الخلافة والإمامة في الديانة المسيحية .
أسطورة صخرة بطرس ونقض خلافة البابا .
الحلقة الأولى :
قبل البدء في كتابة هذا الموضوع بحثت كثيرا لعلي أجد من كتب عنه ولكني لم أجد أحد ناقش هذه المسألة الحساسة والخطيرة جدا وهي مسألة خلافة البابا للأرض وتسلطه على كرسي الزعامة الدينية للعالم المسيحي برمته.
هذه الخلافة التي تعطي للبابا الحق أن يتصرف في أموال وأرواح العباد .
فباشارة منه يتدفق الملايين يمتطون شهوة القتل يكتسحون في طريقهم كل شيء وحتى قرننا هذا نرى البابا هو الذي يقف وراء كل الحروب الكونية ، إن لم تكن بمباركة منه كما سترى في الصور والوثائق المرفقة .
لا خلاف لدى أهل العقل بأن كل فكر اصلاحي أوديانة يوجد من يتربص بها ليقطف ثمارها. فبعد أن يرسي المخلصون قواعد هذا الدين أو الفكر ، يأتي الطابور الخفي ليتسلط على زمام الأمور فيحرف مسيرة هذا الدين ويفرض على الناس دين آخر.
رؤوس الطابور الخفي تستطيع أن تعرفهم من خلال وجودهم وانتمائهم لهذا الدين أو الفكر ، وذلك أنك تراهم دائما في الصفوف الخلفية أو على التل، وإذا اجبرتهم الضروف على أن يكونوا في الامام في اي صدام ، فإنك تراهم يتحاشون الاصطدام المباشر مع الجبهة الأخرى ولذلك فإنك لو دققت في سجل أفراد هذا الطابور لما وجدت قتيلا أو جريحا وقع بسيوفهم ولرأيتهم في أغلب المعارك يفرون لا يلوون على شيء كما يقول عنهم القرآن ((إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم )) . سورة آل عمران آية : 153.
فبينما نرى المخلصون من أسباط موسى يلتفون حوله ويضحون من أجله ، نرى أن السامري كان حاظرا كطابور خفي هو واتباعه ينتهز فرصة غياب موسى ليخدع الناس بالتراغيب والترهيب ويصنع لهم عجلا ويستخف عقولهم ويحرف رسالة موسى بشكل مريع ويُبعد الإمام والخليفة الحق هارون اخو موسى ومن معه من الاسباط.
وبينما نرى أن الحواريين التفوا حول عيسى ورسالته وعاشوا معه احلك ضروف الرسالة ، نرى أن شاول بولص كان طابورا خفيا هو والسحرة من أتباعه أمثال سيمون وأبلوس وغيرهم، ليتسلط على الجماعة المسيحية بشكل غريب مريب بحيث أنه يأتيهم بإنجيلا خامسا فيقبلونه ويصبح بين ليلة وضحاها منظّر المسيحية بلا منازع والمؤسس الحقيقي للمسيحية .
وبينما نرى أن الفئة القليلة المخلصة من أتباع محمد ثبتت معه ولم تول الأدبار وتضحي بالغالي و النفسي من أجل محمد ورسالته. نرى أتباع الطابور الخفي يولون الأدبار عند أول سهم ينطلق نحو جيش المسلمين ، تم ينزو أتباع هذا الطابور على سلطان محمد كما يصفونه ومحمد ص بعده لم يدفن ثم يكون مصير الرسالة على أيديهم بيد أغيلمة من قريش أبو سفيان ومعاوية ومن لف لفه.
هذه الحقيقة ماثلة أمام أعين اهل العقل ولازالت إلى يوم الناس هذا تفعل فعلها فتصادر كفاح الشعوب وصراعهم مع الطواغيت وتقطف ثمار دماء آلاف الشهداء الذين يقعون من أجل الحرية والكرامة .
انطلاقا من هذا المبدأ وعلى مر التاريخ لم تستغفل أي أمة من الأمم كما أستُغفلت الأمة المسيحية من قبل من تسلط على رأسها وتحكم في مقدراتها الدينية والدنيوية والأخروية. وذلك من خلال كذبة (نيابة الله في الأرض) التي تمنح حاملها صلاحيات مطلقة يتحكم فيها بالأموال والأرواح والاقتصاد ، لا بل يتعدى سلطانه الدنيا إلى الآخرة فيبيع صكوك الجنة ، ويغفر للناس ذنوبهم في خدعة متهتكة اسمها ((الاعتراف)) وهو أن المسيحي يرتكب الموبقات والجرائم العظمى طيلة حياته ثم يأت إلى القس فيعترف له بكل تلك الجرائم وبذلك تسقط تلك الذنوب ويعود كيوم ولدته امه . والقس يستمد سلطانه من كبيره البابا الذي عندما يعينه يضع يده على كتفه ويمنحه بركة غفران الذنوب نيابة عنه في الكنيسة التي يُعين فيها .
فمتى وكيف أصبح البابا نائب الله في الأرض ؟ وهل نجد لذلك مصاديق في الكتاب المقدس أو في أقوال كبار رجال الدين المسيحي . أو حتى ولو اشارة من بطرس نفسه الذي نُسبت إليه هذه الفرية ؟
انطلاقا من نص مبهم ـ ورد في إنجيل متى وسكتت عنه الأناجيل الأخرى ـ يقول بأن السيد المسيح أعطى إلى بطرس صلاحيات سماوية كانت هي الأساس التي شُيدت عليها فكرة البابوية وخلافة المسيح على الأرض والنص يقول : (( وأنا اقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات . وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات . حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح )) . إنجيل متى الإصحاح 16 : 20.
الغريب في هذا النص أن المسيح ليس فقط يُحاول دائما التهرب من كونه نبيا فيوصي دائما بعدم الاخبار عنه وعدم الاشارة إليه على أنه المسيح المرسل . والمحير أيضا أن المسيح كان يختفي دائما تاركا تلاميذه في حيرة فكان دائم الهرب من الأحداث : فبعد أن طلب منهم أن لا يخبروا أحد بانه المسيح اوصاهم : ((ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور . تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم)) إنجيل يوحنا الإصحاح 12 : 36.
لقد كان دائم الهرب وسريع الاختفاء ، فبعد كل تبليغ يبادر إلى الاختفاء بسرعة حتى أنه عندما يريد الصلاة فإنه يطلب من تلاميذه الابتعاد عنه لكي يصلي . فلم يصلي أمامهم حتى طلبوا منه أن يعلمهم الصلاة . فعلمهم قولا ولم يعلمهم فعلا .
ولعل الأغرب من ذلك كله هو إذا كان نص تعيين الخليفة ونائب الله في الأرض بهذه الخطورة ، فلماذا سكتت عنه الأناجيل الأخرى فلا نراها تذكره . بل تتجاهله ولا تأت له بخبر.فيذكره متى ويتجاهلة كل من مرقص ويوحنا ولوقا!
ومع ذلك فإننا في هذا النص لا نرى أي امتياز يُعطى لبطرس . بل أن هذا النص صوّر السيد المسيح خائفا يُريد أن يتنصل من مسؤولية التبليغ وينجو بنفسه حيث يعطي كل صلاحيات النبوة إلى بطرس ثم يختفي ويطلب منهم أن لا يقولوا لأي أحد أنه يسوع المسيح !
انطلاقا من هذا القول يزعم النصارى أن روح القداسة الربانية حلت في جسد بطرس ومن ثم إلى البابوات تنتقل من واحد إلى آخر يحملون نيابة الله ووكالة من السيد المسيح على الأرض ومن فيها فما يُقرروه في الأرض يجده المسيح عنده مكتوبا في السماء حتى لو كان قتلا وسفك دماء وما يحلوه يجده المسيح محلولا في السماء حتى ولو كان حقوق العباد ومظالمهم .
البحث .
تعرّف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مقام البابا على أنه نائب الله في الأرض حيث حلت فيه روح القداسة جيل عن جيل ابتداءا من بطرس الذي منحه المسيح ذلك . ويقولون : نصّب المسيح القديس بطرس على رأس كل الرسل . ثم تضيف الكنيسة الرومانية بأن السيد المسيح قضى أن يكون لبطرس خلفاء دائمين في هذا المنصب الرئاسي . وأساقفة روما هم هؤلاء الخلفاء.(1) دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة ـ 2003ـ المجلد 11، الصفحة 495 ـ 496 .هذا اذا اخذنا بنظر الاعتبار أن بطرس لم تطأ قدماه روما كما ستقرأ.
انطلاقا من هذا القول.هل يوجد في الكتاب المقدس قول يدعي بأن بطرس كان البابا الأول ؟ أو أي قول آخر يدعمه.
في البداية نقول إن قبة بازيليك القديس بطرس في روما تعتبر من أقدس الأماكن في العالم حيث يأمها الملايين من المسيحيين كل عام للحج والتبرك بزيارة قبر أول بابا عينه السيد المسيح اضافة إلى أنها معقل البابوية منذ قرون طويلة حيث يُعتقد أن جسد القديس بطرس مدفون فيها . (2) وهذا من الكذب البواح فعلى الرغم من الحفريات التي استمرت سنين طويلة إلا أنه لم يُعلن إلى الآن العثور على ضريح للقديس بطرس . والسبب أن بطرس لم ير روما ، إنما عاش ومات في منطقة الشرق الأوسط كما ستقرأ في هذا البحث.
على حافة قبة بازيليك نُقشت هذه الكلمات : ((أنت بطرس ، وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي)) . إنجيل متى الإصحاح 16 : 18. وهذا النص من أقدس النصوص التي يستشهد بها الكاثوليك على شرعية الكرسي البابوي وقداسته الربانية . فهل نجد في الكتاب المقدس أو بين البابوات من يؤيد ذلك ؟
كان أوغسطين ، ـ وهو أحد آباء الكنيسة المقدسين جدا ـ يؤمن بأن الكنيسة ومقام البابا بناهما بطرس كما في النص الإنجيلي الوارد عن السيد المسيح . ولكننا نرى أوغسطين هذا وفي آواخر أيام حياته يُبدل وجهة نظره . وينفي أن تكون الكنيسة بُنيت على خلافة بطرس . بل أن الكنيسة بُنيت على يد السيد المسيح نفسه ولذلك أشار السيد المسيح إلى أنه سوف يبني كنيسته التي لا تقوى عليها كل أبواب الجحيم. طبعا وهذا القول مبالغ فيه جدا حيث أن السيد المسيح لم يبن اي كنيسة اطلاقا ولم يصلي في أي مكان مبني ، بل كانت صلاته في الغابات والبساتين والصحارى كما ينص على ذلك الإنجيل ، ولا ندري من أين جاء أوغسطين بهذه الفرية الأخرى .
فلماذا سكت أوغسطين عن ذلك طيلة حياته ولكنه على فراش الموت يكتب كتابا هو الأشهر بين الكتب يطلق عليه إسم (تراجُعات)يكشف فيه الحقيقة للناس .
فماذا وجد أوغسطين ؟
وجد أوغسطين ومنذ زمن مبكر أن السيد المسيح كان يتحدث لبطرس عن نفسه وعن دوره ورسالته كما ورد في إنجيل متى الاصحاح 16 : 13 ـ 17. حيث كان السيد المسيح يوجه سؤاله لمجموعة من التلاميذ يريد أن يعرف من خلالها مدى فهم التلاميذ له ومعرفتهم عنه وكان سمعان بطرس أحدهم وأجاب كما أجابوا . ويؤيد ذلك أن بطرس نفسه ذكر أن الصخرة التي عناها السيد المسيح إنما يعني بها نفسه هو فقال : ((كونوا أنتم أيضا مبنيين كحجارة حية بيتا روحيا كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح)) بطرس الأولى الإصحاح 2 : 5 .فكل شيئ لا يُقبل عند الله على قول بطرس إلا بالسيد المسيح وعن طريقه . فمن أين جاء النصارى بفرية كنيسة الله التي بناها بطرس ؟ والملاحظ أنه وحتى زمن متأخر جدا كان الجميع يعرفون بأن السيد المسيح هو الحجر الأساسي الذي ارتكزت عليه الكنيسة وليس بطرس وهذا بولص يقول وهو من المتأخرين : ((فلستم بعد غرباء ونزلا بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله .مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه الحجر الذي فيه كل البناء هيكلا مقدسا في الرب)) (4) رسالة بولص إلى أهل افسس الثانية 20.
يضاف إلى ذلك أيضا أن بطرس نفسه على الرغم من أنه منُح مسؤوليات كبيرة إلا أننا لا نراه مطلقا يدعي قيادة الجماعة المسيحية ولا يزعم أنه رأسها .وهذا الإنجيل كله بين يدي القارئ حيث يخلو من ذلك . فالكتاب المقدس لم يذكر أن بطرس ادعى يوما بأنه رأس الجماعة وإمامهم الذي يتخذ القرارات نيابة عن الله أو السيد المسيح . ولا حتى عن جماعته اطلاقا . فكل ما ذكره بطرس عن نفسه لا يزال مدون وموجود في الإنجيل حيث قال واصفا نفسه بأنه ليس أكثر من رسول كبقية الرسل ، أو أنه شيخ من شيوخ الجماعة : ((بطرس رسول يسوع المسيح إلى المغتربين من شتات بنتس)) (5)رسالة بطرس الأولى الاصحاح الأول : 1 .
إذن هو أحد من أرسلهم السيد المسيح للتبليغ مثل بقية الرسل .
ويقول أيضا يصف نفسه : ((أنا الشيخ رفيقهم والشاهد لآلام السيد المسيح )) (6) رسالة بطرس الأولى الإصحاح الخامس : 1 .
إذن هو شيخ من الشيوخ لا أكثر .
بطرس هذا الذي يعتبر العمود الفقري في مقام البابوية ويُشيرون إليه من طرف خفي على أن المسيح تخلى عن نبوته وأعطاها لبطرس . لنأتي الآن فنرى كيف كان السيد المسيح يعامل بطرس وماذا يطلق عليه لكي تتضح لنا حقيقة هذه المزاعم الباطلة.
كان السيد المسيح في أيامه الأخيرة يخبر الناس بأنه يتعرض لمؤامرة ولربما أنه سوف يُقتل وقال لهم : ((انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل )) . إنجيل متى الإصحاح 16 : 21. وهذا جزء من اخبار بالغيب يقصد به السيد المسيح أن يُثبت لهم بأنه هو المسيح المرسل وان كل هذا سوف يحدث . فماذا كان جواب سمعان بطرس ؟ تعال وانظر إلى رده على السيد المسيح : ((فأخذه بطرس إليه ـ المسيح ـ وابتدأ ينتهره قائلا حاشاك يا رب لا يكون لك هذا)) (7) إنجيل يوحنا الإصحاح 16 : 22. وهنا غضب السيد المسيح جدا على قول بطرس له (يارب) والتفت إلى بطرس وصرخ فيه قائلا له : ((اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله )) (8) إنجيل متى الإصحاح 16: 22.
فهل يُعقل أن يغضب السيد المسيح على بطرس ويلقبه بالشيطان ، ويصفه بأنه معثرة أمام تبليغ الرسالة ، ثم يعطيه تلك الصلاحيات الخطيرة ، (بأن كل ما يربطه في الأرض يجده مربوطا في السماء ، وكل ما يحله بطرس على الأرض يجده محلولا في السماء ).وهذا يعني أن بطرس الشخص الوحيد في الأرض الذي له صلاحية النقض والإبرام وهذا قول خطير لأنه من مختصات الذات الإلهية (يمحو الله ما يشاء ويُثبت ). سورة الرعد آية : 39. فإذا كان كذلك فهل يصح أن يمنحه السيد المسيح إلى شيطان يقف حجر عثرة في طريق تبليغ الرسالة ؟
بطرس هذا هو الذي قال له السيد المسيح : ستنكرني وتتبرأ مني قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات حيث أبى السيد المسيح إلا أن يكشف رياء هذا الكاذب . ومن خلال المحاورة التالية نرى مدى وضاعة هذا الرجل .
أخبر السيد المسيح تلاميذه متألما ومتأسفا بأنهم كلهم سوف يشكّون فيه فقال : (( كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة . فأجاب بطرس وقال له وأن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا ..قال له يسوع الحق أقول لك أنك في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات )) إنجيل مرقص 14 : 27. وهذا ما حدث عندما سأل الناس بطرس عن السيد المسيح حيث يقول الإنجيل : (( فابتدأ ـ بطرس ـ حينئذ يلعن ـ المسيح ـ ويحلف أني لا أعرف الرجل ـ المسيح ـ وللوقت صاح الديك فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ، فخرج إلى خارج وبكى بكاءا مرا )) . إنجيل متى الإصحاح 26 : 75.
وبطرس هذا الذي لم يكلف نفسه عناء السهر مع سيده ونبيه المسيح في آخر ليلة من لياليه على الأرض حيث نام وترك سيده نهبا للأعداء .وانظر إلى خطاب السيد المسيح المحبط الحزين وهو يخاطب بطرس النائم : ((وبدء ـ المسيح ـ يشعر بالرهبة والكآبة فقال لهم : نفسي حزينة حتى الموت انتظروا هنا واسهروا ولكنه رجع فوجدهم نياما ، فقال لبطرس : أنت نائم أما قدرت أن تسهر معي ساعة واحدة )) انظر مرقص 14 : 37.
فهل يُعقل أن يسلم السيد المسيح مفاتيح السماوات والأرض إلى شخص يحمل مثل هذه المزايا يوصيه المسيح أن يسهر معه فيجده نائما فيطلب منه ثلاث مرات أن يكون معه وأن لا ينام ويسهر معه ، ولكنه ولثلاث مرات يجد بطرس نائما.
لقد كان بطرس هدفا دائما لتقريع السيد المسيح وتوبيخه ، وذلك لكي يكشف السيد المسيح حقيقة هذا الدعي لأن السيد المسيح عرف من خلال الوحي أن بطرس سوف تنُسب له أشياء ، لم يمنحها له السيد المسيح ولذلك بدأ يحذر منه ويصفه بالشيطان والمعثرة ثم نفاه بعيدا إلى مدينة بنتس بالقرب من تركيا كما يقول بطرس عن نفسه : ((بطرس رسول يسوع المسيح إلى بنتس)) (5)رسالة بطرس الأولى الاصحاح الأول : 1 . .
اذن الآن تبينت الحقيقة . لماذا اتخذ النصارى بطرس شعارا ورمزا للكنيسة واعتبروه البابا الأول الذي حكم كل بابوات الدنيا بإسمه ذلك لأن بطرس هو المؤسس لعقيدة عبادة يسوع المسيح على أنه الرب حيث أنه أول من نادى السيد المسيح ((يارب)) معتبرا إياه الها ، والتي اقشعر منها جلد السيد المسيح وصرخ في بطرس محذرا إياه أن يكررها واصفا إياه بالشيطان وأعتبره معثرة في طريق التوحيد الصحيح . من هنا أصبح بطرس المفضل لدى قياصرة روما فيما بعد وأسسوا له الكنيسة الأولى وأصبح ذراعهم الإيمن وقد استغله القياصرة فيما بعد في القضاء على الأمم التي لم تكن تدين بالطاعة لروما بحجة هدايتهم إلى الديانة المسيحية وقد أعطاهم بطرس المبرر للقتل حينما قال لهم بأن السيد المسيح أمرنا أن نحرق بالنار كل من لايؤمن بالسيد المسيح ((اجمعوا أولا الزوان وأجعلوه حزما ليُحرق لأن الزوان بذور الشرير، وأما الحنطة فأجمعوها إلى مخزني )) . إنجيل متى الإصحاح 13 : 30. ويقصد بالزوان النبات الطفيلي الذي يخرج بين الحنطة . والحنطة هي الجماعة المسيحية والزوان هم الأشرار الذين لم يؤمنوا بالديانة المسيحية .
ثم زودهم بطرس بنص آخر يُبرر للقياصرة قتلهم للناس وابادتهم في أنحاء روما حيث قال بطرس بأن ربنا المسيح قال : ((وأما أعدائي اولئك الذين لا يؤمنون بي ملكا فأتو بهم واذبحوهم هنا قدامي)) . إنجيل لوقا الإصحاح 19 : 27.
وهكذا انطلقت الجحافل الرومانية وبحجة هداية الأمم الوثنية إلى المسيحية انطلقت في ابادة محمومة للناس لم يأمر بها السيد المسيح الذي يصفونه بأنه رسول السلام .
أرتفع شأن بطرس كثيرا حتى أصبح رأس الكنيسة العظمى ومنه انحدرت كل أجيال البابوات . طبعا هذه الرؤية هي من وجهة نظر مسيحية لأن بطرس هذا الذي كان مؤيدا للقيصر لربما هو غير بطرس الرسول ويؤيد هذا القول لائحة بولس التي أعدها بأسماء الرسل المسيحيين في روما ، فلم يرد أي ذكر لبطرس في هذه اللائحة . وهذا يعني أن بطرس المذكور مؤسس كنيسة المسيح هو بطرس آخر متأخر جدا عن زمن الرسل . فلو كان سمعان بطرس حواري السيد المسيح وخليفته هو الذي وضع يده بيد القياصرة لما أغفل ذلك تاريخ روما ولدوّن ذلك وافتخر به وجعله القيصر انجازا له وكذلك لم يورده كتبة الأناجيل على التعاقب وكذلك بولس في مدوناته ومذكراته ، حيث لم يرد لنا أي ذكر لهذا الرجل في روما .
ويضاف إلى ذلك هناك سر آخر يكمن وراء اشتهار بطرس وتعيينه على رأس كنيسة المسيح من دون سائر رفاقه الرسل .
وهو أن بطرس هذا بقى على يهوديته فبعد صعود السيد المسيح إلى السماء وغيابه عنهم يعكس لنا النص الإنجيلي حقيقتين واضحتين لا غبار عليهما وأحدهما شرٌ من الآخر .
أن النص يقول : (ائتمن المسيح بطرس على مفاتيح السماوات) فهل تعلم لماذا ؟ وبماذا يفسر اليهود ذلك ؟
سلمه مفاتيح الملكوت لكي يفتح الطريق لدخول ملكوت السماوات أمام اليهود والمتهودين أولا . ثم السامريين ، وأخيرا الأمم من غير اليهود . ولهذا السبب وقف اليهود وراء بطرس حتى أوصلوه إلى الشهرة . ومنذ ذلك اليوم أصبح منصب البابا العوبة بيد اليهود لا يجلس على كرسي البابوية إلا من كان مؤيدا لهم حتى هذا اليوم .
فمن المعروف أن السيد المسيح لم يترك بعد رحيلة إنجيلا مكتوبا ولم يترك خلفه أيضا خليفة إلا واحد اختاره من بين حوارييه وهو برنابا الشاب المخلص الوفي الذي لم يخذل السيد المسيح حتى آخر لحظة من حياته ولذلك فإن السيد المسيح قال قبل رحيله وعلى لسان الوحي ((أفردوا لي برنابا)) الذي يصفه الإنجيل : ((الذي يُدعى من الرسل برنابا الذي يُترجم ابن الوعظ)) سفر أعمال الرسل الإصحاح 4: 36. أي سيد البلغاء والمتكلمين . ولكن قوم عيسى خذلوا برنابا ونصّبوا عليهم شخص آخر هو بولص الذي آمن متأخرا لا بل أندس للكيد للنصرانية .
فحتى بعد مضي أكثر من قرنين من الزمان على رحيل السيد المسيح لم تشهد روما أي أسقف يتمتع بنفوذ ملكي ، ولكن بحلول القرن الثالث منح أسقف روما نفسه السلطة العليا على عدد من الكنائس وأقره القيصر على ذلك وحتى هذا الزمان لم تعرف روما أي رسول بإسم بطرس ، وهذا ما يذهب إليه بولص الذي ذكر في لائحته تعدادا شاملا لأسماء الرسل المسيحيين في تلك المدينة ، إلا أن إسم بطرس غير مذكور البتة بين الأسماء ( راجع رسالة بولص : روما 16: 1ـ 23 . ) ثم كتب بولص خمس رسائل مطولة أخرى وبالذات من روما ولم يرد أي ذكر لبطرس فيها ، ثم تبعه في ذلك الرسول يوحنا الذي كتب رسائله الثلاث وسفر الرؤيا كاملا ولكنه أيضا أهمل ذكر بطرس ولم يشر في كتاباته تلك إلى أي منصب ديني في روما ولا إلى أي قائد للكنيسة شغل منصب البابا أو الزعيم الروحي او منصب خليفة بطرس المزعوم . فلا الكتاب المقدس ولا المدونات الأخرى تدعم الادعاء أن بطرس نصّب نفسه أول أسقف على الجماعة في روما . ذلك لأن السيد المسيح عاش ورفع إلى السماء في منطقة فلسطين فلم تتعدى حياته مناطق الناصرة والجليل وبئر السبع وأورشليم وبيت لحم ومكث يُبلّغ رسالة ربه ثلاث سنين فقط قضاها هاربا في الغابات والصحارى .وإنما بنيت كنيسة القيامة على أنقاض القبر الفارغ الذي يزعم النصارى أن السيد المسيح قام منه بعد قتله وارتفع إلى السماء أمام بعض تلاميذه .
لقد حافظ تلاميذ السيد المسيح على تعاليمه بالتواضع وعملوا بوصاياه في أن لا يترأسوا على الناس ولا يتسلطوا ولا يتخذوا أي منصب لهم ديني كان أو دنيوي . ولذلك نرى أن الرسول يوحنا يوجه رسالة توبيخ شديدة اللهجة إلى تلميذ اسمه ديوتريفس وأحد الأسباب الداعية إلى توبيخه هو ( محبته أن يكون الأول في الجماعة ) وواصفا إياه بأنه ((يهذر بكلام خبيث ضد رسل السيد المسيح )) رسالة يوحنا الثالثة الإصحاح الأول : 10.
وقد شكلت تحذيرات الحواريين الشديدة اللهجة ولمدة من الوقت رادعا كبح مطامع الساعين وراء البروز حتى ولو على مستوى المجال الديني . لأن السيد المسيح أعطاهم علامة في أن الكثير من الأنبياء الكذبة سوف يظهرون بعد رحيلة وصفتهم أن جلودهم جلود الحملان وقلوبهم قلوب الذئاب .
ان السيد المسيح قبل رحيله أعطى حوارييه هذه التعاليم القيمة في أن لا يترأسوا على الناس ولا يتخذوا من الناس قائدا أو رئيسا لهم فقال لهم : ((لا تدعوا أحدا أبا لكم في الأرض ، لأن اباكم واحد وهو السماوي . ولا تدعوا قادة لأن قائدكم واحد وهو المسيح )) . إنجيل متى الإصحاح 23 : 1ـ8.
فهل يستقيم هذا القول العالي المضامين مع تصرفات وأخلاق البابوات التي يقول عنها الكاهن الكاثوليكي والبروفيسور في التاريخ الكنسي كارل أمون : إن التقارير الموثقة عن البابا الكسندر السادس تكشف عن إمعان شديد في الرذالة وإساءة استعمال السلطة ، وانهماك مفرط في السيمونية والفجور . أي من رؤوس اللواط في الكنيسة .
أو هل يستقيم قول السيد المسيح عليه السلام مع تصرفات البابا يوحنا بولص الثاني الذي توفي قبل سنين قليلة (2005)والذي ألغى نصا واضحا من الكتاب المقدس وبرأ اليهود من دم السيد المسيح مع أن الإنجيل والقرآن اتفقا على أن اليهود تآمروا على قتل السيد المسيح وأن الله انقذه من بين أيديهم وهذا التلمود حافل بشتى أقذر السباب والشتيمة للسيد المسيح وأمه الطاهرة لا بل أن الأكثر من ذلك أن اليهود لا يزالون يرددون مقولتهم الشهيرة ويفتخرون بها وهي أنهم شنقو المسيح وسمموا محمد . إلا أن قداسة البابا لم يعترف بما أورده كتابه المقدس وألغى نصا مقدسا . اضافة إلى ظاهرة ولع البابوات بالحروب حيث كانت كوارث القرن العشرين وما بعده من صنعهم حيث ثبت وبالدليل القاطع وبالصور الموثقة أنهم بعد كل اجتماع مع الرئيس الأمريكي والبريطاني أو زيارتهم لأي منطقة يتوقع العالم حرب طاحنة .
فهل يملك البابوات بعد ذلك أي دليل على خلافتهم أو زعامتهم أو حتى تمثيلهم لرب السماء ونبيه عيسى ؟أو حتى تمثيلهم لعامة المسيحيين .
القسم الثالث: من بحث صخرة بطرس ونقض خلافة البابا . الكرسي البابوي في المزاد .نموذج من السيرة الذاتية للبابوات.
والآن بعد أن نسفنا منصب الزعامة الروحية للعالم المسيحي المتمثل بالبابا وذلك من خلال نصوص لا يشوبها الريب مأخوذة من كتابهم المقدس . نأت الآن لنأخذ عينة واحدة من أخلاق البابوات وسيرتهم لكي يتضح للقارئ الكريم عدم انحيازنا لأي طرف وإنما كان انحيازنا للحقيقة وحدها .
لعلنا لا نغالي إذا قلنا أن أسرار الفاتيكان ، وبالخصوص أسرار السيرّ الخاصة للبابوات جرى التكتم عليها بشدة واحاطها الكاثوليك بسياج من السرية التامة . حيث أن هذه الأسرار لو تسربت لحلت الكارثة على رؤوس البابوات ولانهارت الكنيسة برمتها على رؤوس النصارى .
ولعل الذي حدث في السنوات الأخيرة من فضائح ومخازي اغتصاب الأطفال في الكنائس يعكس لنا الصورة البشعة لرجال الدين المسيحي ومن أكبر رأس فيها. ولعل الذي خفي كان اعظم وامر .
يفتتح كتاب : تاريخ الباباوات من نهاية القرون الوسطى مقدمته بهذا العبارة : من وجهة نظر االكاثوليكية ، ما من كلمات قاسية كفاية لإدانة البابا ألكسندر السادس. لا يمكن البتة تبرير حياته الخاصة . علينا أن نقرّ أن ولاية البابا الكسندر السادس هي عار على الكنيسة . ومع أن معاصري عائلة بورجيا اعتادوا أعمالا مماثلة من بابوات سابقين، فقد انتابهم الذعر لدى رؤيتهم جرائمهما التي بقيت اصداؤها تتردد أكثر من أربعة قرون . (كتاب الكنيسة وعصر النهضة الفترة من 1494ـ1517) ولم يكن هذان الكتابان هما الوحيدان اللذان سربا تلك المعلومات المريعة عن حياة البابوات الخاصة وانهماكهم في الملذات وانغماسهم في الفجور وبيعهم وشرائهم للمناصب البابوية وغيرها بل أن ما شاع عن فجور هؤلاء دفع الكثيرين بأن يعرضوا كل ذلك في معارض خاصة يُبينوا فيها للناس تلك الممارسات المخزية ويتركوا الحكم للناس.
فقد أقيم في روما في عقر دار البابوية معرض تشرين الأول أكتوبر عام 2003 وحتى شباط فبراير من عام 2003 . والذي كان عنوانه : عائلة بورجيا فن السلطة . وقد بين هذا المعرض تلك الامتيازات الأسطورية التي حظي بها البابوات على مر التاريخ . وقد ركز المعرض بالخصوص على حياة البابا الكسندر السادس (رودريغو بورجيا)والذي كان زعيم الكرسي البابوي من سنة 1492 وحتى سنة 1503.
تسلق رودريغو المناصب الكنيسة بسرعة كبيرة بمساعدة خاله الفونسو دي بروجيا الذي كان يشغل منصب اسقفية فلنسيا في أسبانيا . حيث قرر الخال أن يمنح ابن اخته منصب كنيسة تدر عليه المال فعينه وهو في عمر (18)عاما ثم انتقل رودريغو إلى روما مع خاله الذي أصبح كردينالا في روما ، وعندما أصبح خاله الفونسو البابا كاليكستس الثالث ، قام برسم أبن اخته رودريغو كردينالا . ولكن الخال لم يرضى لابن اخته هذا المنصب ، فسرعان ما نصبّه نائب رئيس الإدارة البابوية . فشغل رودريغو هذا المنصب مع الكثير من البابوات بعد رحيل خاله، مما أتاح له تبوؤ مناصب كنسية رفيعة ، وتكديس ثروة طائلة ، وممارسة نفوذ كبير والعيش حياة أمير مترف وخلال هذه المدة استطاع رودريغو شرائ ذمم الكثير من رجال الدين ذوي التأثير على القرارات المهمة والحاسمة في الكنيسة الكاثوليكية معقل البابوية .
منذ زمن مبكر أقام رودريغو علاقات فاسدة جدا مع نساء كثيرات مخالفا بذلك تعاليم دينه . فكانت ثمرة هذه العلاقات المحرمة أربعة أولاد من عشيقته الأولى اضافة إلى أولاد لا يُحصى عددهم من بغايا أخريات .
انتبه البابا بيوس الثاني إلى أفعال رودريغو هذا فعنفه بشدة وأنبّه بقساوة بالغة حتى أنه هدده بالطرد . فقد كان البابا بيوس منغمسا أيضا بالرذائل ولكنه كان يكره منافسيه ولما كان رودريغو في منصب خطير وكبير وكانت تحت يده كل اسرار البابوات فقد خشي منه البابا بيوس ولذلك قام بتأنيبه وتحجيم دوره . ولكن البابا بيوس مات في ضروف غامضة . ثم خلفه البابا إينوسنت الثامن عام 1492ولكن هذا البابا مات في زمن قصير وبصورة مريبة أيضا. فاجتمع كرادلة الكنيسة لانتخاب خلف له . فتحرك رودريغو بسرعة كبيرة لشراء بقية الضمائر فاشترى بعروضه المغرية ضمائر كل الكرادلة . فخرج أسمه من غرفة الكرادلة المغلق ليكون البابا : الكسندر السادس .
لقد استخدم رودريغو من أجل الوصول إلى كرسي الزعامة الدينية للعالم المسيحي كل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق هذا الهدف لقد كان انانيا بشكل مفرط لم يعدم وسيلة من أجل ذلك . استخدم السم والتآمر والنفاق والرشوة وأخيرا وصل إلى مبتغاه ولكن كيف كان ذلك ؟
لقد قدم رودريغو الكثير من الرشاوى مستعينا بالمال الذي جمعه طيلة هذه السنين فقد أوعد الكرادلة الذين يُرشحون خليفة البابا ،بمناصب تدر عليهم مالا وفيرا في حال انتخابه، وقدم لآخرين قصورا فخمة ، قلاعا منيفة ، مدنا كاملة ، أديرة ، وأسقفيات وكل ذلك يعود عليهم بمبالغ طائلة جدا . ومن هنا نفهم لماذا وصف أحد المؤرخين ولاية البابا الكسندر السادس (رودريغو) بأنها : وصمة عار وخزيا لايزول وفضيحة بالنسبة إلى الكنيسة الرومانية .
يقول كتاب : كتاب الكنيسة وعصر النهضة الفترة من 1494ـ1517. أدار الكسندر السادس شؤون مملكته كأي ملك آخر من ملوك عصر النهضة , وعلى غرار الفترات التي حكم فيها البابوات الذين سبقوه أو خلفوه ، كانت ولايته موسومة بالرشوة ومحاباة الأقرباء وبعدد كبير من الوفيات المريبة .
الكسندر السادس هذا هو الذي استغل نفوذه الكبير ومنصبه الخطير ليسوّي الخلاف القائم بين اسبانيا والبرتغال حول اقتسام المناطق المكتشفة حديثا في الأمريكيتين على أن تكون له حصة لا يستهان بها من هذه المناطق. يضاف إلى ذلك فإن البابا هذا وبفضل سلطته الدنيوية أصبح حاكم الولايات البابوية التي تضم أراضي شاسعة في وسط إيطاليا فتنعم بنعيم دنيوي لم يحلم به أكبر امبراطور في التاريخ .
لقد تمادى البابا الكسندر السادس كثيرا مستغلا السلطة العليا للكنيسة حيث استخدم هذا النفوذ في اضرام نار الحرب بين المتنافسين للحصول على المقاطعات الإيطالية ثم استخدم سلطته ومناوراته السياسية من أجل تقوية مركزه الديني والدينوي على حساب الطرفين المتقاتلين ثم عمد إلى تحسين حياة اقربائه بشكل فاق حتى حياة الدوقات والبارونات في ذلك الوقت وجعل عائلة بورجيا (عائلته)تتساما وترتفع فوق كل عائلة . فعين ولده خوان ، الذي تزوج قريبة ملك قشتالة , دوق غانديا في اسبانيا . كما تزوج ابنه الثاني جيوفري ، بحفيدة ملك نابولي. فبسط البابا كلتا يديه يمينا وشمالا .
أنانية هذا البابا دفعته إلى أن يفسخ خطبة ابنته (لوكريزيا)البالغة من العمر 13 عاما والتي كانت مخطوبة من نبيل من ارغون . وزوجها بأحد أقرباء دوق ميلانو كل ذلك لأن البابا احتاج إلى حليف ليوطد علاقته بفرنسا . ولكن عندما لم يعد هذا الزواج مناسبا سياسيا ، اختلق حجة لإبطال الزواج ضاربا بعرض الحائط كل تعاليم الكنيسة في حرمة الطلاق . ثم تزوجت لوكريزيا شخصا من عائلة منافسة هو الفونسو دوق ارغون .
أما (سيزار) ابن البابا أخو لوكريزيا والذي كان يُلقب بـ (المطوح المتحجر القلب)فقد عقد تحالفا مع ملك فرنسا لويس الثاني عشر. ولكن زواج أخته من دوق أرغون شكل عقبة واحراجا له ، لكون ملك فرنسا لويس في حرب مع دوق أرغون . فماذا فعل سيزار بزوج أخته الفونسو ؟ لقد ارسل عليه أربعة من القتلة طعنوه على مدرجات الفاتيكان تحت قبة بازيليك القديس بطرس ، ولكنه أفلت من الموت بأعجوبة ، ولكن بينما هو يتعافى في مشفى الفاتيكان خنقه أحد خدم سيزار.
وأما البابا الكسندر فقد كان يسعى إلى أكتساب حلفاء جدد، فدبر زواجا ثالثا لابنته الأرملة وهي في عمر 21 عاما فزوجها ابن دون فيرارا صاحب النفوذ الواسع .
سيزار ابن البابا الكسندر السادس وصفته كل المراجع التي كتبت عنه بأنه إنسان وصولي حياته ملطخة بالدم . ومع أن والده عينه كردينالا في الـ 17 من عمره إلا أنه كان رجل حرب وقتل ومكائد أكثر منه رجل دين . فقد كان إنسانا داهية ، طموحا ، وفاسدا ، كان منحطا انحطاطا لم تبلغه سوى قلة في زمنه. ولكن سيزار هذا رأى أن منصب الكرديناليه يمنعه من طموحاته فإما أن يحل محل أبيه البابا الكسندر السادس أو يستقيل من منصب الكاردينالية لكي ينطلق نحو الشهرة وفعلا استقال من الكردينالية وتزوج بأميرة فرنسية وبزواجه هذا أصبح دوق فلنتينوا. واستغل منصبه هذا مستعينا بدعم من القوات الفرنسية فشن هجوما كاسحا ليُخضع شمال إيطاليا لنفوذه .
أما البابا نفسه ومن أجل أن يضمن دعم القوات الفرنسية لطموحات ابنه فقد ضحى بسمعته البابوية ناقضا كل قرارات الفاتيكان التي تحرم الطلاق فدبر من أجل ذلك طلاقا لملك فرنسا لويس الثاني عشر ، لكي يتزوج من (آن )البريتانية ومن ثم يضم دوقيتها إلى فرنسا فكتب عنه المؤرخون : ضحى البابا بهيبته الكنسية وبصرامة المبادئ للحصول على امتيازات دنيوية لأفراد عائلته لقد كان شعار البابا : (أن الذهب يبقى ذهبا حتى لو أخذ من أيد فاسدة ).
أن التجاوزات التي ارتكبها البابا وأفراد عائلته حرضت الناس ضدهم وأثارت الانتقادات والثورات ولكن البابا تغاضى عنها كلها ولكنه صُدم بصخرة قاسية لا يمكنه التغاضي عنها ذلك هو الراهب : (جيرولامو سافونارولا) الذي كان خطيبا لامعا وراهبا دومينيكانيا بارزا جرئيا يضاف إلى ذلك فقد كان قائدا سياسيا محنكا في فرنسا لقد أدان هذا الراهب كل رذائل البابا وأفراد أسرته فطالب بخلع البابا وإجراء اصلاح كنسي. ثم صرخ وسط محافل فرنسا : هؤلاء القادة لهم وجوه البغايا ، شهرتهم تسيء إلى الكنيسة أقول لكم هؤلاء لا يتحلون بالإيمان المسيحي اخلعوهم .
دوّت هذه الكلمات في أذن البابا فحاول شراء صمت الراهب سافونارولا ، حيث تعود البابا على شراء الضمائر . فعرض البابا على الراهب أن يمنحه منصب كردينالا لكن هذا الراهب رفض بشدة أن يرتشي . فلجأ البابا إلى طريقته المعهودة في اسكات خصومه ، فحرّمه أولا كنسيا ثم سلط عليه ثانيا ابنه سيزار الذي أوقفه وعذبه تعذيبا مروعا فانتزع منه اعترافا بزيغانه عن الكنيسة ثم شنقه وأحرقه بالنار.
هذه هي الكنيسة التي أسسها السيد المسيح ، وهذه هي الصخرة التي بنى عليها كنيسته ، وهذه هي مفاتيح ملكوت السماوات التي أعطاها لبطرس ليسلمها بدوره إلى من يخلفونه من بابوات . فما يربطه هؤلاء البابوات على الأرض يجده المسيح عنده مربوطا في السماء . ولا ندري هل وجد السيد المسيح أعمال البابوات هذه التي تقشعر منها الجلود وتجعل الولدان شيبا هل وجدها مربوطة عنده في السماء أم لا ؟
نحن لا نُعيب على السيد المسيح ذلك حاشا لنا أن نقول بذلك لأن السيد المسيح انقى من أن تدنسه أفعال هؤلاء المجرمين ولكننا نعلم علم اليقين بأن كل أفعال هؤلاء البابوات الفسدة إنما استمدت مقوماتها من كنيسة بولص التي أسسها هو لاغيا كنيسة المسيح . بولص هذا الذي كان محاربا خبيثا لكنيسة المسيح فلم يغفل يوحنا أعماله هذه فدونها في أعمال الرسل واصفا بولص بأوصاف قطاع الطرق المجرمين فقال : (( وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن )) سفر أعمال الرسل الإصحاح 8 : 1.
بولص هذا الذي يعرفه علماء النصارى بأنه المأبون من الدرجة الأولى والذي لم يستطع أن يُغطي انحرافه هذا والذي كان مشهورا به فدونه في إنجيله معترفا بحقيقة نفسه التي بقيت منحرفة حتى الممات فقال : ((لست أفعل الصلاح الذي أريد ، بل الردئ الذي لا أريده فإياه أمارس)). لاحظ رسالته روما الإصحاح 7 : 19.
ثم يستمر بولص في شرح انحرافه فيقول : ((اني أسر بشريعة الله بحسب الإنسان الداخلي ، ولكنني أرى شريعة أخرى في أعضائي تحارب شريعة عقلي وتسوقني أسيرا لشريعة الخطية الكائنة في أعضائي . يالي من إنسان بائس! من يُنجيني من الجسد الذي يُكابد هذا الموت)) راجع رسالته إلى روما الإصحاح 7 : 22 ـ 24.
فلا عجب إذن أن يتسمى أغلب البابوات بإسم بولص تيمنا به لكونه أول من اضطهد كنيسة الله وأعترف بذلك في رسالته التي دونها ضمن إنجيله الخامس فقال : ((أني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها )) أنظر رسالته إلى غلاطية الإصحاح 1 :13.
أليس من الغريب أن تتسمى نسبة كبيرة من البابوات بإسم بولص اليهودي المارق ، ولا أحد منهم يطلق على نفسه إسم بطرس الذي يزعمون أن المسيح اختاره لكي يؤسس كنيسة الله ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق