تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

الاسلام وحرية الاعتقاد . ابن الرافيدن 14

السلام على الاخوة والاخوات رواد شبكة هجر الثقافية ايها الافاضل نزلت في ساحتكم وحللت ناديكم وفي رحلي بضاعة مزجاة راجيا ان تنال استحسانكم وتصويبكم جعلتها باكورة مشاركاتي في هذه الشبكة المباركة واملي بالله ان تكون فاتحة خير لاسهامات اخر.

الحرية نزعة فطرية اصيلة في اعماق الانسان تدفعه الى التحرر والانعتاق من القيود والاغلال والتاريخ الانساني في مسيرته الطويلة في احد وجوهه عبارة عن تاريخ الكفاح الانساني للانعتاق من كل الموانع والعقبات التي تحول دون الحرية كما ان الاصل في الانسان ان يكون حرا بعد كون الحرية هي الاصل الطبيعي التي يتساوى فيها الجميع ولذا يقول الامام علي بن ابي طالب ع:(ايها الناس ان ادم لم يلد عبدا ولاامة وان الناس كلهم احرارا) ويقول في حديث اخر مخاطبا الانسان بما هو انسان:(لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا), ونحن نرى ان هذه الكلمات وامثالها تنطلق من اساس فكري قراني محدد الا وهو الاعتقاد بكرامة الانسان بما هو انسان بغض النظر عن كل وصف زائد على انسانيته لذا جاء الخطاب القراني بتكريم الانسان على اساس ادميته غاضا الطرف عن كل مايكون مدعاة للتمايز من عرق او لون او دين او قومية او غير ذلك( ولقد كرمنا بني ادم) ومن الطبيعي ان كل قيد وكل غل يؤدي الى تثبيط طاقات الانسان وقواه التكاملية سيكون خلاف مبدا التكريم لذا كان الحال الاولي للانسان هو الحرية تلك النعمة التي لايمكن ان يعدلها شيئ اطلاقا مهما كان كبيرا وعزيزا لذا ورد في جواب موسى ع لفرعون لما قال له(اولم نربك فينا صغيرا) فكان ان اجابه الكليم ع:( وتلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني اسرائيل).
والجدير بالذكر انه قد ذكرت للحرية تعريفات متعددة واقساما عديدة لسنا هنا في صدد سردها واستقصائها بيد اننا نكتفي بذكر قسم واحد من هذه الاقسام لانه محور حديثنا ومحل كلامنا ونعني الحرية العقيديّه تحديدا ميممين وجوهنا شطرها.
الحرية بين الفكر الاسلامي والاوربي
الفلسفة الاوربية تجعل احترام العقيدة نابعا من احترام اختيار الانسان فقد جاء في مقدمة اللائحة العالمية لحقوق الانسان:(اساس الحرية والعدل والسلام العالمي الاعتراف بالكرامة الذاتية لااعضاء الاسرة الانسانية كافة) ومن هنا فان ضرورة احترام كرامة الانسان الذاتية تملي ضرورة احترام ميوله ورغباتة وما ينتخب من افكار واراء,وبتعبير اخر يمكن القول ان كل انسان لما كان محترما فلابد من احترام كل عقيدة يؤمن بها ولو كانت اتفه العقائد واشدها اهانة للانسان واكثرها تناقضا مع شأنه ومكانته, وهذا يعني ان الناس لو امنوا بعبادة البقر او الصنم او اي عقيدة اخرى فلابد من احترام عقائدهم على اعتبار انهم قد اختاروا هذه العقائد بانفسهم.
ان الفكر الاسلامي يرى ايضا ان احترام الحرية نابع من الكرامة الذاتية للانسان بيد ان هذه الكرامة الذاتية لم تصبح منطلقا لضرورة الاحترام الا لان ناموس الخلقة الغائي اوجبها على اعتبار ان الاسلام يؤمن بان الانسان يسير في هدف تكاملي وغاية طبيعية يريد الوصول لها كانت هي الغرض الاساس من اصل وجوده ويتجلى كل ذلك بالقرب الالهي( ياايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه),(وان الى ربك الرجعى) ومعنى القرب الالهي كما هو مقرر في علم الكلام الاسلامي ان يكون الانسان مظهرا لجمال الله وجلاله وبتعبير اخر : لما كان الله تعالى خيرا مطلقا وعدلا مطلقا وعلما مطلقا وغنى مطلقا ورحمة مطلقة وقدرة مطلقة وهكذا كل الصفات الكمالية التي يجب ان يتصف بها وكل الصفات السلبية التي لابد ان ينزه عنها وجب على الانسان ان يتخلق بالاولى وان يزيح عن نفسه الثانية لذا يتعين ان تكون المسيرة الانسانية كفاحا متواصلا باستمرار ضد كل جهل وعجز وظلم وفقر وغيره مع الالتفات الى ان هذا الجهاد ليس تكريسا للاله بقدر ماهو جهاد من اجل الانسان وكرامة الانسان وتحقيق المثل العليا له:( ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالميين).
والنتيجة الطبيعة لهذا الاختلاف بين الفكرين هو ان الفكر الاسلامي لايرى الاحترام لاي عقيدة تثبط قوى الانسان التكاملية وتحول بينه وبين غاية خلقه ووجوده حتى ولو كانت من انتخاب الانسان واختياره لذا يتعين على الانسان ان يحرر نفسه من كل قيد تفرضه عليه كل عقيدة تكون حائلا بينه وبين غاية وجوده, لكن يبقى الكلام في الالية المتبعة لتحرير الانسان من هذه العقائد وهذا ماسنحاول معرفتة في مستقبل البحث باذن الله.
الاديان السماوية ومنطق الحجة
اذا تاملنا القصص القراني لاسيما المتعلق منه بجهاد الانبياء مع اقوامهم فسنجده في الغالب جهادا يغلب عليه طابع الحكمة والموعظة الحسنة ففي قصة نوح ع مع قومه كان شعاره يتمحور حول نقطتين اساسيتين: ذكرهما القران الكريم بقوله:( ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال اني لكم نذير مبين ألا تعبدوا الا الله اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم) ولما حاججه قومه وعيروه بان من اتبعه هم خصوص الاراذل اجابهم:(ياقوم اريتم ان كنت على بينة من ربي واتاني رحمة من عنده فعميت عليكم انلزمكموها وانتم كارهون؟؟).
وسنجد هذا الامر اكثر وضوحا في قصة شعيب ع الذي جعل الاصلاح هدفه الرئيسي مستعينا بالله متوكلا عليه:(ومااريد ان اخالفكم الى ماانهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح مااستطعت وماتوفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب).
وفي قصة موسى وهارون تصبح القضية على درجة معتد بها من الوضوح اذ يقول القران الكريم:(اذهب انت واخوك باياتي ولاتنيا في ذكري اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا ليّنا لعله يتذكر او يخشى). والشيئ الملفت للنظر في قصة ابراهيم ع مع قومه هو قول القران الكريم على لسانه:(فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم) الامر الذي يوحي بانه اوكل امر من خالفه وعصاه الى الله الغفور الرحيم فهو حتى لم يطلب انزال العذاب عليهم .
والذي نستشفه من هذه الشواهد وغيرها ان منطق الحجة والاقناع والتعامل السلمي هو الطابع العام الذي كان الانبياء يتبعونه مع قومهم ولم يحدثنا القران الكريم عن نبي من الانبياء او رسولا من الرسل استعمل منطق القوة في فرض دعوته وارغام الناس على اتباعها والتصديق بها وينبغي ان يكون هذا من الاحكام العامة للنبوة التي لاتختص بنبي دون اخر وبزمن دون اخر فهذا هو المفهوم من مجمل القصص النبوي في القران الكريم.
حرية الاعتقاد في الاسلام
لقد قلنا قبل قليل ان منطق الحكمة والموعظة الحسنة هو المنطق العام للنبوة وان هذا المنطق من الاحكام العامة التي يشترك فيها جميع النبيين لان الارادة الالهية شاءت ان يكون الانسان مخيرا في اتباع الهدى والضلال ليتحمل بالتالي نتيجة عمله(ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة) ومن هنا لم يكن الاسلام بدعا من الاديان الالهية الاخرى في اتباع نفس المنهج والسير على نفس الطريق وعلى هذا شواهد كثيرة من القران الكريم:
(ولو شاء ربك لاامن من في الارض كلهم جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)( فاءن اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيضا ان عليك الا البلاغ)(فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم)(وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(انا هديناه السبيلا امّا شاكرلا وامّا كفورا)(لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن)
وهذه الايات وغيرها تركز على نقطة جوهرية واحدة هي اعطاء الحرية الكاملة للانسان في الايمان وعدمه وألا وجود للاكراه في مسألة الايمان لذا يقول العلامة الطباطبائي صاحب التفسير الشهير الميزان:(العقيدة بمعنى حصول ادراك تصديقي ينعقد في ذهن الانسان ليس عملا اختياريا للانسان حتى يتعلق به منع او تجويز او استعباد او تحرير وانما يقبل الحضر والاباحة هو الالتزام بما تستوجبة العقيدة من الاعمال). ويضيف سيد قطب على ذلك قائلا:(اذا كان هذا الدين لايواجه الجنس البشري بالخارقة المادية القاهرة فهو من باب اولى لايواجهه بالقوة او الاكراه ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد او مزاولة الضغط القاهر والاكراه بلابيان ولااقناع والاقناع).
اننا نفهم ان للحرية دائرتين اساسيتين :الاولى: فيما يتعلق باعتناق الاسلام وعدم اعتناقه وهذه قد اعطى الاسلام فيها الحرية كاملة للفرد كما هو صريح الايات السابقة,والثانية: انه لو اختار الانسان البقاء على دينه الاصلي فهل يسوغ له ذلك؟؟ ومع جوازه هل له ممارسة طقوسه وشعائره العبادية بحرية ام يحضر عليه ذلك؟؟
اما بالنسبة للشق الاولى من النقطة الثانية فلااشكال ولاشبهة بضرورة الفقه والتأريخ مؤيدا بما قامت عليه سيرة المسلمين ان الانسان لايقسر على ترك دينه اذا كان متبعا لدين سماوي وبحسب التعبير الفقهي اذا كان من اهل كتاب شريطة ان يعطي ضريبة مالية(وبعض الشروط الثانوية) تكون علامة كاشفة عن انضوائه تحت الدولة الاسلامية مع الالتفات الى ان هذه الضربية تقل كثيرا عما يدفعه المسلمون انفسهم من ضرائب مالية كالخمس والزكاة وبعد هذا فهو يمتلك الحرية الكاملة في ممارسة شعائره الدينية وطقوسه العبادية وشؤونه الحياتية حتى وان كانت مخالفة لما عليه المسلمون ولو تأملنا مكاتيب النبي الاعظم ص معهم لوجدناها طافحة بااحترام خصوصياتهم وحفظ حقوقهم وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة فقد كتب النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لأبي الحارث بن علقمة أسقف نجران: : 
(بسم اللّه الرّحمن الرحّيم. من محمّد النبيّ إلى الأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم ، أنّ لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيّتهم وجوار اللّه ورسوله ، لا يغيّر أسقف من أسقفيّته ، ولا راهب من رهبانيّته ولا كاهن من كهانته ، ولا يغيّر حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شيء ممّا كانوا عليه ما نصحوا وصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين )
ومن كتاب اخر له ص جاء فيه:
(ولا يغيّر أسقف من أسقفيّته ، ولا راهب من رهبانيّته ، ولا حبيس من صومعته ، ولا سائح من سياحته ، ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ، ولا يدخلُ شيء من مال كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المُسلمين فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نكث عهد اللّه ، وخالف رسُولهُ ، ولا يحملُ على الرّهبان والأساقفة ، ولا من يتعبّد جزيةً ولا غرامةً ، وأنا أحفظُ ذمّتهم أينما كانُوا من برّ أو بحر ، في المشرق والمغرب والشّمال والجنُوب. وهُم في ذمّتي وميثاقي وأماني من كُلّ مكرُوه)

ولاتجد عبائر ابلغ في التدليل على وجب الاحسان للاقليات الدينية من قول النبي الاكرم ص:( من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته فانا حجيجه يوم القيامة) وقوله الاخر( من اذى ذميا فانا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) الى غير ذلك من التعابير التي تصب في نفس الاتجاه

.
وينبغي ان يكون واضحا ان ضريبة الجزية تكون قابلة للاسقاط راسا وفقا لمبررات موضوعية تتصل بالحالة السياسية والاجتماعية والثقافية وليست هي حكما مؤبدا لاتستطيع الدولة الاسلامية احداث تغيير فيه, هذا كله اذا كانت ثمة دولة اسلامية او مجتمع اسلامي بالمعنى العلمي للكلمة بمعنى وجود دولة تنتهج الخط الاسلامي وتعتبر الاسلام هو القاعدة الحياتية في مجمل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية...وغيرها
اما اذا عدمت هذه الدولة فلايجوز لاي احد ان يتعرض لهم بسوء باعتبار ان جميع الخطابات التنظيمية انما هي خطابات للدولة والمجتمع الاسلامي لاللافراد بماهم افراد فليس من حق اي احد ان يخلط بين الخطابات المتعلقة بشؤون الافراد وتلك المتعلقة بشؤون الدولة وادارة المجتمع لما يترتب على ذلك من الوان الفساد العظيم واختلال الامن الاجتماعي وتعكير الحياة العامة المعلوم حرمته في الاسلام. 
ومن هنا يظهر ان الحقوق العامة لااتباع الديانات السماوية سواء العبادية او غيرها مكفولة لهم في الاسلام في كل حال من الاحوال.
يبقى الكلام فيمن لايدين بدين ولاينقاد الى شريعة سماوية وهولاء يمكن مناقشة وضعهم ضمن فرضين:
الاول: الجانب المفهومي
ونعني به قراءة المسألة قراءة نظرية تجريدية بعيدة عن ملابسات الواقع واملاءاته مع ملاحظة ان الفكر الاسلامي يرى للظروف الموضوعية اثرا بالغا في تغير كثير من الاحكام الشرعية وفقا لما يعرف بالعنوان الاولي والثانوي للاحكام, ولتحديد النتيجة المتوخاة من هذه القراءة يمكن الاستعانة بالشواهد العملية التي تضمنها التاريخ الاسلامي تجاه اولئك الذين لم يكونوا يدينون بدين سماوي بل بقوا على عبادتهم للاوثان وعكوفهم عليها فمن المعروف وبحسب تتبع الاحداث التأريخية ان مختلف انواع الكفار كانوا يعيشون في كنف الحكومات الاسلامية السنية والشيعية من غير نكير يذكر بل ان معابد النار في القرن العاشر الهجري بعد فتح فارس من قبل المسلمين بثلاثة قرون كانت تملأ العراق وفارس وكرمان وسجستان وخراسان واذربيجان حتى انه لم تخل مدينة من مدن فارس من معبد او معابد لعبادة النار كما يقول بعض المؤرخين ومن قبل كانت سيرة الرسول الاعظم ص قائمة على اساس عدم جبر احد على الاسلام فانه لما ظفر باصحاب بدر وكانوا مشركين لم يقتلهم بل اخذ منهم الفداء وتركهم على شركهم وهكذا صنع باهل حنين والـتأريخ يحدثنا ايضا ان غير واحد من صناديد قريش ورموز الشرك بقوا على شركهم بعد وقت طويل من فتح مكة معقل الكفر والوثنيية وفي نفس السياق نجد الامام علي ع يملي على واليه مالك الاشتر النخعي عهده الشهير لما ولاه مصر الذي ضمنه واحدة من انفس عبائره حينما قال:(واشعر قلبك الرحمة والمحبة لهم واللطف بهم ولاتكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان:اما اخ لك في الدين واما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل وتوتى على ايديهم في العمد والخطاء فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك) وهو خطاب مملء بوجوب المحبة والرحمة والرأفة للانسان بما هو انسان بعد كونه اما اخ في الدين اونظير في الخلق, ولعله لهذا وغيره يقول المحقق السبحاني في مفاهيم القرأن ج2ص405(فلأجل هذه الحرية لايجوز ان ان يجبر كافر كتابيّ او غير كتابيّ على اعتناق الاسلام اويمنع وثني اذا اراد أن يعتنق احدى الشرائع الكتابية الاخرى او اراد ان ينتقل من وثنية الى وثنية اخرى او يتحول يهودي الى النصرانية او نصراني الى اليهودية).
ويزيد العلامة محمد مهدي شمس الدين قائلا:(وحتى المشركون الكفار وان كانوا لاينتمون الى ديانة معينة ويعكفون على عبادة الاصنام والاوثان فان الاسلام لايقسرهم على ترك ديانتهم ولايرفض وجودهم في ظله بل شأنهم كااتباع الاديان الاخرى(الى ان يقول) وحينما يقبل الاسلام بوجود سائر الاديان والاتجاهات ضمن مجتمعه وفي ظل دولته فانه يمنحهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائر اديانهم والقيام بطقوس عباداتهم وتنفيذ تعاليمها واحكامها) وستكون المسألة اكثر وضوحا مع تسالم الكثيرمن فقهاء الشيعة على اشتراط وجود الامام المعصوم في اي نوع من انواع الجهاد الهجومي او في تطبيق الكثير من الاحكام والحدود التي قد تؤدي الى الدماء.
الثاني: الجانب العملي
ونعني به اخذ ملابسات الواقع واملاءاته وظروفه الموضوعية سواء منها الفقهيةاو الاجتماعية او الثقافية وحتى السياسية وغير ذلك وستكون النتيجة مشابهة تماما لما توصلنا اليه في الجانب الاول حتى لو لم نكن نتفق مع تلك النتيجة على مستوى الواقع النظري الا اننا ملزمون بالاخذ بها عمليا بعد كونها نتاج املاء العوامل السابقة التي ذكرناها عما قريب وهذا الذي سارت عليه اجيال المسلمين في التعاطي مع هذه القضية
وقد يقال(وقد قيل فعلا) ان من طبائع الاشياء انها تنفي نقائضها ومن الواضح ان الاسلام باعتباره دين التوحيد يناقض اشد المناقضه كل مايتصل بالوثنية فكيف يسمح لما يطاله بالصميم من ان تكون له فسحة من حياة؟؟ وهل تسمح القوانيين المعاصرة في ارقى البلدان الديمقراطية بظهور مايخالف نفس قوانينها او يناقض اصلها الذي تتكيء عليه؟؟ ان الجواب المنطقي هو كلا لاسيما وانه جاء في تعريف الحرية عند الحقوقيين خصوصا عند مونتسكيو بانها(حق صنع جميع ماتبيحه القوانيين فاذا استطاع احد ان يصنع ماتحرمه القوانيين فقد الحرية), اذن يجب ان تؤطر الحرية باطار القانون وألا تكون معارضة له ولأاصله الفكري الذي يتكيئ عليه ومن المعلوم ان الاسلام يقيم سائر احكامه وتشريعاته وقوانينه على اساس التوحيد ومن البين كم هو البون شاسعا بين التوحيد والوثنية لذا فان الاسلام لايبيح اي نوع من انواع الحرية لكل مايتصل بما خالف شرعة التوحيد وهو في ذلك ليس بدعا من قوانيين الدنيا.
اننا نتحفظ على هذا الكلام لاكثر من سبب:
الاول: ان هذا الكلام كله كلام استحساني ذوقي لايمكن ان يكون أساسا شرعيا في التعامل مع المخالفيين العقائديين بعد عدم وروده في اصل قرأني او روائي يمكن معه الركون اليه والوقوف عنده لانه سيكون حيئذ حكما شرعيا مستفادا من مصادره العلمية فيجب التعبد به اما مع عدم وروده في الادلة الشرعية فلاوزن له عمليا.
الثاني: لو كانت المسألة مسألة نقيض وتعارض مع القانون والاصل الذي يتكأ عليه فانه يجب والحال هذا تعميم الامر الى معظم الاديان المنسوبة الى السماء لانها لاتخلو من عقائد ومفاهيم تمس اساس التوحيد كما هو واضح لمن تأمل القران الكريم الذي يشنع في العديد من اياته على كثير من العقائد المنحرفة عن اصل التوحيد والفطرة السليمة ومع هذا سمح لتلك الاديان بالحياة وحفظ كرامة اتباعها واطلق لهم حريتهم في اقامة شعائرهم وطقوسهم التي قد لاتخلو من شرك.
الثالث:ان قضية التعارض وجعلها ملاكا في قبول هذا الدين او ذاك ليست امرا عاما مأخوذا في جميع الاحوال والاوقات حتى وفق رأي من يتبناها لانهم قائلون بان الظروف والملابسات الواقعية قد تدفع الى غير ماتبنوه ومعها اين دعوات مناقضة القانون او الاصل الذي يتكأ عليه في هذه الحالة؟؟


اية السيف
يزعم الكثير ان اية السيف كما تسالم على تسميتها وهي قوله تعالى:(قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الاخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون بدين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)اقول يزعم ان هذه الاية تنافي كل الايات التي استدل بها في مقدمة البحث والدالة على الحرية الدينية حتى قيل انها ناسخة لجميع تلك الايات!!
ونحن هنا نسجل اكثر من ملاحظة:
الاولى:ان هذه الاية نفسها حتى لو تم ماقيل بشانها من قتال اهل الكتاب من دون مبرر موضوعي لاتصلح ان تكون شاهدا على الاكراه الديني بدليل انها جعلت اعطاء الضريبة المالية (الجزية) غاية انتهاء القتال معهم فبمجرد دفعهم لهذه الضريبة التي تكون عادة كناية عن اطاعة الدولة الاسلامية سيكف عنهم ولو كانت القضية قضية اضطهاد ديني واكراه على ترك دينهم لما رضي منهم الا بالتحول الكلي عن دينهم واتباع الاسلام وهذا امر لم يذكره القران الكريم ولم يقل به احد.
الثانية:ان القاعدة الاولية للتعامل مع اهل الكتاب هو عدم القتال الا لمبرر موضوعي اما لقتالهم المسلمين لقوله تعالى:(وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين) او القائهم الفتنة بين المسلمين لقوله تعالى:(والفتنة أشد من القتل) او امتناعهم من اعطاء الجزية للدولة الاسلامية حال وجودها ومطالبتهم بها لنفس الاية التي استدل بها.

حروب الاسلام والا كراه الديني

لم يثبت ان الجيش الاسلامي بأمر الرسول (ص) قد هاجم مدينةً آمنةً أو مجتمعاً آمنا مسالما بدون مبرّر ، بل التحقيق يثبت أنّ كلّ حرب من الحروب أو فتح من تلك الفتوحات كان لسبب مبرّر للقتال ، من قبيل قتل دعاة رسول الله (ص) حيث كانوا يذهبون لنشر الدعوة الاسلامية في بعض البلدان فيتعرضون للقتل ، أو من قبيل اضطهاد طغاة تلك البلدان المسلمين في تلك البلدان . هذا بالنسبة الى المجتمعات الكافرة غير المسالمة. .
وأما المجتمعات الكافرة المسالمة التي لم تعلن الحرب على المسلمين ولا على الدولة الاسلامية ولا على دعاة الاسلام ولم تشكل خطرا على الاسلام والمسلمين ، أولئك الذين لم يخرجوكم من دياركم ولم يظاهروا على إخراجكم ولم يقاتلوكم في الدين، فمثل هذا الصنف الكافر المسالم لم يثبت انه (ص) شنّ عليهم الحرب مع الالتفات الى السمة الرئيسة لحروب النبي الاعظم ص .
كانت حروبا دفاعية يتصدى فيها الجيش الاسلامي للكفار المعتدين كما حصل في احد والخندق وغيرها .

ولابد من التذكير ان مسألة جهاد الكافرين ابتداء تهدف فيما تهدف اليه الى رفع الظلم والتظاهر الذي يرتكبه الطغاة أمام حرية الإنسان في اختيار فكر معين أو عقيدة معينة أو دين معين فيقوم النبي أو الإمام المعصوم بازالة هذا المانع فقط ليوفر الظرف المناسب لكل الناس في اختيار الدين الذي يقتنع به عن دليل وبرهان، حتى لو اختار الكفر بالله تعالى وبالإسلام وبالأديان السماوية فإنه لايؤاخذ بذلك بشرط أن لا يكون محارباً أو متسلطاً على بلد ما بحيث يمنع الناس عن الدخول في الإسلام، كفرعون وأهل مكة وما إلى ذلك من امبراطوريات الفرس والروم، فهذا هو الجهاد الابتدائي في الإسلام، لأنّه لا إكراه في الدين، وهذا واضح من خلال تصفح التاريخ الإسلامي وفعل رسول الله (ص) في فتح مكة فإنّه لم يجبر أحداً على الدخول في الإسلام بعد فتحها، بل أصبح يتألفهم بعد أن ان قال لهم اذهبوا فانتم الطلقاء ولااجل هذا يذكر بعض المؤلفين: أن محمد ( ص ) مع انه استولى على أكثر من مليون ميل مربع مما يعادل كل أوروبا باستثناء روسيا، ومع أنه كان يسكن هذه المنطقة ملايين من البشر، لم يقتل في كل حروبه- من طرف المسلمين- إلاّ مائة وخمسون مسلما ويضيف ان هذا العدد يعادل: قتيلا واحدا في كل شهر تقريبا!!!
ويزيد أحد الكتاب أن جميع القتلى مـن الطرفين ( المسلمين والمشركين ) لم يتجاوز ألفا وبضعة أشخاص في كل الحروب التي خاضها الرســول ( ص ) والتي كانت أكثر من ثمانين حرب!!

.
الارتداد والاكراه الديني
قد يتخذ البعض مسألة الارتداد وعدم جوازه بل وحكمه القاسي شاهدا على الاكراه الديني وعدم اباحة حرية المعتقد في الاسلام الا ان ذلك غير صحيح ضمن الملاحظات التالية:
الاولى:ان موقف الاسلام من الارتداد لاعلاقة له بالحرية الدينية او عدمها بدليل قبول الاسلام للاديان السماوية الاخرى ولو كان يريد الاكراه لما سمح لاي دين اخر بالتواجد.
الثانية: ان مسألة تجريم المرتد تارة تناقش من زاوية نظرية واخرى ومن زاوية عملية فعلى المستوى النظري يذهب غير واحد من فقهاء السنة الى هذا الحكم جاء ليعالج قضية انية مشخصة في عصر الرسالة عصر الثورة والكفاح ومن الخطأ ان يعمم الى غيره ويرون انه رد على واحدة من اساليب الحرب النفسية التي كان يقوم بها اعداء الاسلام بعد ان كانوا يشهرون دخولهم الاسلام ثم يعلنون خروجهم منه ولايخفى مالذلك من اثر سلبي على النفوس المقاومة خصوصا وان الساحة ساحة ثورة لاساحة دولة مستشهدين على ذلك بقوله تعالى:( وقالت طائفة من اهل الكتاب امنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا اخره لعلهم يرجعون), اما فقهاء الشيعة فيرون ان الامر يكمن في الزاوية العملية التطبقية فقد يكون للشيئ حكما معينا على الصعيد النظري التجريدي الا ان الواقع سيكون بالنهاية هو المحك مما يؤدي بالتالي الى تغيير نفس الحكم على الصعيد النظري والعملي وفيما يرتبط بمحور حديثنا لابد من ذكر تساؤلين رئيسين يتمحوران حول من بيده تطبيق الاجراء القانوني بحق المرتد بعد فرض ان نكون قد شخصنا حكمه القانوني على المستوى النظري؟؟ وهل يطبق مهما كانت الظروف والملابسات الموضوعية؟؟
ولااشكال هنا ان الظروف العملية بملابساتها الثقافية والمصلحية الاجتماعية حاكمة وستقلص مساحة التطبيق الى اضيق مساحة ممكنه الى حد الالغاء العملي في الاعم الغالب بعد فرض شروط كثيرة لهذا التطبيق اكثرها غير متوفر ترتبط بوجود دولة ومجتمع اسلامي وقيادة معصومة وان لايؤدي ذلك الى حدوث فوضى اجتماعية وتأثيرات سلبية نقطع بان الاسلام يتحفظ كثيرا عليها ومن هنا قال بعض المفكرين: ان الاسلام في قضية الحدود والعقوبات( يتشدد في النظرية ويتساهل في التطبيق) وربما لهذا السبب وغيره يكاد ينعدم وجود تطبيق فعلي لهذه العقوبة في التأريخ الشيعي والواقع الحالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق