بقلم مصطفى الهادي
كما هو معروف فإن الأعياد هي التي يأمر بها النبي أو المصلح الذي يؤسس لحدث ما أو يأتيه وحيٌ بذلك وأما الأعياد المقتبسة من عادات وتقاليد الأمم الأخرى فليس فيها إبداع أو تشريع إنما هو نسخٌ من شيء قائم موجود لا يُعرف أصله وعلى الغالب يكون من صنع البشر لأهداف نفعية مادية صرفه والتي يحرص رجال الدين الجشعين على جعلها مقدسة من خلال خلق هيبة لها عن طريق الارتباط بالحاكم الذي غالبا ما يكون هو أيضا بحاجة إلى هؤلاء رجال الدين لتعزيز موقفه فتشترك المصالح بينهما ومن هذا الخليط تنتج هيبة قوامها القهر والإذلال والتسلط على الناس فيجبر الناس على الفرح أو الحزن وبمرور الأيام يأتي جيل جاهل بأصل تشريع هذه المناسبة فتتأصل لديه وبمرور الأجيال تترسخ قدسيتها وتصبح جزءا من التاريخ. ولكن في الغالب أن بعض هذه الأعياد أو المناسبات تنبع من جذور توحيدية ولكنها لسبب ما حُرفت أو أدمجت مع ما عند الناس فتشوه شكلها وتغير منهجها لتصبح على ما هي عليه اليوم ، ولربما نكون قد بينا السبب في انقلاب الوضعي إلى المقدس في ثنايا هذا البحث .
حاول المسلمون حالهم حال الأمم السابقة أن يتبنوا بعض أعياد الأمم المجاورة أو الاحتفال مع من يعيشون معهم من أهل الديانات الأخرى ، ولكن النبي (ص) الذي كان موجودا حارسا للتشريع منعهم من ذلك كما في الرواية التالية .
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.
ولكن بالنسبة للديانة المسيحية ـ موضوع البحث ـ إن عيسى عليه السلام لم يفسح اليهود له المجال لكي يُرسخ بشكل قوي ما جاء به من تشريع حيث أن مدة تبليغه للرسالة لم يتجاوز الثلاث سنوات ونصف كما ينص الإنجيل على ذلك ( 1) ولذلك نرى هذا التخبط في مسألة الشعائر المتعلقة بالديانة المسيحية ، فالمسلمون على اختلافهم لا يوجد عندهم اختلاف على اتجاه القبلة أو القرآن أو التوحيد أو الأعياد وهكذا كل المناسبات الإسلامية الكبرى ، ولكن عندما تصل القضية إلى اليهود والنصارى فإن الاختلاف يبدو واضحا لدى كل طائفة من الطوائف الأخرى حول القبلة حو الكتاب حول الأعياد حول شكل الصلاة وهكذا .
وأما بالنسبة لأكبر أعياد الأمة النصرانية عيد ميلاد المسيح فإن كل الدلائل تشير إلى أنه مقتبس من الأمم الوثنية طمعا بدخولها في المسيحية ومن هنا تبنت الكنيسة تلك الأعياد لهذا السبب .
الكتاب المقدس لا يشير من قريب أو بعيد إلى مسألة اتخاذ يوم ميلاد المسيح عيدا . بل نرى الإنجيل يؤكد على مسألة موت السيد المسيح ويذكر بوضوح بأن السيد المسيح إنما أمر أتباعه أن يُقيموا الاحتفال بموته ، وليس بيوم ميلاده ، ولكن النصارى رأوا أن يوم قتل السيد المسيح لا يوفر لهم مناسبة فرح حيث يمارسون العربدة والرقص وشرب الخمور والتحلل وكل شيء وأن الأمم الوثنية التي اعتادت على ذلك في أعيادها لا تقبل أن تحتفل بيوم حزين . ولذلك اتخذوا من يوم ميلاد السيد المسيح عيدا يحتفلون به في رأس كل عام ، مع علمهم أن السيد المسيح لم يولد بهذا التاريخ من العام باتفاق جميع علماء الإنجيل، والإنجيل يؤكد ذلك أيضا ولكن الطمع في جذب الأمم الوثنية هو الذي دفعهم إلى ذلك ، ومن ثم أصبح هذا اليوم من ضمن الأيام المقدسة للنصارى بحيث تعذر الإصلاح والرجوع إلى التاريخ الصحيح .
المسيح يؤسس للحزن وليس للفرح .
ففي مساء 14 نيسان قمري من سنة 33 بعد الميلاد أسس السيد المسيح يوم الاحتفال بموته . ((حيث أخذ خبزا وكسّر وأعطى تلاميذه وقال خذوا كلوا هذا جسدي ثم أخذ الكأس ( 2) وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم . وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد ، ثم أمرهم بأن يصنعوا ذلك ثم أمرهم أن يحيوا ذلك لأهميته (3 ) ولكن مع ذلك فإن التحقيقات دلت على أن عيد الفصح أيضا هو عيد وثني أخذته الكنيسة من الأمم الوثنية . ففي الرجوع إلى أصل الكلمة (( إيستر)) فإن هذه الكلمة ليست موجودة في الكتاب المقدس . وكتاب (أعياد واحتفالات القرون الوسطى )) يقول : أن العيد سُمّي باسم الالاهة الوثنية (أوستر) آلهة الفجر والربيع . فقد كانت أوستر الإلاهة التي فتحت أبواب فالهالا لإستقبال بولدر. المدعو الإله الأبيض بسبب طهارته . وأيضا يُطلق على إله الشمس لأن جبهته زوّدت النور للجنس البشري ( 4) ويضيف الكتاب فيقول : لا شك في أن الكنيسة في أيامها الباكرة تبنّت العادات الوثنية القديمة وأعطتها معنى مسيحيا. وبما أن عيد أوستر كان احتفالا بتجدد الحياة في الربيع . أصبح من السهل جعله احتفالا بقيامة يسوع من الأموات .
ويقول كتاب عيد الفصح وعاداته : كان الصليب رمزا وثنيا قبل وقت طويل من اكتسابه معنى أبديا من حوادث الجمعة العظيمة الأولى ، وكان الخبز والكعك يوسمان أحيانا بعلامة صليب في أزمنة ما قبل المسيحية (5 )
لدى تفحص الكتاب المقدس لانجد في أيّ مكان منه ذكرا لهذه العادات , ولا يوجد أيّ دليل على أن تلاميذ السيد المسيح الأولين آمنوا بها أو عملوا بها . حيث أن تلاميذ السيد المسيح بقوا فترة طويلة بعده يدونون سيرته في هذا الكتب التي نقرأها اليوم فلا نرى ذكرا لها . ولكن لدى الرجوع إلى كتاب طرائف العادات الشعبية فإن هذا الكتاب يقول : السياسة الثابتة للكنيسة االباكرة أن تعطي معنى مسيحيا للمراسم الاحتفالية الوثنية الباقية التي لم يكن ممكنا استئصالها ، وفي حالة عيد الفصح كان التحويل سهلا على نحو مميز. فالفرح بشروق الشمس الطبيعية . وباستيقاظ الطبيعة من موت الشتاء ، صار فرحا بشروق شمس البر بقيامة المسيح من المدفن وبعض الاحتفالات الوثنية التي كانت تجري نحو الأول من أيار تغير تاريخها أيضا لتتلاءم مع الاحتفال بعيد الفصح ، وعوضا عن تجنب العادات الوثنية الشعبية والشعائر السحرية ، تغاضى القادة الدينيون عنها وأعطوها معنى مسيحيا (6 ). وفي تبرير مثير للشفقة برر مرشد ديني أسقفي عملية قيام الكنيسة بإدخال العادات الوثنية إلى صميم الديانة المسيحية قائلا : يختار العالم المسيحي ويُدخل في طقوسه الدينية الاحتفالات التقليدية التي يبدو أنها تحمل معنى المبادئ الأبدية نفسها التي علمتها الكنيسة (7 )
اعتراف خطير آخر مصدره دائرة المعارف البريطانية حيث تقول : ليس هنالك ما يدل على حفظ العيد الكبير في العهد الجديد، أو في كتابات الآباء الرسوليين ، وتقديس أوقات خصوصية كان فكره بعيدة عن أذهان المسيحيين الأولين . فلا الرب ولا رسله أمروا بحفظه أو حفظ أيّ احتفال أخر ( 8)
بعد معرفتك بكل ذلك فكم يؤلمك أن يتبنى العالم اٌلإسلامي تقليدا لا يمت له بصلة من قريب او بعيد ولربما كانت هذه التقاليد التي يتبناها البعض موضع اختلاف عند نفس الطوائف التي يؤمنون بها ويتبنونها ويحتفلون بها ، ففي كل عام تقدم لنا الإذاعات العربية والإسلامية ألوانا من البرامج بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح ، وتصرف الملايين من أجل إقامة هذه المهرجانات ، وإحياء تلك الحفلات ، مع علمهم بأن السيد المسيح لم يأمر بذلك ، بل أمر الاحتفال بموته وليس بمولده وأمرهم أن يُقيموا هذا الإحتفال لذكره (9 ).كما ستقرأ .
فمنذ ان رأت عيناي تلك الاحتفالات تقام من إذاعات وتلفزيونات إسلامية وعربية ـ لربما لا تحتفل بعيد ميلاد نبيها العظيم ـ وأنا في شغل دائم في التحقيق في أصل هذه الاحتفالات وكيفية نشأتها ومن أين أتت ، ولو كانت هذه الاحتفالات تقام في بلدان تدين بالمسيحية لقلنا أن هذا شأنهم وتلك أعيادهم ولهم كامل الحق في التصرف بالكيفية التي يشاءون والاحتفال بالطريقة التي يحبون ، ولكنك عندما ترى أنظمة لا تؤمن بعقيدة ما ولا تمت لها بصلة وليس لها معرفة بجزئيات تلك العقيدة ومنشأها وتاريخها ، ترى هذه الأنظمة تنفق الملايين من أموال الشعوب المغلوبة على أمرها والتي هي بأمس الحاجة إلى تلك الأموال ، تنفقها على تلك الاحتفالات لربما إرضاء لبعض الجهات ، والأعجب من ذلك أيضا هو سكوت علماء الأمة عن ذلك وكأن الأمر لا يعنيهم ، وكأن الدين انفصل عن الدولة فيكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر ! ولكنها دعوات قديمة حديثة وهي ليست بالشيء الجديد بل أنها إنما جاءت على يد تلاميذ الاستشراق وصنائعهم ممن قام الغرب المسيحي بالتركيز على أسمائهم وأكسبها شهرة ولمعانا ، ودفع بهم في خضم الثقافة والأدب ، فبرزت هذه الأسماء إلى الوجود حتى تصدرت وأصبحت قوة لها وزنها حيث تولت فيما بعد كبريات المناصب في الجامعات والأعمال الرسمية ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال : الدكتور زكي مبارك و طه حسين ، وتوفيق الحكيم ، ويعقوب صروف ، وفارس نمر ، والدكتور شبلي شميل ، وفرح أنطوان ، ولطفي السيد، وسعد زغلول وغيرهم . وقد روّج هؤلاء مقولة مفادها أن المسلمين إذا أرادوا أن يلحقوا بركب الحضارة الغربية ، فعليهم أن يتقبلوا الحضارة الغربية مع ثقافتها غير منفصلة عنها (( خيرها وشرها وحلوها ومرها )) .
هذه الحضارة التي يفرضها الغرب على العالم الإسلامي اليوم هي حضارة استعمارية قوامها إعطائه منتجاته المصنعة والحصول على خاماته بأبخس الأثمان ودون أن يعطيه مصادر الإنتاج ، وهو يقذف العالم الإسلامي بالجوانب الاستهلاكية التي تتصل بالأعياد والاحتفالات وبالترف والشهوات . من الأفلام الإباحية والعطور والخمور وأدوات التجميل والزينة وتطورات الأزياء والسيارات والقصص الخرافية والمذاهب الضالة للفكر . ولكنه يحول بيننا وبين الجوانب القوية الإيجابية في الحضارة ، كالصناعة والأسلحة والتكنولوجيا والأبحاث الذرية والعلمية ، وإذا ما حاولت دولة أن تحصل ولو على مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية لشعبها فسوف تتحرك كل وسائل الإعلام الغربية للوقوف بوجهها وتضعها في قائمة الدول الإرهابية . وكمثال على ذلك يتعرض المفكر (( أرنولد توينبي )) في سخرية بالغة بتركيا الحديثة حين ولت وجهها شطر الغرب ولم تأخذ منه إلا هذه القشور المدمرة لشخصيتها الإنسانية الماسخة لهويتها الإسلامية ، ويقول : إن تركيا قد تغربت منذ أكثر من أربعين عاما ولكنها لم تستطيع حتى اليوم أن تقدم للعلم الحديث أو الحضارة أي إضافة بسيطة ويعني هذا بالطبع أن الغرب لم يرد أن يجعل من تركيا دولة غربية فاعلة ولكنه أراد دولة ممسوخة نفضت عنها كل مقومات الفكر الإسلامي ، وأصبحت ذليلة على أبواب الاستجداء الأوربي ، وهذا هو الواقع الحي والنتيجة الطبيعية لاعتناق تركيا نظرية تقبل الحضارة ككل ، خيرها وشرها وحلوها ومرها . فهل يتعظ المسلمون ؟
كما هو معروف فإن الأعياد هي التي يأمر بها النبي أو المصلح الذي يؤسس لحدث ما أو يأتيه وحيٌ بذلك وأما الأعياد المقتبسة من عادات وتقاليد الأمم الأخرى فليس فيها إبداع أو تشريع إنما هو نسخٌ من شيء قائم موجود لا يُعرف أصله وعلى الغالب يكون من صنع البشر لأهداف نفعية مادية صرفه والتي يحرص رجال الدين الجشعين على جعلها مقدسة من خلال خلق هيبة لها عن طريق الارتباط بالحاكم الذي غالبا ما يكون هو أيضا بحاجة إلى هؤلاء رجال الدين لتعزيز موقفه فتشترك المصالح بينهما ومن هذا الخليط تنتج هيبة قوامها القهر والإذلال والتسلط على الناس فيجبر الناس على الفرح أو الحزن وبمرور الأيام يأتي جيل جاهل بأصل تشريع هذه المناسبة فتتأصل لديه وبمرور الأجيال تترسخ قدسيتها وتصبح جزءا من التاريخ. ولكن في الغالب أن بعض هذه الأعياد أو المناسبات تنبع من جذور توحيدية ولكنها لسبب ما حُرفت أو أدمجت مع ما عند الناس فتشوه شكلها وتغير منهجها لتصبح على ما هي عليه اليوم ، ولربما نكون قد بينا السبب في انقلاب الوضعي إلى المقدس في ثنايا هذا البحث .
حاول المسلمون حالهم حال الأمم السابقة أن يتبنوا بعض أعياد الأمم المجاورة أو الاحتفال مع من يعيشون معهم من أهل الديانات الأخرى ، ولكن النبي (ص) الذي كان موجودا حارسا للتشريع منعهم من ذلك كما في الرواية التالية .
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.
ولكن بالنسبة للديانة المسيحية ـ موضوع البحث ـ إن عيسى عليه السلام لم يفسح اليهود له المجال لكي يُرسخ بشكل قوي ما جاء به من تشريع حيث أن مدة تبليغه للرسالة لم يتجاوز الثلاث سنوات ونصف كما ينص الإنجيل على ذلك ( 1) ولذلك نرى هذا التخبط في مسألة الشعائر المتعلقة بالديانة المسيحية ، فالمسلمون على اختلافهم لا يوجد عندهم اختلاف على اتجاه القبلة أو القرآن أو التوحيد أو الأعياد وهكذا كل المناسبات الإسلامية الكبرى ، ولكن عندما تصل القضية إلى اليهود والنصارى فإن الاختلاف يبدو واضحا لدى كل طائفة من الطوائف الأخرى حول القبلة حو الكتاب حول الأعياد حول شكل الصلاة وهكذا .
وأما بالنسبة لأكبر أعياد الأمة النصرانية عيد ميلاد المسيح فإن كل الدلائل تشير إلى أنه مقتبس من الأمم الوثنية طمعا بدخولها في المسيحية ومن هنا تبنت الكنيسة تلك الأعياد لهذا السبب .
الكتاب المقدس لا يشير من قريب أو بعيد إلى مسألة اتخاذ يوم ميلاد المسيح عيدا . بل نرى الإنجيل يؤكد على مسألة موت السيد المسيح ويذكر بوضوح بأن السيد المسيح إنما أمر أتباعه أن يُقيموا الاحتفال بموته ، وليس بيوم ميلاده ، ولكن النصارى رأوا أن يوم قتل السيد المسيح لا يوفر لهم مناسبة فرح حيث يمارسون العربدة والرقص وشرب الخمور والتحلل وكل شيء وأن الأمم الوثنية التي اعتادت على ذلك في أعيادها لا تقبل أن تحتفل بيوم حزين . ولذلك اتخذوا من يوم ميلاد السيد المسيح عيدا يحتفلون به في رأس كل عام ، مع علمهم أن السيد المسيح لم يولد بهذا التاريخ من العام باتفاق جميع علماء الإنجيل، والإنجيل يؤكد ذلك أيضا ولكن الطمع في جذب الأمم الوثنية هو الذي دفعهم إلى ذلك ، ومن ثم أصبح هذا اليوم من ضمن الأيام المقدسة للنصارى بحيث تعذر الإصلاح والرجوع إلى التاريخ الصحيح .
المسيح يؤسس للحزن وليس للفرح .
ففي مساء 14 نيسان قمري من سنة 33 بعد الميلاد أسس السيد المسيح يوم الاحتفال بموته . ((حيث أخذ خبزا وكسّر وأعطى تلاميذه وقال خذوا كلوا هذا جسدي ثم أخذ الكأس ( 2) وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم . وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد ، ثم أمرهم بأن يصنعوا ذلك ثم أمرهم أن يحيوا ذلك لأهميته (3 ) ولكن مع ذلك فإن التحقيقات دلت على أن عيد الفصح أيضا هو عيد وثني أخذته الكنيسة من الأمم الوثنية . ففي الرجوع إلى أصل الكلمة (( إيستر)) فإن هذه الكلمة ليست موجودة في الكتاب المقدس . وكتاب (أعياد واحتفالات القرون الوسطى )) يقول : أن العيد سُمّي باسم الالاهة الوثنية (أوستر) آلهة الفجر والربيع . فقد كانت أوستر الإلاهة التي فتحت أبواب فالهالا لإستقبال بولدر. المدعو الإله الأبيض بسبب طهارته . وأيضا يُطلق على إله الشمس لأن جبهته زوّدت النور للجنس البشري ( 4) ويضيف الكتاب فيقول : لا شك في أن الكنيسة في أيامها الباكرة تبنّت العادات الوثنية القديمة وأعطتها معنى مسيحيا. وبما أن عيد أوستر كان احتفالا بتجدد الحياة في الربيع . أصبح من السهل جعله احتفالا بقيامة يسوع من الأموات .
ويقول كتاب عيد الفصح وعاداته : كان الصليب رمزا وثنيا قبل وقت طويل من اكتسابه معنى أبديا من حوادث الجمعة العظيمة الأولى ، وكان الخبز والكعك يوسمان أحيانا بعلامة صليب في أزمنة ما قبل المسيحية (5 )
لدى تفحص الكتاب المقدس لانجد في أيّ مكان منه ذكرا لهذه العادات , ولا يوجد أيّ دليل على أن تلاميذ السيد المسيح الأولين آمنوا بها أو عملوا بها . حيث أن تلاميذ السيد المسيح بقوا فترة طويلة بعده يدونون سيرته في هذا الكتب التي نقرأها اليوم فلا نرى ذكرا لها . ولكن لدى الرجوع إلى كتاب طرائف العادات الشعبية فإن هذا الكتاب يقول : السياسة الثابتة للكنيسة االباكرة أن تعطي معنى مسيحيا للمراسم الاحتفالية الوثنية الباقية التي لم يكن ممكنا استئصالها ، وفي حالة عيد الفصح كان التحويل سهلا على نحو مميز. فالفرح بشروق الشمس الطبيعية . وباستيقاظ الطبيعة من موت الشتاء ، صار فرحا بشروق شمس البر بقيامة المسيح من المدفن وبعض الاحتفالات الوثنية التي كانت تجري نحو الأول من أيار تغير تاريخها أيضا لتتلاءم مع الاحتفال بعيد الفصح ، وعوضا عن تجنب العادات الوثنية الشعبية والشعائر السحرية ، تغاضى القادة الدينيون عنها وأعطوها معنى مسيحيا (6 ). وفي تبرير مثير للشفقة برر مرشد ديني أسقفي عملية قيام الكنيسة بإدخال العادات الوثنية إلى صميم الديانة المسيحية قائلا : يختار العالم المسيحي ويُدخل في طقوسه الدينية الاحتفالات التقليدية التي يبدو أنها تحمل معنى المبادئ الأبدية نفسها التي علمتها الكنيسة (7 )
اعتراف خطير آخر مصدره دائرة المعارف البريطانية حيث تقول : ليس هنالك ما يدل على حفظ العيد الكبير في العهد الجديد، أو في كتابات الآباء الرسوليين ، وتقديس أوقات خصوصية كان فكره بعيدة عن أذهان المسيحيين الأولين . فلا الرب ولا رسله أمروا بحفظه أو حفظ أيّ احتفال أخر ( 8)
بعد معرفتك بكل ذلك فكم يؤلمك أن يتبنى العالم اٌلإسلامي تقليدا لا يمت له بصلة من قريب او بعيد ولربما كانت هذه التقاليد التي يتبناها البعض موضع اختلاف عند نفس الطوائف التي يؤمنون بها ويتبنونها ويحتفلون بها ، ففي كل عام تقدم لنا الإذاعات العربية والإسلامية ألوانا من البرامج بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح ، وتصرف الملايين من أجل إقامة هذه المهرجانات ، وإحياء تلك الحفلات ، مع علمهم بأن السيد المسيح لم يأمر بذلك ، بل أمر الاحتفال بموته وليس بمولده وأمرهم أن يُقيموا هذا الإحتفال لذكره (9 ).كما ستقرأ .
فمنذ ان رأت عيناي تلك الاحتفالات تقام من إذاعات وتلفزيونات إسلامية وعربية ـ لربما لا تحتفل بعيد ميلاد نبيها العظيم ـ وأنا في شغل دائم في التحقيق في أصل هذه الاحتفالات وكيفية نشأتها ومن أين أتت ، ولو كانت هذه الاحتفالات تقام في بلدان تدين بالمسيحية لقلنا أن هذا شأنهم وتلك أعيادهم ولهم كامل الحق في التصرف بالكيفية التي يشاءون والاحتفال بالطريقة التي يحبون ، ولكنك عندما ترى أنظمة لا تؤمن بعقيدة ما ولا تمت لها بصلة وليس لها معرفة بجزئيات تلك العقيدة ومنشأها وتاريخها ، ترى هذه الأنظمة تنفق الملايين من أموال الشعوب المغلوبة على أمرها والتي هي بأمس الحاجة إلى تلك الأموال ، تنفقها على تلك الاحتفالات لربما إرضاء لبعض الجهات ، والأعجب من ذلك أيضا هو سكوت علماء الأمة عن ذلك وكأن الأمر لا يعنيهم ، وكأن الدين انفصل عن الدولة فيكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر ! ولكنها دعوات قديمة حديثة وهي ليست بالشيء الجديد بل أنها إنما جاءت على يد تلاميذ الاستشراق وصنائعهم ممن قام الغرب المسيحي بالتركيز على أسمائهم وأكسبها شهرة ولمعانا ، ودفع بهم في خضم الثقافة والأدب ، فبرزت هذه الأسماء إلى الوجود حتى تصدرت وأصبحت قوة لها وزنها حيث تولت فيما بعد كبريات المناصب في الجامعات والأعمال الرسمية ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال : الدكتور زكي مبارك و طه حسين ، وتوفيق الحكيم ، ويعقوب صروف ، وفارس نمر ، والدكتور شبلي شميل ، وفرح أنطوان ، ولطفي السيد، وسعد زغلول وغيرهم . وقد روّج هؤلاء مقولة مفادها أن المسلمين إذا أرادوا أن يلحقوا بركب الحضارة الغربية ، فعليهم أن يتقبلوا الحضارة الغربية مع ثقافتها غير منفصلة عنها (( خيرها وشرها وحلوها ومرها )) .
هذه الحضارة التي يفرضها الغرب على العالم الإسلامي اليوم هي حضارة استعمارية قوامها إعطائه منتجاته المصنعة والحصول على خاماته بأبخس الأثمان ودون أن يعطيه مصادر الإنتاج ، وهو يقذف العالم الإسلامي بالجوانب الاستهلاكية التي تتصل بالأعياد والاحتفالات وبالترف والشهوات . من الأفلام الإباحية والعطور والخمور وأدوات التجميل والزينة وتطورات الأزياء والسيارات والقصص الخرافية والمذاهب الضالة للفكر . ولكنه يحول بيننا وبين الجوانب القوية الإيجابية في الحضارة ، كالصناعة والأسلحة والتكنولوجيا والأبحاث الذرية والعلمية ، وإذا ما حاولت دولة أن تحصل ولو على مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية لشعبها فسوف تتحرك كل وسائل الإعلام الغربية للوقوف بوجهها وتضعها في قائمة الدول الإرهابية . وكمثال على ذلك يتعرض المفكر (( أرنولد توينبي )) في سخرية بالغة بتركيا الحديثة حين ولت وجهها شطر الغرب ولم تأخذ منه إلا هذه القشور المدمرة لشخصيتها الإنسانية الماسخة لهويتها الإسلامية ، ويقول : إن تركيا قد تغربت منذ أكثر من أربعين عاما ولكنها لم تستطيع حتى اليوم أن تقدم للعلم الحديث أو الحضارة أي إضافة بسيطة ويعني هذا بالطبع أن الغرب لم يرد أن يجعل من تركيا دولة غربية فاعلة ولكنه أراد دولة ممسوخة نفضت عنها كل مقومات الفكر الإسلامي ، وأصبحت ذليلة على أبواب الاستجداء الأوربي ، وهذا هو الواقع الحي والنتيجة الطبيعية لاعتناق تركيا نظرية تقبل الحضارة ككل ، خيرها وشرها وحلوها ومرها . فهل يتعظ المسلمون ؟
الهامش
1- إنجيل متى ، الإصحاحين 26 و 27 قال بأن المسيح قتل وهو عمر ثلاث وثلاثون عاما ونصف ، وإنجيل لوقا قال بأن المسيح كان بعمر ثلاثين عاما عندما اعتمد وباشر نبوته فيكون عمر رسالة عيسى من يوم بُعث إلى يوم قتله ثلاث سنوات ونصف .
2 - الملاحظ هنا أن الإنجيل لم يذكر ماذا كان في الكأس ! فقط ذكر بأن المسيح أخذ الكأس وأعطاهم . ولكن النصارى يضعون خمرا في الكأس ويشربون ويكون لونه أحمر حيث يرمزون به إلى دم المسيح .
3- إنجيل لوقا 22:19.
4- كتاب الأعياد الأمريكية الطبعة الأولى بروكلين 1972ص 121.
5- كتاب عيد الفصح وعاداته كرستينا هول ص 34 ، طبعة سنة 1984.
6- كتاب طرائف العادات الشعبية ، الطبعة الأولى سنة 1967 ص 98.
7 - ألن . و / واتس ، كتاب عيد الفصح الطبعة الثالثة سنة 1981.
8 - دائرة المعارف البريطانية الطبعة الجديدة مادة فصح .
9- إنجيل لوقا ، الإصحاح 22 : 19 . حيث قال لهم : اصنعوا هذا لذكري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق