المتتبع لحال العرب في الجزيرة خصوصا سيجد انهم اشد الناس تفاخرا بالاحساب والانساب, وتمسكا بمأثر الاباء والاجداد, معروفين بالانفة والحمية, محكومين بالعصبية,يأبون الخضوع والانقياد,والرضا بالذل والهوان, وهذا كله يشكل دافعا رئيسيا وباعثا قويا لهم للرد على تحدي المدعي واسقاط حجته وهو الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، فمابالهم غضوا الطرف عن اجابة تحديه وهم يعلمون ان في الاجابة خلود الذكر وعلو الصيت وارتفاع الشأن شاؤا بعيدا؟!
فاذا اضفنا الى ذلك التعصب الطبيعي المحكوم به اتباع الاديان وحميتهم في الذود عن حياضه على امتداد الاجيال عرفنا ان السعي لمجابهة المتجاهر بتنقيص الالهة وتسفيه الدين والاصحار بمعاداة افكاره, ورد دعواه أمر طبيعي جدا تقضتيه طبائع الاشياء والاحداث المشابهة.ومن الواضح ان هذا الدين قد فرق بين المرأ وزوجه والاب وابنه-لعل اضطهاد ابي احيحة ابنه خالد بن سعيد شاهدا على ذلك-
والاخ واخيه وبقي يشكل تحديا لاعدائه من العرب وهاجسا لهم على طول الخط وهم يرونه يزداد اتساعا وانتشارا وقوة واستحكاما حتى دخل بيوتهم وافسد عليهم اهلهم وذويهم حتى بعد هجرة النبي-ص- وانتقاله الى محله الجديد, زغني عن البيان ان التنافس التأريخي بين احياء قريش وبطونها كان على اشده ولاجيال متواصلة فقد علم كل من سبر غور التواريخ بأن فرع هاشم كانوا متميزين على البقية غاية التمييز فكرا وسلوكا مما جعلهم محل احترام القبائل والملوك وهذا كله اوجب ان تحسدهم غالبية الفروع الاخرى وهو امر يكاد يكون في مصاف البديهيات في ظل مجتمع قبلي رأس ماله التفاخر وحب التميز والجاه والسمعه في فكرهم وسلوكهم.
(أم يحسدون الناس على مآتاهم الله من فضله فقدآتينا آل إباهيم الكتاب والحكم والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما)
7- كيف يفسر السيد احمد القبانجي حصار شعب ابي طالب؟ وملاحقة الهاربين بدينهم الى الحبشة والسعي لاسترجاعهم بشى الوسائل والحيل؟
و الاغراءات التي عرضوها على النبي -ص- لحثه على ترك دعواه؟
:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ[9]}[سورة القلم].
لا جرم في أنه إذا كان ثمة شيء تعجز الترجمة عن أدائه فإنما هو الإعجاز البياني واللفظي والجرس الإيقاعي في الآيات المنزلة في ذلك العهد.. إن خصوم محمد [عليه الصلاة والسلام] قد أخطئوا عندما لم يشاءوا أن يروا في هذا إلا أغاني سحرية وتعويذية، وبالرغم من أننا على علم – استقرائيًا فقط – بتنبؤات الكهان، فمن الجائز لنا الاعتقاد مع ذلك بخطل هذا الحكم وتهافته، فإن للآيات التي أعاد الرسول [عليه الصلاة والسلام] ذكرها في هذه السور اندفاعًا وألقًا وجلالة تخلِّف وراءها بعيدًا أقوال فصحاء البشر كما يمكن استحضارها من خلال النصوص الموضوعة التي وصلتنا.
ويضيف هذا الاستاذ المتمرس في الادب العربي كما في القرآن الكريم، ص 102 – 103 (.....إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضًا ويمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجَّلته من التحف.. ....)3.وعلى غرار كلام بلاشير يقول الدكتور فليب حتي استاذ التأريخ الاسلامي ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية في جامعة برنستو,فيالإسلام منهج حياة ، ص 62:"إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلّد. وهذا في أساسه، هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى...)4
وهكذا غير هذين العلمين كثير من غير المسلمين المنصفين تجد تفصيل ذلك في (قالوا في الاسلام) للدكتور عماد الدين خليل.
وان كان احمد القبانجي يرى خلاف هذا فليأتنا باثباتات معللة مغايرة لما قلناه ان استطاع الى ذلك سبيلا..
ب- يمكن القول:اننا لسنا في وارد الحكم لصالح احد الاقوام والثقافات البشرية بقدر مانريد القول ان العرب الاوائل وصلوا القمة من حيث الاهتمام بالشؤون البلاغية,ذلك الاهتمام الذي لم يحدثنا التاريخ عن امة من الامم انها بذلت شطرا منه تجاه الادب وفنونه وهو امر يكفي لتقرير اصل المطلب الذي يدور الكلام حوله وهو تحديهم بالبلاغة والفصاحة, و قد قلنا ان اشكال القبانجي لو تم انما يتم في خصوص رفض فكرة ارجحية البلاغة العربية على سائر اللغات الاخرى وهو امر لسنا حريصين على ابطاله لانه لايمس التحدي الثابت للقران الكريم للعارفين بالاساليب العربية سواء كان التحدي حقيقة كما يراه غالب علماء الاسلام او ادعاء منهم كما يتبنى احمد القبانجي ,ومعلوم ان البلاغة لاتختص بقوم دون قوم ولا لغة دون اخرى وعلى هذا الاساس يطال التحدي القراني جميع لغات الدنيا فتأمل.
قال القبانجي:( إن القرآن نفسه يكذّب هذا الإدعاء بالتحدي البلاغي، لأنه يتحدى الانس والجن قاطبة ويقول:
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً()).
ومعلوم أن الأقوام البشرية لا تتكلم العربية بأجمعها، بل أن العرب لا يشكلون إلاّ جماعة صغيرة ونسبة قليلة جداً من الذين يتكلمون باللغات غير العربية، فاذا أضفنا الجن اليهم ازدادت نسبة الطرف المقابل كثيراً، ولا يعقل أن يتحدى الله سبحانه كل هؤلاء بأن يأتوا بمثل هذا الكتاب العربي في بلاغته وهم لا يفهمون من بلاغته شيئاً، ولو طلب منهم الإتيان بكتاب مثله بلغتهم لأمكن أن يدّعوا بأن كتابهم أفصح وأبلغ، ولا معيار في البين يمكن التحاكم إليه لتشخيص الفائز في هذه المسابقة.
فالمفروض في المقام أن يتحدى القبائل العربية فقط لا الإنس والجن.
اقول:
1- ليس بين تحدي القران الكريم لعرب الجاهلية في البلاغة والفصاحة وبين شمولية التحدي للجن والانس اي تهافت او تناقض حتى يصار الى جعل تحدي القران الكريم الانس والجن قرينة على كذب دعوى تحديه البلاغي لعرب الجاهلية لان:
أ- نفس شمولية التحدي وعموميته يستبطن التحدي البلاغي لان البلاغة احدى الصناعات البشرية التي قد لا تخلو منها لغة ,والمفروض ان التحدي جاء للانس والجن فيما يتقنونه ويحسنونه والبلاغة احد مصاديق ذلك, ومن البيّن ان احدى اهم مميزات بيئة النص القراني هي فصاحة اهله وبلاغتهم.
وغير خفي على الاستاذ القبانجي ان السيد العلاّمة -قد- يرى عموم التحدي وشموليته لجميع المفردات التي تناظر مساحته المعرفية,ولاندري لماذا اغمض القبانجي الطرف عن كلامه-قد- وحمل كلامه لايحتمله رغم ان رأيه-رحمه الله- مطروح وبوضوح تام لا لبس فيه في نفس موضوع التحدي الذي نقل القبانجي عنه!!
يقول الطباطبائي -قد- في ج1 ص62(......فلو كان التحدي ببلاغة بيان القرآن وجزالة أسلوبه فقط لم يتعد التحدي قوماً خاصاً، وهم العرب العرباء من الجاهليين والمخضرمين قبل اختلاط اللسان وفساده، وقد قرع بالآية أسماع الإِنس والجن.
وكذا غير البلاغة والجزالة من كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعية والأخبار المغيبة ومعارف أُخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كل واحد منها مما يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدي على الثقلين ليس إلاَّ في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات. فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقننين في تقنينهم، وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان.
ومن هنا يظهر أن القرآن يدعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كونه إعجازاً لكل فرد من الإِنس والجن من عامة أو خاصة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لب يشعر بالقول......).
ب- كلامه اعلاه فيه خلط بين القشرة الخارجية للنص وشكله وبين مضمونه ومحتواه فصحيح ان المطلوب هو الاتيان بمضمون يضاهي المضمون القراني في اي مفردة طرحها تأريخية او اخلاقية او قصصية او غيرها بيد ان ذلك لايعني الاتيان بها خلوا من قشرة بليغة تشكل بجمعها مع المحتوى مايمكن عده-مثله-, يبقى الامر الواضح من التحدي ان القشرة البلاغية المطلوبة لاينبغي ان تكون عربية بالضرورة بعد ان قلنا ان البلاغة والفصاحة لا اختصاص لها بلغة العرب اولا وبصدق المماثلة العرفية بين نصين ادبيين حتى ان كانا متغايرين لغة, نعم ربما تكون البيئة العربية التي نزل بها القران الكريم قد ألقت بظلالها على التحدي المطلوب بحيث جعلته وكأنه مقصور على لغة تلك البيئة فقط ,الا ان هذا امر يدفعه تصريح القران الكريم بالتحدي لجميع الناس(ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله) بل لجميع الانس والجن كما هو صريح الاية التي سجلها القبانجي نفسه, ونزعم ان هذا كان واضحا حتى في اذهان معاصري القران الكريم لوضوح ان احدا -لامن العرب ولامن غيرهم - لم يعترض على تحديه الانس والجن وكل ماسوى الله تعالى قائلا ان هذه القضية مختصة بمن يعرف اللسان العربي ولايتعداه الى غيره فلم شمولية التحدي الى غيرهم؟
ج-اما قوله:(بكتاب مثله بلغتهم لأمكن أن يدّعوا بأن كتابهم أفصح وأبلغ....الخ) ففيه:
ان الادعاء شيئ والواقع شيئ اخر فلياتوا اولا بكتاب مماثل للقران الكريم ثم بعدها ننظر في صدقية دعواهم افصحيته وأبلغيته والحكم في ذلك المتخصصون في ادب اللغات المقارن او من يمكنه تحديد اي الكتابين اوفى بكمال البيان وجزالة النظم ووفاء اللفظ ورعاية المقام وسهولة المنطق وغيرها,على ان دعواه هذه لم تكن خافية ولابعيدة المنال عن الامم والشعوب التي وصلها صوت القرأن المتحدي عبر اجيال متمادية ولم نسمع ان احدا اعتذر بما اعتذر به احمد القبانجي بعد الف واربعمائة وتزيد من عمر التحدي!
3 ـ قال القبانجي(.... إذا كان معنى المعجز كون العرب لا يستطيعون الإتيان بمثله في البلاغة، فنهج البلاغة للإمام علي(عليه السلام) كذلك، فالعلماء وأهل الأدب والبلاغة يصفون هذا الكتاب أنّه: «فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق» ومحل الشاهد هو الجملة الأولى، فلو فرضنا أن كلام الإمام علي(عليه السلام) فوق كلام البشر من جهة البلاغة، فيصح تسميته بالمعجزة على التعريف المذكور، ولم يبق فرق حينئذ بينه وبين القرآن من هذه الجهة إلاّ من حيث التحدي، أي أن الإمام لو كان قد تحدى العرب على أن يأتوا بمثله لما استطاعوا، فثبت أن مجرد الإتيان بكتاب بليغ لا يستطيع الآخرون على الإتيان بمثله يمكن أن يصدر من البشر ولا يختص ذلك بالله تعالى. فاذا استطاع الإمام علي أن يأتي بكتاب أعجز جميع العرب أن يأتوا بمثله، فالنبي الذي هو أبلغ وأفصح من الإمام علي بإمكانه أن يأتي أيضاً بكتاب تعجز العرب جميعاً عن الإتيان بمثله، وبعبارة اُخرى: أنّه كما عجزت العرب عن الإتيان بمثل نهج البلاغة وهو كلام بشري، فكذلك عجزوا أيضاً عن الإتيان بكتاب مثل القرآن الذي جاء به محمد(صلى الله عليه وآله)،وعليه فما المانع من أن يكون هذا الكتاب، وهو القرآن، كلام بشري أيضاً؟
اقول:1- لايوجد محذور من عد النهج الشريف معجزة عند التوسع في اطلاق اسم المعجزة شأنه شأن العديد من الوقائع الاعجازية التي حفظها لنا التأريخ عنهم -صلوات الله وسلامه عليهم- لاسيما وانهم -و الامام-ع- في مقدمتهم كانوا امتدادا طبيعيا لمقام النبوة ومصداقا واضحا للسفارة الربانية ومن هنا ليكن نهج البلاغة شاهدا اعجازيا على هذا المقام الكريم, واين المحذور في ذلك؟
2- ربما يقال ان المحذور هو ماذكره القبانجي في ذيل فقرته المتقدمه من عد النهج كلاما بشريا فهو وان كان بهذه الصفة الا انه معجز بالنهاية لاسيما مع توصيفه بانه(فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق),الا ان هذا اول الكلام فمن قال ان النهج كلام بشري بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة؟
انه يمكننا القول ان كلماتهم -عليهم السلام- وافعالهم العجيبة هي نتاج الاقدار الالهي والتفضل الرباني تبعا لمتطلبات الموقع الالهي الذي هم -ع- فيه بعد كون ذلك الاقدار والتفضل ضرورة لا مناص منها اما لتحقيق مبدأ الافضلية المطلوب لاكمال قاعدة(قبح تقديم المفضول على الفاضل) و(قبح ترجيح احد الطرفين المتساويين على الاخر لانه ترجيح بلامرجح) ومعلوم ان الافضلية تعد شرطا لازما عند الامامية, ومن هنا قيل:(كلام الامام امام الكلام), اما لهذا او لاحتياج مقام الامامة له على مستوى اثبات اصل تحققها فيهم -ع- والقيام بوظائفها واداء مهماتها وهذا كله يستلزم الاستعانة بالامداد الالهي بشكل واخر.
3- سؤاله الاخير (فما المانع من أن يكون هذا الكتاب، وهو القرآن، كلام بشري أيضاً؟) جوابه:
الفرق بين عد النهج كلاما بشريا-ان قبلنا حرفية هذه الفكرة- وبين عد القران الكريم كلاما الهيا رغم اشتراكهما في تعجيز الاخرين عن الاتيان بمثلهما راجع الى كون العجز المأخوذ في القران الكريم هو غيره في نهج البلاغة ربما لكون بلاغة القران وفصاحته واسلوبه الفريد قد تصاغر الى جنبها كل كلام مهما كان بليغا وفصيحا حتى حكم المنصفون من اهل الفن وسجلت التجربة عجز البشرية مهما أوتيت من قوة وقدرة على الاتيان بما ماثله او قاربه,وهذا غير موجود في نهج البلاغة وكلمات الائمة عليهم السلام اذ انها وبالرغم من فصاحتها وبلاغتها لم تبلغ حدا تصير معه معجزا يشابه تماما المعجز القراني فصاحة وبلاغة واسلوبا وتركيبا وبالتالي لايمكن عدها الا تطورا كميّا للكلام العربي بخلاف القران المجيد الذي يعد من هذه الناحية طفرة كيفيا جعلته متميزا عما سواه من فنون القول وادب الكلام فلاهو بالشعر ولا هو بالنثر ولاي اشيئ اخر مألوف في الذاكرة العربية بل هو قران وحسب, مضافا الى ان كثرة استماع كلماتهم-ع- وتكرار مراودتها يجعل من تقليدها ومحاكاتها بنحو يقاربها امرا ممكنا جدا ,(قال عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع فغاضت ثم فاضت و قال ابن نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة و كثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن ابي طالب)4, في تسجيل واضح لمديونية فصاحتهم لقصاحة امير المؤمنين-ع- , وهذا كله لم يحدث للقران الكريم ولن يحدث, لذا ترى البحث السندي قائما على اشده بين اعلام المدرسة الامامية حتى في نفس خطب النهج الشريف مما يوحي بامكانية اشتباه كلامهم -ع- مع كلام غيرهم نحو تشابه ولو كان معجزا بيّنا بما تحمله هذه الكلمه من معنى لكان التأمل في المتون الروائية يكفي للاطمئنان بصدورها عنهم-ع- من عدمه,وهو غير موجود ألبتة.
ويمضي القبانجي قائلا(ـعلى فرض أن القرآن تحدى العرب بالبلاغة، إلاّ أن نظرة تاريخية سريعة للموقف في ذلك الزمان يشير إلى عدم تحقق الفرصة للمشركين للموافقة على هذا التحدي وقبوله، وحينئذ يبقى التحدي القرآني البلاغي مجرد شعار واطروحة تفتقد الميدان العملي لترجمتها على أرض الواقع، المشركون عاشوا لمدة عشر سنوات (فترة وجودة النبي في مكة منذ الاعلان عن الدعوة إلى زمان الهجرة) لا يتصورون أن هذا الدين الجديد قد يبلغ به الخطر إلى أن يهدد وجودهم وكيانهم بين القبائل، فما هو إلاّانحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان وسلوك شاذ لدى فئة قليلة من الفقراء والعبيديمكن معالجته بأدوات الارعاب والقهر والتعذيب. فلم يشعروا بالخطر الجدّي على دينهم وكيانهم حتى يهتموا للإتيان بكتاب نظير القرآن في البلاغة، وخاصة إذا علمنا أنّ أول آيات التحدّي نزلت في سورة الاسراء وهي من السور المكّية التي نزلت قبل الهجرة بسنة أو سنتين، وسائر آيات التحدّي نزلت في المدينة، ولما أحسّ المشركون بالخطر وهاجر النبي إلى المدينة انشغلوا بالحروب والقتال مع أنصار هذا الدين الجديد وكانت المواجهة بينهما قد أخذت طابعاً عسكرياً وميدانياً، والغلبة لمن يغلب خصمه في ميدان القتال لا في البلاغة، واستمر الحال على هذا المنوال عشر سنوات اُخرى تقريباً حتى دخل المشركون وعلى رأسهم قريش في الإسلام جميعاً، وحينئذ أغلق باب التحدي عملياً، لأن أحد المسلمين مهما كان بليغاً لا يتجرأ على منازلة القرآن وقبول تحديه بل ولا يفكر في مثل هذا الأمر لأن مصالحه ستتعرض حتماً إلى الخطر، وأهون ما يصير إليه أن تضرب عنقه بتهمة الإرتداد وتكذيب القرآن.
اقول: كلامه هذا سطحي الى حد بعيد ومخالف لضرورة النقل التاريخي والحدث القراني وطبائع الاشياء لان:
1- القران الكريم يتحدى بالاعجاز تصريحا او تلميحا في ايات كثيرة مكية ومدنية بيد ان اوضحها :
{ قل لئن اجتمعت الإِنس والجن على أنْ يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }
[الإسراء: 88]،{ أم يقولون افتراه قل فأْتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إنْ كنتم صادقين }
[هود: 13].{ أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون فليأْتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }
[الطور:34]* { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * البقرة 23-24{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }واللافت ان جميع هذه الايات مكية باستثناء الاخيرة لا كما عكس اخونا القبانجي!!
نعم قال ابن كثير في تفسير الاية الاولى (....وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد [ بن جبير ] أو عكرمة ، عن ابن عباس : إن هذه الآية نزلت في نفر من اليهود ، جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به ، فأنزل الله هذه الآية)5 .
وعقب على ذلك قائلا(....وفي هذا نظر ؛ لأن هذه السورة مكية ، وسياقها كله مع قريش ، واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة..)
وينبغي الالتفات الى ان الرواية الاخرى عن ابن عباس تؤكد نزولها في مكة شأنها شأن هود والطور كما عليه الجمهور6
على انه يمكن الجمع بين القولين باحد وجهين:
أ- القول بتكرار نزولها في المدينة بعد ان نزلت ابتداء في مكة وكم لهذا نظير في القران الكريم.
ب- ان رواية ابن عباس ليس فيها الا ان نفرا من اليهود جاءوا رسول الله ص وقالوا ماقالوا لكن لادلالة في ذلك على ان مجيئهم كان في المدينة بل ربما كان لقاؤهم به -ص- في مكة بعد ان كانت مبررات هذا اللقاء معقولة جدا لاسيما وان حدث ظهور نبي جديد يدعي ختم النبوة ويقيم الشواهد والادلة على عالمية رسالته يعد امرا محفزا لكل مهتم لان يبحث في حقيقة دعواه والوقوف على صدق مدعاه فضلا عن ان كل الدلائل عندهم كانت تشير الى قرب مجيئ نبي موعود والقران الكريم نفسه اعلن ذلك واحتج عليهم في ايات كثيرة.
2-ان طبائع الاشياء تقتضي ان يكون التحدي صادر منذ اوائل الدعوة الشريفة لان الامر المقطوع هو ان اول سؤال سيواجهه النبي -ص- هو ماهو دليلك على ارتباطك بالسماء؟
لذا فان تأخير اعلان التحدي القراني كل هذه السنين غير منطقي تماما اولا وسيفتح الباب على مصراعيه ثانيا للتشكيك والطعن في حقانية الدين الجديد لان تأخره سيعني الهزيمة عمليا في ميدان مباراة الخصوم لا لشيئ الا لان صاحب دعوة النبوة تأخر--بلامبرر موضوعي- سنين عددا في اعلان دليل نبوته القوي ولما اعلنه لم يدع لنا مجال كافيا للرد عليه بل فر من بلدتنا تحت جنح ظلام الليل فتحول من المحاججة الفكرية الى القوة العسكرية فهل يسلكن احد المسلك الذي ابتدعه اخونا القبانجي ويقول بتأخر التحدي الى مايقارب سنة او سنتين قبل الهجرة وامام ناظريه عشرات السور المكية التي تشكل غالبية القران الكريم؟ وان النبي -ص- تأخر كل هذه الفترة ثم فجأة اعلن التحدي ولم يترك لمناؤيه مساحة زمنية من اجل الرد؟
كل هذه على تقدير حدوثه يعني في ما يعنيه ضعف الحجة وخواء البرهان عند من يدعي الارتباط بغيب السماء,ولايحتمل عاقل ان محمدا -ص- النابه الذكي غابت عنه كل هذه الاثار الباطلة ,او ان الامر مر من دون ان يثير حفيظة احد صديقا كان او عدوا فيشكل ويستفهم عن سبب تأخر التحدي كل هذه السنين -رغم انه رأس مال الرسالة وحجر زاوية النبوة- وعن ادعاء الكفار انهم لم يعطوا المجال للكافي للمجابهة والرد ولو اعطوا لفعلوا,ومن الطبيعي ان هذه الملابسات لو وقعت لوصلت الينا قطعا لكثرة دواعي نقلها بين الاصدقاء والاعداء وهو واضح بأدنى تأمل(لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).
3- امر التحدي لم يكن مقصورا على عرب مكة حتى يعتذر القبانجي لهم بما اعتذر به بل هو شامل ابتداء وبدرجة اساسية جميع سكان الجزيرة العربية ممن يعرف للعربية لونا اوطعما اورائحة فما مبرر سكوت هولاء عن رد التحدي غير العجز؟
وقد كان بامكانهم التنصل عن الظهور بمظهر العجز هذا بالقول اننا لا نجد في انفسنا مقومات الاتيان بمثل القران الكريم لو كانوا فعلا غير واجدين لشرائط البلاغة والفصاحة.
4-لو كان الامر كما صوره القبانجي لأعترضوا على النبي -ص- وقالوا انك لم تعطنا مساحة زمنية معتد بها للرد ولاتخذوا ذلك ذريعة مابعدها ذريعة لاسقاط القران الكريم من الاعتبار ولأوجب ذلك تشويش ذهنية القواعد المؤمنة بربانية الرسالة الاسلامية مما يعني لابدية السؤال والاستفهام حول حقيقة الحال ولو كان هذا لسجله القران ولرد عليهم مقولتهم هذه تماما كما فعل مع مقولاتهم الاخرى التي لاتقاس اهميتها بهذه الشبه المفترضة ولتواتر الامر لكثرة دواعي نقله.
5- معلوم ان النبي -ص- انتقل الى المدينة واصبح على تماس مباشر مع اهل الكتاب وهم مشمولون بالتحدي حالهم حال غيرهم واحدى ايات التحدي قد نزلت في المدينة وهي قوله تعالى:
* { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * البقرة 23-24{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }
والثابت تأريخيا وسجله القران ايضا انهم كانوا شديدي الخصومة للاسلام وكثيرا ماكانوا يطرحون الاشكالات التي تطال صميم القضايا الاسلامية الاساسية وهذا واضح من تتبع السلوك اليهودي مع الدين الجديد وبعض حوادث نصارى نجارن وقد كان بوسعهم طرح مايماثل القران الكريم-وفيهم الفصحاء والخطباء والشعراء- لو كانوا يقدورون ولو بصيغة سؤال او استفهام على النبي -ص- نفسه او على احد اتباعه كما جرت عادتهم على ذلك او اعلان المماثل المزعوم من دون نسبة لاحد شأنه شأن الاشعار التي كانت تنال من طواغيت السلطة وحكامها من دون ان تنسب لأحد على وجه التحديد لو كانوا يخشون التبعات المزعومة.
ولو اصر مشكك على عدم امكان طرحهم هذا الامر خوفا من ردة الفعل غير المحمودة -رغم ان التأريخ يشهد انهم كانوا يشككون في مسلمات الدين ومتبنياته وكثيرا مادخل في محاججات دينية مع النبي ص واتباعه- فيمكن القول : كان بمقدورهم فعل ذلك في مجاميعهم الخاصة واوساطهم المغلقة لاسيما وانهم معنيون بهذا الامر لا اقل من جهة تحصين اتباعهم ودفع الشبه عن ضعافهم والاجابة عن مستشكلهم وهي امور تكثر وتشدد في اجواء مشابهة لاجواء الدعوة الاسلامية.
وغني عن البيان انهم لو فعلوا ذلك لتحفظوا عليه تحفظ المنتصر على حجته والمدعي على بينته ولتناقلوه جيلا بعد جيل,على ان بعضهم كاليهود حكم النبي -ص- عليهم بالجلاء فحلوا اماكن لايد للنبي -ص- فيها ولاسلطة له عليها وكان بامكانهم اظهار الرد لو ووجد او انشاؤه لو استطاعوا او تسليمه لاعدائه الالداء على اضعف الايمان, كل ذلك انتقاما ممن يرونه فعل بهم مافعل بدلا من الاكتفاء بهجاء النبي -ص- وندبة الحظ العاثر الذي جر عليهم ماجر.
6- ان المتتبع لحال العرب في الجزيرة خصوصا سيجد انهم اشد الناس تفاخرا بالاحساب والانساب, وتمسكا بمأثر الاباء والاجداد, معروفين بالانفة والحمية, محكومين بالعصبية,يأبون الخضوع والانقياد,والرضا بالذل والهوان, وهذا كله يشكل دافعا رئيسيا وباعثا قويا لهم للرد على تحدي المدعي واسقاط حجته وهو الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، فمابالهم غضوا الطرف عن اجابة تحديه وهم يعلمون ان في الاجابة خلود الذكر وعلو الصيت وارتفاع الشأن شاؤا بعيدا؟!
فاذا اضفنا الى ذلك التعصب الطبيعي المحكوم به اتباع الاديان وحميتهم في الذود عن حياضه على امتداد الاجيال عرفنا ان السعي لمجابهة المتجاهر بتنقيص الالهة وتسفيه الدين والاصحار بمعاداة افكاره, ورد دعواه أمر طبيعي جدا تقضتيه طبائع الاشياء والاحداث المشابهة.ومن الواضح ان هذا الدين قد فرق بين المرأ وزوجه والاب وابنه-لعل اضطهاد ابي احيحة ابنه خالد بن سعيد شاهدا على ذلك-
والاخ واخيه وبقي يشكل تحديا لاعدائه من العرب وهاجسا لهم على طول الخط وهم يرونه يزداد اتساعا وانتشارا وقوة واستحكاما حتى دخل بيوتهم وافسد عليهم اهلهم وذويهم حتى بعد هجرة النبي-ص- وانتقاله الى محله الجديد, زغني عن البيان ان التنافس التأريخي بين احياء قريش وبطونها كان على اشده ولاجيال متواصلة فقد علم كل من سبر غور التواريخ بأن فرع هاشم كانوا متميزين على البقية غاية التمييز فكرا وسلوكا مما جعلهم محل احترام القبائل والملوك وهذا كله اوجب ان تحسدهم غالبية الفروع الاخرى وهو امر يكاد يكون في مصاف البديهيات في ظل مجتمع قبلي رأس ماله التفاخر وحب التميز والجاه والسمعه في فكرهم وسلوكهم.
وقد سأل «الاخنسُ بن شريق» - وهو من أعداء رسول اللّه - أبا جهل يوماً : يا ابا الحكم ما رأيك فيما سمعتَ من «محمّد» ؟
فقال : ماذا سمعتُ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعمُوا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاذبنا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا : منّا نبيّ يأتيه الوحيُ من السماء، فمتى تدركُ مثل هذه، واللّه لا نؤمنُ به أبداً ولا تصدّقه7.
وصدق الله العظيم القائل:
فقال : ماذا سمعتُ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعمُوا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاذبنا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا : منّا نبيّ يأتيه الوحيُ من السماء، فمتى تدركُ مثل هذه، واللّه لا نؤمنُ به أبداً ولا تصدّقه7.
وصدق الله العظيم القائل:
(أم يحسدون الناس على مآتاهم الله من فضله فقدآتينا آل إباهيم الكتاب والحكم والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما)
7- كيف يفسر السيد احمد القبانجي حصار شعب ابي طالب؟ وملاحقة الهاربين بدينهم الى الحبشة والسعي لاسترجاعهم بشى الوسائل والحيل؟
و الاغراءات التي عرضوها على النبي -ص- لحثه على ترك دعواه؟
:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ[9]}[سورة القلم].
قالوا (...كان «عتبة بن ربيعة» من كبراء قريش واشرافها، ويوم أسلم «حمزة» وأصبح أصحاب رسول اللّه يزيدون ويكثرون اغتمّت قريش كلّها، وخشي زعماء المشركين ان ينتشر الإسلام اكثر من هذا فقال عتبة وهو جالس في نادي قريش يوماً، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم الى «محمّد» فاكلّمه وأعرض عليه اُموراً لعلّه يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟
فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم اليه فكلّمه
.
فقام إليه «عتبة» حتى جلس الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فقال : يا ابن أخي إنك منّا حيث ما قد علمت من الشرف في العشيرة والمكان في النسب، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم، ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني اُعرض عليك اُموراً تنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قل يا أبا الوليد اسمع
.
قال : يا ابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون اكثرنا مالاً، وان كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريدُ به مُلكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّاً (وهو ما يتراءى للناس من الجنّ) تراه لا تستطيعُ ردّهُ عن نفسك طلبنا لك الطبّ، وبذَلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوي منه، حتى إذا فرغ «عتبة»، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يستمع منه قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم قال : فاسمع منّي، قال : إفعل، قال
:
(
بِسم اللّه الرّحمنِ الرّحيم. حم. تنزيل مِن الرّحمنِ الرّحيم. كِتاب فُصِّلت آياتُهُ قُرآناً عربيّاً لِقوم يعلمُون. بشيراً ونذيراً فأعرض اكثرُهُم فهُم لا يسمعُون. وقالُوا قُلُوبُنا في أكنّةٍ مِمّا تدعُونا إليهِ)(1).
ثم مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيها يقرؤها عليه، فلمّا سمعها منه «عتبة» أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه وبقي على هذا مدة من الزمن صامتاً وكأنه قد سُلِب قدرة النطق، ثم انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى السجدة فسجد ثم قال
:
«
قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك فقام «عتبة» الى أصحابه وقد تغيّرت ملامحُه فقال بعضهم لبعض : نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به !! فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟
قال : ورائي اني قد سمعتُ قولاً واللّه ما سمعت مثله قط، واللّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللّه ليكوننّ لقوله هذا الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فان تصِبهُ العربُ فقد كفيتموه بغيركم، وان يظهر على العرب فمُلكه ملكُكُم، وعزُه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به
.
فانزعجت قريش من مقالة «عتبة» هذا وسخرت به وقالت : سحرَك واللّه يا أبا الوليد بلسانه
!!
ولما فشلت تلك المحاولات قرروا تصفيته-ص- جسديدا؟
{(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[30]}[سورة الأنفال].
وماذا عن سفراتهم-الدينية- المتكررة تارة الى يهود المدينة واخرى الى نصارى نجران وثالثة الى الحيرة ورابعة الى فارس طلبا لتعلّم اساطير رستم واسفنديار سعيا لمحاولة الرد على ماجاء به النبي الاعظم-ص-؟؟
وبماذا يجيب عن جدلالتهم المستمرة ومطاليبهم المستحيلة واستفهاماتهم المتكررة ومحاججاتهم العقيمة التي سجلها القران الكريم نفسه عن اكابرهم وطلائع مجتمعهم؟؟
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ[148]}[سورة الأنعام]. وقوله تعالى:{ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [24] وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[25]}[سورة الجاثية].
:{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا[90]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا[91]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[92]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا[92]}[سورة الإسراء].
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ، وقوله {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآَيَاتِ إِلا أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا}.
(3) (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) سورة ص. لاحظ مبلغ اهتمام-الملأ- بشؤون الدعوة والتصدي لها.
وبماذا يعلّق على حيرتهم في تحديد مصدر استقاء النبي الاكرم -ص- كلامه؟؟
فتارة معلم مجنون وتارة شاعر وثالثة كاهن ورابعة ساحر وووووالخ.
((كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَر):{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ[4]}[سورة ص].
{...وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ[43]}[سورة سبأ].»
قال : هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم8..
ولما فشلت تلك المحاولات قرروا تصفيته-ص- جسديدا؟
{(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[30]}[سورة الأنفال].
وماذا عن سفراتهم-الدينية- المتكررة تارة الى يهود المدينة واخرى الى نصارى نجران وثالثة الى الحيرة ورابعة الى فارس طلبا لتعلّم اساطير رستم واسفنديار سعيا لمحاولة الرد على ماجاء به النبي الاعظم-ص-؟؟
وبماذا يجيب عن جدلالتهم المستمرة ومطاليبهم المستحيلة واستفهاماتهم المتكررة ومحاججاتهم العقيمة التي سجلها القران الكريم نفسه عن اكابرهم وطلائع مجتمعهم؟؟
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ[148]}[سورة الأنعام]. وقوله تعالى:{ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [24] وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[25]}[سورة الجاثية].
:{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا[90]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا[91]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[92]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا[92]}[سورة الإسراء].
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ، وقوله {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآَيَاتِ إِلا أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا}.
(3) (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) سورة ص. لاحظ مبلغ اهتمام-الملأ- بشؤون الدعوة والتصدي لها.
وبماذا يعلّق على حيرتهم في تحديد مصدر استقاء النبي الاكرم -ص- كلامه؟؟
فتارة معلم مجنون وتارة شاعر وثالثة كاهن ورابعة ساحر وووووالخ.
((كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَر):{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ[4]}[سورة ص].
{...وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ[43]}[سورة سبأ].»
»
ذكروا ان الوليد بن المغيرة أتى الى الحجر حيث كان يجلس النبيُّ، ويتلو القرآن، فقال : يا محمّد أنشدني شعرك.
فقال النبيُّ صلّى اللّه عليه وآله : ما هو بشعر، ولكنّه كلام اللّه الذي به بعث أنبياءه ورسله
.
فقال : اُتلُ عليّ منه، فقرأ عليه رسول اللّه
:
«
بسم اللّه الرحمن الرحيم».
فلما سمع : الرحمان، استهزأ فقال : تدعو إلى رجل باليمامة يسمى بالرحمان ؟ قال. لا، ولكني أدعو إلى اللّه وهو الرحمان الرحيم ثم افتتح سورة «حم السجدة» فلما بلغ إلى قوله تعالى
:
(
فان أعرضوا فقل أنذرتُكُم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).
وسمعه الوليد، فاقشعر جلده، وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ثم قام ومضى إلى بيته ولم يرجع الى قريش
.
فقالت قريش : يا ابا الحكم صبا ابو عبد شمس إلى دين محمّد، أما تراه لم يرجع الينا وقد قبل قوله، ومضى إلى منزله
.
فاغتمت قريش من ذلك غماً شديداً وغدا عليه ابو جهل فقال : يا عم نكّست رؤوسنا وفضحتنا
.
قال : وما ذاك يا ابن أخي ؟
قال : صبوت الى دين محمّد
قال : صبوت الى دين محمّد
.
قال : ما صبوتُ واني على دين قومي وآبائي، ولكني سمعت كلاماً صعباً
تقشعر منه الجلود فقال أبو جهل : أشِعر هو ؟
قال : ما هو بشعر
تقشعر منه الجلود فقال أبو جهل : أشِعر هو ؟
قال : ما هو بشعر
.
قال : فخطب هي ؟
قال : لا وان الخطب كلام متصل، وهذا كلام منثور، لا يشبه بعضُه بعضاً، له طلاوة
قال : لا وان الخطب كلام متصل، وهذا كلام منثور، لا يشبه بعضُه بعضاً، له طلاوة
.
قال : فكأنه هي ؟
قال : لا
قال : لا
.
قال : فما هو؟
قال : دعني افكر فيه
قال : دعني افكر فيه
.
فلما كان من الغد، قالوا : يا ابا عبد شمس ما تقول ؟ قال : قولوا : هو سحر فانه أخذ بقلوب الناس فأنزل اللّه سبحانه فيه
:
(ذرني ومَن خلقتُ وحيداً. وجعلت لهُ مالاً ممدُوداً. وبنين شُهودا...... إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ نَظَرَ * ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـَذَآ إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ)9
وكيف يجد لنا تفسيرا معقولا لمحاولات قريش المحمومة الحيلولة دون وصول صوت القران الكريم الى وفود القبائل القادمة الى مكة للحج وغيره وتأثرهم به؟
8- المعروف ان المشركين اتهموا النبي -ص- بتعاطي الشعر ووصفوا مايأتي به بانه لايعدو ان يكون شعرا والقران الكريم نفسه سجل هذا الاتهام في أيات متعددة:
(ذرني ومَن خلقتُ وحيداً. وجعلت لهُ مالاً ممدُوداً. وبنين شُهودا...... إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ نَظَرَ * ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـَذَآ إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ)9
لاحظ ان هذا الرجل وهو هو في البلاغة والفصاحة يصف القران الكريم بالسحر في اشارة صارخة الى كونه خارجا عن المألوف خروج السحر عن دائرة لافعال الطبيعية واخونا احمد القبانجي يقول:(على فرض أن تكون الآيات أقوى على مستوى البلاغة والفصاحة، فان هذا الامتياز للآيات لا يكون بشكل فاضح وسافر بحيث يمكن أن يعدّ معجزة، ومن مقومات الاعجاز أن يكون بشكل سافر إلى درجة لا يمكن قياسه ومقارنته بفعل البشر)!!!
وكيف يجد لنا تفسيرا معقولا لمحاولات قريش المحمومة الحيلولة دون وصول صوت القران الكريم الى وفود القبائل القادمة الى مكة للحج وغيره وتأثرهم به؟
8- المعروف ان المشركين اتهموا النبي -ص- بتعاطي الشعر ووصفوا مايأتي به بانه لايعدو ان يكون شعرا والقران الكريم نفسه سجل هذا الاتهام في أيات متعددة:
(بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ) الانبياء 5
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون) الصافات 36
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون) الصافات 36
)ٍ
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُون) الطور 30
)ِ
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُون)الحاقة 41
)َ
وقد سجل القران ايضا ادعائهم القدرة على الاتيان بمثله:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ [ سورة الأنفال اية 13) وهذا يثبت امرين:
الاول: انهم قادرون على الاتيان بمثل القران الكريم لانه بزعمهم ينتمي الى الصناعة الشعرية ربما تعويلا على تضمن القران الكريم نتفا من الكلام الموزن الذي يمكن ان يطابق البحور الشعرية المعروفة.
الثاني: ان المساحة الزمنية للاتيان به كافية وهم لايشكون من ضيقها لانهم لم يدعوا ذلك لتصريحا ولاتلميحا اولا ولان الامر مادام متعلقا بالشعر فهو مقدور لهم ولايحتاج الامر الا فترة زمنية قصيرة نسبية للقيام بهذه المهمة لاسيما وان المطلوب منهم مايضاهي سورة قصيرة تعدل سطرا واحدا او بضع اسطر على ابعد تقدير
ومن البيّن ان الحكاية القرانية هذه حجة حتى على من لم يؤمن بربانية القران الكريم بعد كون تلك الاتهامات سجلها النص القراني واعلنها نبي الاسلام -ص- عليهم ولم يتصد احد الى رده او تكذيبه, وبذا يظهر لك رصيد القول( أن نظرة تاريخية سريعة للموقف في ذلك الزمان يشير إلى عدم تحقق الفرصة للمشركين للموافقة على هذا التحدي وقبوله) في سوق الواقع والموضوعية فانه مخالف لمعطيات التاريخ ومجاري الامور فضلا عن ان نفس سكوتهم عن التعليق على التحدي مع وجود الداعي للرد لايبرر الا بالعجز عنه,ولانعرف لم يرفض المشركون هذا العرض الذي يعود عليهم بفوائد جمة رغم سهولة المطلب وهم المعروفون بطول الممارسة للخطب والأشعار، وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام؛ ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به ودواعي الأمر بذلك؟!10
9- كان القران الكريم يمثل هاجسا مرعبا لفراعنة قريش وصناديد الشرك حتى بعد الهجرة الشريفة لانه لازال يؤثر اثره الكبير في نفوس اهل مكة وغيرها ومن مختلف الطبقات فيقود الكثير منهم الى الهجرة والدخول في الاسلام ,ومعلوم ان دعوة الاسلام بمجموعها تتكي على اعجاز القران ولو استطاع احد مجاراته واجابة تحديه لضرب الاسلام في مقتل ولأدخل الشبهة على اتباعه لاسيما ضعاف الايمان و هكذا مرضى القلوب ومن مردوا على النفاق,وهذا كله يؤدي لامحالة الى تشويش بالغ الاثر وسط المجتمع الاسلامي الفتي,ولايظنن عاقل ان كفار العرب ومردة اهل الكتاب ومتعاطي النفاق غابت عنهم هذه الافكار الشيطانية فلم يعملوا على تأجيجها وتفعيلها اكتفاء منهم بحرب عسكرية جميع المعطيات الموضوعية تؤكد ان نصيبهم منها الخسارة لامحالة.
10- ان من كانت له ادنى المامة بالمعارف الاسلامية والقيم الدينية التي جاء بها النبي الاكرم -ص- وتذوق الجاذبية القرانية التي حيرت الالباب وادهشت العقول ,ثم رمى ببصره تلقاء البيئة العربية الجدباء من كل مايتصل بالدين والعلم,المبتلاة بفوضى الشرك وتعدد الديانات,غير المحكومة باي نظام سياسي ذي قيمة
يقطع ان دعوة الاسلامية سيكون لها شأن عظيما يهتز لها واقع تلك البيئة اهتزازا عنيفا,وهو ماكان يحدسه الكثير من مشركي قريش وغيرهم وقد تقدم قول بعضهم مخاطبا قومه:(قد سمعتُ قولاً واللّه ما سمعت مثله قط، واللّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللّه ليكوننّ لقوله هذا الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فان تصِبهُ العربُ فقد كفيتموه بغيركم، وان يظهر على العرب فمُلكه ملكُكُم، وعزُه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به...)
وفحوى هذه النقطة سجلها القران الكريم في بعض اياته (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) القصص 57 وهذا يوحي بانهم كانوا يستشعرون عظمة ماأتى به النبي الكريم-ص- وثقله على قبائل العرب الامر الذي يؤدي الى ان(نتخطف من أرضنا),وهذا وحده كاف لان يكون داعيا لهم للاهتمام بدعوة النبي -ص- ومحاولة اخمادها بأي وسيلة كانت واسهلها عليهم معارضة القران الكريم ففيه اسقاط حجة من اتى به والقضاء على مدعاه ولو فعلوا لتفرق عنه الكثير من اصحابه واتباعه ,ومن هنا تعرف قيمة قول القبانجي(فلم يشعروا بالخطر الجدّي على دينهم وكيانهم حتى يهتموا للإتيان بكتاب نظير القرآن في البلاغة)!.
11-وكان الكثير من الأشراف قد أسلموا وعلى راسهم جملة من بني هاشم والمطلب وهكذا (.. سلمة بن هشام بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص السهمي,وخالد بن سعيد بن العاص,ومصعب بن عمير.....الخ) ,نعم بعضهم فتنته قريش بأساليبها المتنوعة فارتد عن دينه الا ان الكلام ليس في هذا بل في كون اثر الدعوة طال البيوتات الشريفة ولم يكن مقتصرا على ( فئة قليلة من الفقراء والعبيد) كما يحاول السيد القبانجي ان يصوره.
12-اما تقيم الدين الجديد عند المشركين على اساس انهم:( لا يتصورون أن هذا الدين الجديد قد يبلغ به الخطر إلى أن يهدد وجودهم وكيانهم بين القبائل فما هو إلاّانحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان وسلوك شاذ لدى فئة قليلة من الفقراء والعبيد يمكن معالجته بأدوات الارعاب والقهر والتعذيب...الخ)
ليس دقيقا وقد تقدمت اجوبة كثيرة له احدها ان القران الكريم -وهو اصدق وثيقة تاريخية حتى لو جردناها عن ربانبتها- قد حكى تقيمهم لطبيعة هذا الدين ومردوداته عليهم ان هم تبنوه بالقول:((وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) القصص 57 والقول ان المشركين كانوا ينظرون الى هذا الدين على اساس انه انحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان محض ادعاء لاشاهد عليه,وتكذبه نظرة واحدة الى طبيعة المفاهيم القرانية وتناقضها مع مفاهيمهم الدينية والعملية بما لايقاس اصلا بحيث يشعر كل مقارن ان الدين الجديد يمثل طفرة عظيمة في محتلف المجالات ولايحتمل عاقل غياب هذا الامر عن المشركين وكيف يغيب عنهم وثلاثة ارباع القران نزل بين ظهرانيهم في مكة؟
يتبع باذن الله تعالى
وقد سجل القران ايضا ادعائهم القدرة على الاتيان بمثله:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ [ سورة الأنفال اية 13) وهذا يثبت امرين:
الاول: انهم قادرون على الاتيان بمثل القران الكريم لانه بزعمهم ينتمي الى الصناعة الشعرية ربما تعويلا على تضمن القران الكريم نتفا من الكلام الموزن الذي يمكن ان يطابق البحور الشعرية المعروفة.
الثاني: ان المساحة الزمنية للاتيان به كافية وهم لايشكون من ضيقها لانهم لم يدعوا ذلك لتصريحا ولاتلميحا اولا ولان الامر مادام متعلقا بالشعر فهو مقدور لهم ولايحتاج الامر الا فترة زمنية قصيرة نسبية للقيام بهذه المهمة لاسيما وان المطلوب منهم مايضاهي سورة قصيرة تعدل سطرا واحدا او بضع اسطر على ابعد تقدير
ومن البيّن ان الحكاية القرانية هذه حجة حتى على من لم يؤمن بربانية القران الكريم بعد كون تلك الاتهامات سجلها النص القراني واعلنها نبي الاسلام -ص- عليهم ولم يتصد احد الى رده او تكذيبه, وبذا يظهر لك رصيد القول( أن نظرة تاريخية سريعة للموقف في ذلك الزمان يشير إلى عدم تحقق الفرصة للمشركين للموافقة على هذا التحدي وقبوله) في سوق الواقع والموضوعية فانه مخالف لمعطيات التاريخ ومجاري الامور فضلا عن ان نفس سكوتهم عن التعليق على التحدي مع وجود الداعي للرد لايبرر الا بالعجز عنه,ولانعرف لم يرفض المشركون هذا العرض الذي يعود عليهم بفوائد جمة رغم سهولة المطلب وهم المعروفون بطول الممارسة للخطب والأشعار، وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام؛ ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به ودواعي الأمر بذلك؟!10
9- كان القران الكريم يمثل هاجسا مرعبا لفراعنة قريش وصناديد الشرك حتى بعد الهجرة الشريفة لانه لازال يؤثر اثره الكبير في نفوس اهل مكة وغيرها ومن مختلف الطبقات فيقود الكثير منهم الى الهجرة والدخول في الاسلام ,ومعلوم ان دعوة الاسلام بمجموعها تتكي على اعجاز القران ولو استطاع احد مجاراته واجابة تحديه لضرب الاسلام في مقتل ولأدخل الشبهة على اتباعه لاسيما ضعاف الايمان و هكذا مرضى القلوب ومن مردوا على النفاق,وهذا كله يؤدي لامحالة الى تشويش بالغ الاثر وسط المجتمع الاسلامي الفتي,ولايظنن عاقل ان كفار العرب ومردة اهل الكتاب ومتعاطي النفاق غابت عنهم هذه الافكار الشيطانية فلم يعملوا على تأجيجها وتفعيلها اكتفاء منهم بحرب عسكرية جميع المعطيات الموضوعية تؤكد ان نصيبهم منها الخسارة لامحالة.
10- ان من كانت له ادنى المامة بالمعارف الاسلامية والقيم الدينية التي جاء بها النبي الاكرم -ص- وتذوق الجاذبية القرانية التي حيرت الالباب وادهشت العقول ,ثم رمى ببصره تلقاء البيئة العربية الجدباء من كل مايتصل بالدين والعلم,المبتلاة بفوضى الشرك وتعدد الديانات,غير المحكومة باي نظام سياسي ذي قيمة
يقطع ان دعوة الاسلامية سيكون لها شأن عظيما يهتز لها واقع تلك البيئة اهتزازا عنيفا,وهو ماكان يحدسه الكثير من مشركي قريش وغيرهم وقد تقدم قول بعضهم مخاطبا قومه:(قد سمعتُ قولاً واللّه ما سمعت مثله قط، واللّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللّه ليكوننّ لقوله هذا الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فان تصِبهُ العربُ فقد كفيتموه بغيركم، وان يظهر على العرب فمُلكه ملكُكُم، وعزُه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به...)
وفحوى هذه النقطة سجلها القران الكريم في بعض اياته (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) القصص 57 وهذا يوحي بانهم كانوا يستشعرون عظمة ماأتى به النبي الكريم-ص- وثقله على قبائل العرب الامر الذي يؤدي الى ان(نتخطف من أرضنا),وهذا وحده كاف لان يكون داعيا لهم للاهتمام بدعوة النبي -ص- ومحاولة اخمادها بأي وسيلة كانت واسهلها عليهم معارضة القران الكريم ففيه اسقاط حجة من اتى به والقضاء على مدعاه ولو فعلوا لتفرق عنه الكثير من اصحابه واتباعه ,ومن هنا تعرف قيمة قول القبانجي(فلم يشعروا بالخطر الجدّي على دينهم وكيانهم حتى يهتموا للإتيان بكتاب نظير القرآن في البلاغة)!.
11-وكان الكثير من الأشراف قد أسلموا وعلى راسهم جملة من بني هاشم والمطلب وهكذا (.. سلمة بن هشام بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص السهمي,وخالد بن سعيد بن العاص,ومصعب بن عمير.....الخ) ,نعم بعضهم فتنته قريش بأساليبها المتنوعة فارتد عن دينه الا ان الكلام ليس في هذا بل في كون اثر الدعوة طال البيوتات الشريفة ولم يكن مقتصرا على ( فئة قليلة من الفقراء والعبيد) كما يحاول السيد القبانجي ان يصوره.
12-اما تقيم الدين الجديد عند المشركين على اساس انهم:( لا يتصورون أن هذا الدين الجديد قد يبلغ به الخطر إلى أن يهدد وجودهم وكيانهم بين القبائل فما هو إلاّانحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان وسلوك شاذ لدى فئة قليلة من الفقراء والعبيد يمكن معالجته بأدوات الارعاب والقهر والتعذيب...الخ)
ليس دقيقا وقد تقدمت اجوبة كثيرة له احدها ان القران الكريم -وهو اصدق وثيقة تاريخية حتى لو جردناها عن ربانبتها- قد حكى تقيمهم لطبيعة هذا الدين ومردوداته عليهم ان هم تبنوه بالقول:((وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) القصص 57 والقول ان المشركين كانوا ينظرون الى هذا الدين على اساس انه انحراف جزئي عن مسيرة قريش في عبادة الاوثان محض ادعاء لاشاهد عليه,وتكذبه نظرة واحدة الى طبيعة المفاهيم القرانية وتناقضها مع مفاهيمهم الدينية والعملية بما لايقاس اصلا بحيث يشعر كل مقارن ان الدين الجديد يمثل طفرة عظيمة في محتلف المجالات ولايحتمل عاقل غياب هذا الامر عن المشركين وكيف يغيب عنهم وثلاثة ارباع القران نزل بين ظهرانيهم في مكة؟
يتبع باذن الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق