تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

السبت، سبتمبر 03، 2011

الملحد في واقعنا الحالي

الكاتب : درهم الديناري

كثيرًا ما تطرأ كلمة للشيخ جعفر الإبراهيمي على بالي و هي : أننا أمة "نـُخبها" فاشلون حتى باستيراد المفاهيم و العلوم ، الواقع يؤيد هذا القول من خلال متابعة ما يتم بثه و كتابته في مختلف العلوم و الفلسفات ، في الآونة الأخيرة شدتني رؤية الموجة الإلحادية التي تطل برأسها على الإنترنت متوهمة أنها تقدم رؤية جديدة وفق فلسفات غربية رزينة في مسألة الإلهيات و وجود الخالق التي أصبحت اليوم بحسب تعبيري المتسامح به من قبلي " منتهية " ، العلامة سيد كمال الحيدري على سبيل المثال و هو أحد كبار الفلاسفة الإسلاميين في العصر الحديث اعتبر أن الإنطلاق في كتابه (التوحيدمن إثبات وجود الله خطأ ، فهذا أصل فطري لا يناقش به أحد إنما تكمن المشكلة في تأسيس الإيمان بالخالق على قواعد معرفية صحيحة و هذا هو الهدف من فلسفة الإلهيات ، مورد النزاع الذي لم يتطور ملاحدة الشرق الاوسط لاستيعابه حتى الآن. 

.
لذلك عندما رأيت الملحدين الجدد و طريقة نقاشهم و تعبيرهم عن أنفسهم في مجتمعنا و في الانترنت و غيره انتابتني موجة من الضحك و أنا أستذكر تلك المقولة التي صدَّرتُ بها الموضوع ، لأنهم حتى في مفاهيم إلحادهم تاهوا و ضاعوا و أنا على ثقة بانه لو قرا احد الغربيين المطلعين على كتاباتهم لضحك أيضًا على مدى التفاهة الفكرية التي يقدمونها و يصورون بها مفهوم كالإلحاد .
.
هناك شيئان في العصر الحالي لادينية و إلحاد ، منكرة للدين و منكرة للخالق ، لاحظ أن الإنكار هو بمعنى النفي الجازم و ليس بمعنى ' التردد ' في وجوده ، و القول بإنكار الخالق أي بمعنى نفي وجوده هو مضحك بحد ذاته و لا أعتقد أن هناك صاحب عقل يقول به ، نعم بالإمكان انكاره من قبل شخص إذا كان يجادل في 'هيئة الخالق بالرأي الآخر ، مثل انكار المسلمين لمفهوم الخالق عند المسيحين (الثلاثة واحد ، و الواحد ثلاثة) ، و هذا لا يعني انكار الله سبحانه و تعالى الواحد القهار .
.
ملاحدتنا الأعزاء لأسباب نفسية بحتة انكروا كل شيء و خلطوا عباس بدرباس في مسألة الدين و الخالق ، حين يناقش الغربيون مفهوم اللادينية أو الإلحاد فهم يناقشون قضيتين منفصلتين الاولى هي قضية الله سبحانه و تعالى كخالق بغض النظر عن صفاته والثانية قضية الشريعة أو الدين ، انتقادهم للدين هو نقد لتلك الشرائع و المفاهيم المقدسة التي يرون فيها فيها تناقضًا مع وجود الخالق العادل سبحانه ، سواء اتفقنا مع نتائجهم او اختلفنا معها فإن مهنية ' النقاش ' الدائر حول هذه المسألة إلتزم بإطارات علمية بحتة و فصّل القضايا بحيث لا تختلط فيما بينها ، لأن الهدف منها هو مناقشة الوجود و أسبابه و غايته و هذا كله مترتب على مسألة وجود الخالق سبحانه ، و هذا هو المفقود عند الملاحدة العرب أو الشرقيين بصفة عامة ، الحوار الدائر هناك ليس اعتراضًا على وجود الخالق بل على الأحكام المنسوبة له ، بينما الدائر عندنا هو كتابة فصول كوميدية في نقد الروايات و النظرات الدينية لبعض المسائل .
.
الذين عندنا يريدون إنكار الخالق سبحانه لأنهم لا يريدون أن يتصوروا حدودًا لمتعهم الحسية في الأرض ، و لا وجوبًا للإلتزام بالفضائل ، و لا حسابًا يسيرًا كان أو عسيرًا ، هو نوع من الهروب عن القيود التي تصوروا أن الدين يفرضها ، و نوع من الهروب للأمام من عجزهم عن هضم الشرائع الدينية ، و تنصلاً من الأدوار المرتبطة بهم وفق هذه الشرائع ، هي عدم رغبة بإلإلتزام بالدين و لكن يغطونها تحت أطنان من المساحيق التجميلية كالتي يكتبونها لتبرير عدم إلتزامهم ، و لكنهم اخطؤوا الطريق كالعادة لانهمفشلوا في " الاستعارة الناجحة " من المفاهيم الغربية ، و أصبحوا عارًا عليها.
.
تخيّـل أن هناك شجرة تفاح في مزرعة ما ، انت جالس بالقرية و لم تشاهدها أو تقرب بيوم من الأيام منها رغم أنك تعيش بمحيط يملك العناصر المناسبة لنمو تلك الشجرة ، و في مجلسك ياتي زائر يدعي أن طعم التفاح في تلك الشجرة لا يماثله أي طعم آخر و أنه هو الوحيد الذي يدل الطريق لها ، عقلانيًا لا يوجد ما يمنع وجودها لكن من في مجلسك انقسموا ثلاثة أقسام : أحدهم ركز همه بنفي وجود الشجرة بحجة أن هذا الدليل [الرجل] كاذب ، و أحدهم ركز على نفيها بحجة أن هذه الشجرة لم يرها أحد و لا يظن بانها ملكت أسباب النمو و العناية بها ، بينما القسم الثالث فضل اتباع الرجل بعد الإقتناع بعدم وجود المانع من وجود الشجرة و سار مع الرجل على الدرب. 
.
رغم أن هذا المثال هو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس و لا يخلو من اشكال بحد ذاته ، إلا أنه يفيد في تقريب الصورة للذهن ، هؤلاء الملاحدة يريدون نفي الإلوهية من خلال مهاجمتهم للديـن ، بينما الدين ليس سوى طريق يدل الإنسان على منهج (المعرفة)بهذا الإله لا أكثر كمن حاول نفي وجود الشجرة بناءً على تكذيب الرجل ، و هو الخطا المنهجي الذي وقعوا به و هو انهم ركزوا هجومهم المضحك و السخيف على الإسلام بحجة أن مهاجمة الإسلام و نفيه هو نفي للخالق بالتبعية ، و لكن فاتهم أنه لا يوجد تلازم بين الإثنين فمهاجمة المسيحيين أو اليهود أو الزرادشت للإسلام لم ينف عندهم الخالق و وجوده ، و لا نفى رسالة الخلق و الغاية منه ، جلَّ ما نفاه هو طريق مؤدي إليه سبحانه. 
.
أعتقد أنهم يعيشون بين نار عقدهم الذاتية من الإسلام و ما بين مقارناتهم المضحكة لانظمة الحياة الغربية مع الإسلام و منها يتوصلون إلى الرابط العجيب في نفي الإلوهية و اعتبارها سبب دمار الامة ، و الحال أن مشاكلهم و انتقاداتهم للإسلام هي أيضًا ليست انتقادات قائمة على (المقصدمن الدين ، مفهوم الدين الواسع هو مرحلة متطورة لم يتوصلوا إليها حتى الآن لذلك ترتكز انتقاداتهم أو بالاحرى انزعاجاتهم من الدين في باب المجالات السياسية و الإجتماعية ، يعتقدون ان الدين هو نظرية سياسية / اجتماعية ، و يحاولون نقضه من خلال النظريات الغربية في هذا الباب ، و لكن الدين في حقيقته لا يقتصر على هذين المجالين المرتبطين بـمسألة 'عقلانية الدينفقط. 
.
متابعة بسيطة لمدوناتهم و أطروحاتهم و ما يكتبونه ينبئ عن شخصيات متوترة حائرة لا تعرف هي ماذا تريد ، هي تائهة ما بين ما يقدمه الغرب الملحد و الغرب اللاهوتي و ما بين ما يقدمه الإسلام ، استعارتهم لمبادئ الغرب في الموضوعَيْن و محاولة إلباسهما على الشرق دليل على عدم إطلاعهم و وقوفهم على الفارق بين فلسفة الدين في الغرب و فلسفته في الإسلام ، تركيزهم الإنتقادي على الفلسفات الإجتماعية و السياسية و علاقتها بالدين و محاولة الوصول من خلالها إلى نفي الخالق هو كمن يحاول نفي وجود الشمس لأن هناك كهف في الهمالايا لا تدخله أشعتها !
.
أنا في الحقيقة أستغرب من هؤلاء الذين يعدون أنفسهم ملحدين و يقدمون و يدعون صورة الإلحاد و هم يقعون بمثل هذه الإشكاليات التي تهدم أركان ما يدعون إليه ، مجرد استهزائهم بالدين و اعتبارهم له عدوًا في كل شيء هو استصغار لعقول البشرية جمعاء و إساءة للملحدين الغربيين قبل كل شيء ، و عدم تفريقهم ما بين الخالق و الشريعة و ما بين الدين و الفلسفات الإجتماعية و السياسية هي كلها هفوات لا تغتفر ذكرتني بكلمة لطيفة لـ جورج سميث و وجدتها و أنا ابحث في تعريف بعض موارد الإلحاد في ويكيبيديا و هي : الملحد الحقيقي يجب أن يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية و البحث العلمي وليس التشكيك أو مهاجمة او إظهار عدم الإحترام للدين . 
.
ما عندنا ليسوا ملحدين حقيقيين ، يمكن ان أقول أنهم زائفـون بكل ثقة ، هم مجرد أصحاب مواقف مسبقة و مضحكة من الدين و الخالق سبحانه ، يبررونها بتفاهات خلطت بين كل شيء يحسبها الظمآن ماءً و هي سراب .

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق