تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، سبتمبر 11، 2011

احمد القبانجي ومذهب الصرفة . بقلم ابن الرافدين 14




قال سيد احمد القبانجي في ص 61 من سر الإعجاز(...هذا وقد تصدى غير واحد من العلماء والمفسرين إلى دحض هذه المقولة واثبات أن القرآن معجز من حيث الفصاحة والبلاغة لا من حيث القول بالصرفة، ولكنك سترى أن اجوبتهم وردودهم لا تقوم على شيء من البرهان العقلي والمنطقي، ولم يأتوا بحجة مقنعة لابطال مذهب الصرفة المذكور.
 
ونبدأ في استعراض ما ذكر لابطال الصرفة بما قرره الشيخ السبحاني في «الالهيات» في هذا المجال حيث قال: 
«والحق أنّها (نظرية الصرفة) ليست بنظرية قيّمة قابلة للاعتماد، وقد اورد عليها وجوه من النقاش والاشكال نكتفي بذكر ثلاثة منها: 
الاول: ان المتبادر من آيات التحدّي ان القرآن في ذاته متعال، حائز أرقى الميزات وكمال المعجزات حتى يصح ان يقال في حقه بانه لو اجتمع الجن والانس الخ، وإلى هذا الوجه يشير الخطابي بقوله: «ان قوله سبحانه: «قل لئن اجتمعت الانس والجن» الآية: يشهد بخلاف هذه النظرية، لانها تشير إلى امر طريقه التكلف والاجتهاد، وسبيله التأهب والاحتشاد، وما فسرت به الصرفة لا يلائم هذه الصفة».
الثاني: لو كان عجز العرب عن المقابلة لطارىء مباغت ابطل قواهم البيانية، لاثر عنهم انهم حاولوا المعارضة، ففوجئوا بما ليس في حسبانهم، ولكان ذلك مثار عجب لهم، ولأعلنوا ذلك في الناس، ليلتمسوا العذر لأنفسهم وليقللوا من شأن القرآن في ذاته. وقد أشار إلى هذا الوجه علي بن عيسى الرماني في «نكت الإعجاز» كما اشار اليه الإمام يحيى بن حمزة العلوي.
()الثالث: لو كان الوجه في اعجاز القرآن هو الصرفة كما زعموا، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن، ولما ظهر منهم التعجب لبلاغته وحسن فصاحته كما اثر عن الوليد بن المغيرة، فان المعلوم من حال كل بليغ فصيح سمع القرآن يتلى عليه، انه يدهش عقله ويحير لبّه وما ذاك الا لما قرع مسامعهم من لطيف التأليف وحسن مواضع التصريف في كل موعظة وحكاية كل قصة، فلو كان كما زعمه اهل الصرفة لم يكن للتعجب من فصاحته وجه، فلمّا علمنا بالضرورة اعجابهم بالبلاغة، دلَّ على فساد هذه المقالة».

 
 
وبعد ايراده لبيانات المحقق السبحاني يعلق القبانجي في ص63 قائلا(..وأنت خبير بما في هذا البيان من الخلل والقصور، فالتحدي للانس والجن لا ينافي أن الله تعالى قد صرفهم عن الإتيان بمثله وسلبهم المقدرة عن مجاراة بلاغته وفصاحته. 
والتبادر المدعى في جوابه الاول لا يكون له شأن الاّ في دائرة البحث اللغوي والبلاغي لا في دائرة البرهان العقلي والمنطقي.
اما ما ذكره ثانياً من أن الصرف الالهي لو كان لاثر عنهم ذلك ولكان مثار عجب لهم، فهو من غريب الكلام، فأي ملازمة بين أن يصرف الله تعالى المنتحلين والمحرّفين عن المساس بآيات القرآن من موقع التحريف والعبث بآياته وسوره على مستوى الزيادة والنقصان، وبين أن ينتبهوا إلى أن الله قد سلبهم القدرة وصرفهم عن ممارسة التحريف لكتاب الله؟ فما وقع للعرب في دائرة التحدي القرآني وعجزهم عن الإتيان بمثله لصارف الهي لا يلازم بالضرورة علمهم بوجود هذا الصارف الغيبي.
واما الثالث من بيانه فهو ثالثة الاثافي، وكأن تعجب الوليد بن المغيرة من بلاغة القرآن يكفي شاهداً على هذا الادعاء العظيم وأن هذا الكتاب هو كلام الله تعالى!! وما اكثر ما تعجب اهل البلاغة والفصاحة من خطب الإمام علي (عليه السلام
) واستعظموا بلاغتها ودقة معانيها كما مرّ علينا آنفاً، الاّ أنّه لم يدع أحد أنّه كلام الله، وما اكثر ما نتعجب نحن من مصنوعات البشر وما وصل اليه الإنسان في دائرة التقدم العلمي والتكنولوجي ولا يلازم ذلك أن نرتفع في صانع هذه الادوات والمصنوعات إلى مستوى الآلهة!!(

 
 
 
ويضيف احمد القبانجي في ص64(...هذا والعجيب من الشيخ السبحاني واضرابه أنهم لم يتعرضوا لدليل القائلين بالصرفة بالذكر ولم يوردوا له جواباً. وكان الأحرى بهم التحرك نحو حلّ ذلك الاشكال الذي دعا اولئك الاساطين من اهل المعرفة من علماء الشيعة والمعتزلة إلى سلوك مذهب الصرفة، وهو اشكال صدور القرآن من الجن أو الملائكة، ولا أظن أحداً يقدر على الخروج بمخلص منه الاّ بالقول بالصرفة، أو بما انتهينا اليه من الفصل بين المعجزة المنصوبة والمنسوبة واستخدام منهج العقل الوجداني في اثبات الاعجاز القرآني.).

 
اقول:
1- تقدم منا في المقال السابق اثبات امكانية التفّصي عن اشكال صدور القران الكريم من الجن او الملائكة او موجودات اخرى وبأدنى مؤونة ولا نعتقد ان هذا الاشكال يمثل عقبة امام من عبر عنهم القبانجي ب(اولئك الاساطين من اهل المعرفة من علماء الشيعة والمعتزلة.....الخ).
2- سيد احمد القبانجي يجعل من الاشكال السالف سببا تاما للقائلين بالصرفة نحو تبني هذا الرأي وهو جعل من عندياته ولاشاهد عليه في كلمات هولاء الاعلام,اللهم الا مانقله عن علم الهدى-قد- وهو غير ظاهر في التدليل على مايدعيه لان اقل مافيه هو: ان الصرفة تختص بعالمنا هذا بعد ان ثبت وبالضرورة التاريخي احجام الفصحاء والبلغاء عن معارضة القران الكريم, الا ان هذا لايتعدى الى عوالم اخرى مع افتراض عدم التأكد من تكرار ماحصل للعرب لموجودات تلك العوالم و هو(... أن الله تعالى صرف -الجن والملائكة- عن أن يأتوا من الكلام بما يساوي أو يضاهي القرآن في فصاحته وطريقته ونظمه، بأن سلب كل من رام المعارضة العلوم التي يتأتى ذلك بها
....».,ولايحتمل ان يكون هذا الامر قد غاب على مثل علم الهدى-قد- حتى يجعل القبانجي سبب قوله بالصرفة راجعا الى الى اشكالية صدور القرآن من الجن أو الملائكة.

3- المتتبع لكلمات القائلين بالصرفة يجد ان الذي حدا بهم الى هذا القول هو مجموع امرين:

أ- تقدم منا ان العرب بلغوا في صناعة الكلام وحسن صياغته وسبكه الشأن العظيم الذي لم يبلغه أحدٌ من البشر ولاحكي عن احدى الامم السابقة واللاحقة,وتراثهم الادبي شاهد صدق على هذا.

ب- ان هولاء الذين بلغوا شأوا بعيدا في الفصاحة والبلاغة تحداهم الرسول الاعظم-ص- بأن يأتوا بسورة واحدة تضاهي القران الكريم ومن البعيد عند ارباب مذهب الصرفة ان يعجز بلغاء العرب وفصحائهم بدون مانع قاهر عن هذا الطلب السهل في ظاهره

الا بمانع وقاهر خارجي ,قال النظام: «الآية والأُعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأمّا التأليف والنَّظم، فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أنّ الله منعهم بمنع وعجز أَحدثهما فيه (,وقال أيضاً في إعجاز القرآن: «وإنّه من حيث الإخبار عن الأُمور الماضية ومنع العرب عن الإهتمام به جبراً وتعجيزاً، حتى لو خلاّهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله، بلاغةً وفصاحةً ونظماً1(


يقول ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة2:
ثم قال: «إنّ الصحيح أنّ إعجاز القرآن هو صرف العرب عن معارضته، وأنّ فصاحته كانت في مقدورهم لولا الصرف)



.
اما لماذا اختار القول بالصرف فهو ظاهر من قوله في موضع اخر «متى رجع الإنسان إلى نفسه، وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار، وجد في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه)3
 
 
ونفس الامر تقريبا يظهر من العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره :(..... فإن قيل : قوله

(فأتوا بسورة من مثله ) يتناول سورة الكوثر وسورة العصر ، وقل يا أيها الكافرون ) ونحن نعلم بالضرورة أن الإتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن . فإن قلتم : إن الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدور البشر كان مكابرة ، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين : قلنا : فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني ، وقلنا : إن بلغت هذه السورة في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود ، وإن لم يكن كذلك ، كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى تهوين أمره معجزا ، فعلى التقديرين يحصل المعجز )4.

ومقصوده من الطريق الثاني هو القول بالصرفة وهذا ماجاء في قوله من تفسيره عند بحثه عن اعجاز القران الكريم:
(الطريق الثاني: أن نقول: القرآن لا يخلوا إما أن يقال إنه كان بالغاً في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك فإن كان الأول ثبت أنه معجز. وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها أمر خارق العادة فكان ذلك معجزاً فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب.)5. 
 

من هنا قال الشيخ السبحاني في الالهيات (ورابعاً: فإنّ القول بالصرفة نجم من الإغترار بما روي من رشيق الكلمات، وبليغ العبارات، عن العرب، فزعم هؤلاء أن كل من قدر على تلك الأساليب البلاغية، يقدر على المعارضة، إلاّ أنّه سبحانه عرقلهم عنها وثبّطهم فيها.

ولكن أين الثرى من الثريا، وأين المدر من الدُرَر، وليس إعجاز القرآن رهن العذوبة والأناقة فقط، وإنّما هو رهن حلاوة ألفاضه وسمو معانيه، ورصانة نظمه ـ على وجه لو غُيِّرت كلمة أو جملة منه، لم يكن أن يؤتى بدلها بلفظة هي أوفق من تلك اللفظة ـ وبداعة أسلوبه، مجتمعة. فهذه الأُمور بجملتها، أضفت على الكلام جمالاً رائعاً لا يجد الإنسان له مثيلاً في كلام مَنْ غَبَر وَسَبَقَ، أو تَبعَ وَلَحَق. فهو بنظمه العجيب، وأسلوبه الغريب، وملاحته وفصاحته الخاصة، ومعانيه العميقة، تحدّى الإنس والجن، ولأجل ذلك لم يجد العرب لإغراء البسطاء، إلاّ تفسيره بالسحر، لأنّه يأخذ بمجامع القلوب، كلما يأخذ السحر بها)6..

 
والمتحصل من كلام الفخر ان سبب القول بالصرفة هو
 ان اعتبار الإتيان بمثل السور القصيرة خارج عن مقدور البشر مكابرة ، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين ,لذا لامناص من القول بالصرفة لا ان السبب الاساسي هو احتمال صدور القران عن الجن او الملائكة كما حاول القبانجي ان يصوره في رغبة واضحة لتمهيد القول باعجازه الوجداني رغم ان الرازي نفسه -وهو من القائلين بالصرفة- يستبعد هذا الاحتمال ولايجد منافاة بين الصرفة وبين رفض صدور القران الكريم عن عالم الجن والملائكة لذا يقول في تفسيره:
(المسألة الثانية: لقائل أن يقول هب أنه قد ظهر عجز الإنسان عن معارضته فكيف عرفتم عجز الجن عن معارضته؟ وأيضاً فلم لا يجوز أن يقال إن هذا الكلام نظم الجن ألقوه على محمد صلى الله عليه وسلم وخصوه به على سبيل السعي في إضلال الخلق فعلى هذا إنما تعرفون صدق محمد صلى الله عليه وسلم إذا عرفتم أن محمداً صادق في قوله أنه ليس من كلام الجن بل هو من كلام الله تعالى فحينئذ يلزم الدور وليس لأحد أن يقول كيف يعقل أن يكون هذا من قول الجن لأنا نقول إن هذه الآية دلت على وقوع التحدي مع الجن، وإنما يحسن هذا التحدي لو كانوا فصحاء بلغاء، ومتى كان الأمر كذلك كان الاحتمال المذكور قائماً. أجاب العلماء عن الأول بأن عجز البشر عن معارضته يكفي في إثبات كونه معجزاً وعن الثاني أن ذلك لو وقع لوجب في حكمة الله أن يظهر ذلك التلبيس وحيث لم يظهر ذلك دل على عدمه وعلى أنه تعالى قد أجاب عن هذا السؤال بالأجوبة الشافية الكافية في آخر سورة الشعراء في قوله:
هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَـٰطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }
7[
الشعراء: 221، 222] وقد شرحنا هذه الأجوبة هناك فلا فائدة في الإعادة.

 
 
 
4- قوله:((...هذا والعجيب من الشيخ السبحاني واضرابه أنهم لم يتعرضوا لدليل القائلين بالصرفة بالذكر ولم يوردوا له جواباً....الخ)

اقول: له الحق في تعجبه هذا بعد قلة اطلاعه وعدم إلمامه بابحاث موضوعات كتابه واستيفاء كلمات الاعلام في هذا الصدد,والغريب ان الرجل يجعل من بحث السيد الخوئي-قد- للصرفة في كتابه(مدخل البيان) والشيخ السبحاني في الالهيات احد موضوعات نقده وتفنيده لكنه يغمض العين عن كلام العلمين في سبب قول النظام وأصحابه بالصرفة,رغم انهما يذكران السبب وفي نفس الموضع الذي نقل القبانجي كلامهما!

يقول المحقق الخوئي-قد- في البيان ص83

وقالوا : 3 - إن العارف باللغة العربية قادر على أن يأتي بمثل كلمة من كلمات القرآن . 
وإذا أمكنه ذلك أمكنه أن يأتي بمثل القرآن ، لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد .



الجواب : إن هذه الشبهة لا تليق بالذكر ، فإن القدرة على الاتيان بمثل كلمة من كلمات القرآن ، بل على الاتيان بمثل جملة من جمله لا تقتضي القدرة على الاتيان بمثل القرآن ، أو بمثل سورة من سوره ، فإن القدرة على المادة لا تستلزم القدرة على التركيب .



ولهذا لا يصح لنا أن نقول : إن كل فرد من أفراد البشر قادر على بناء القصور الفخمة ، والصروح الضخمة ، لانه قادر على وضع آجرة في البناء ، أو نقول : إن كل عربي قادر على إنشاء الخطب والقصائد ، لانه قادر على أن يتكلم بكل كلمة من كلماتها ومفرادتها . وكأن هذه الشبهة هي التي دعت " النظام " وأصحابه إلى القول بأن إعجاز القرآن بالصرفة .
اما الشيخ السبحاني فقد تقدم قوله(...



فإنّ القول بالصرفة نجم من الإغترار بما روي من رشيق الكلمات، وبليغ العبارات، عن العرب، فزعم هؤلاء أن كل من قدر على تلك الأساليب البلاغية، يقدر على المعارضة، إلاّ أنّه سبحانه عرقلهم عنها وثبّطهم فيه....الخ).



ترى لماذا فعل سيد احمد القبانجي هذه الفعلة؟!
حقا لأمر ما جدع قصير أنفه!


5- اورد الشيخ السبحاني في الالهيات ج3 تحت عنوان( مذهب الصرفة) في تبيهه الثالث عشرة ادلة لإبطال القول بالصرفة لكن اخانا القبانجي انتقى ثلاثا منها وغض الطرف عن البواقي دون وجه ظاهر,وفي ظني(وليس كل ظن اثم) انه انما مارس هذه الإنتقائية توهما منه انه يمكنه ردها جميعا ليسهل عليه بالتالي اقناع القارئ غير المطلّع على تلك الردود بخطابيته التي سجلها في بداية البحث(ولكنك سترى أن اجوبتهم وردودهم لا تقوم على شيء من البرهان العقلي والمنطقي، ولم يأتوا بحجة مقنعة لابطال مذهب الصرفة المذكور)!!

6- قوله(.... فالتحدي للانس والجن لا ينافي أن الله تعالى قد صرفهم عن الإتيان بمثله وسلبهم المقدرة عن مجاراة بلاغته وفصاحته. 
والتبادر المدعى في جوابه الاول لا يكون له شأن الاّ في دائرة البحث اللغوي والبلاغي لا في دائرة البرهان العقلي والمنطقي.
(
اقول:انا بخلل وقصور كلام القبانجي اخبر مني بأي خلل او قصور مدعى في كلام العلامة المحقق السبحاني للأسباب التالية:
 
أولا- ان الحق تبارك وتعالى قد تحدى الانس والجن أن يأتوا بمثل القران وانه اخبر عن عدم تمكنهم من ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وهذا انما ينسجم مع بقاء قدرتهم اذ لو كانوا مسلوبي القدرة (
 لم تبق فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره....)8... 
ثانيا- اما قوله(والتبادر المدعى في جوابه الاول لا يكون له شأن الاّ في دائرة البحث اللغوي والبلاغي لا في دائرة البرهان العقلي والمنطقي.) ففيه غفلة لاتغتفر لان:

أ- ان الصرفة-عند القائلين بها- تفسير للإعجاز لا انها نفسه فلا بد حينئذ ان تتأخر عنه رتبة.

وبكلمة اخرى:
ان الذي نفهمه من كلام القبانجي هو ضرورة عدم اللجوء الى الابحاث اللغوية والادبية في مقام اثبات الإعجاز لان تلك الابحاث انما تأتي بعد الفراغ من تحقق الإعجاز القراني باعتبارها متفرعة عليه ونحن بعد لم ننته من هذا الإثبات,ومعلوم ان هذه المهمة انما تتكفل بها البراهين العقلية لا الإدلة الاعتبارية.
وغير خف ان هذا الكلام يخلط بين أصل الإعجاز ووجهه لان القائلين بالصرفة يرون القران معجزا ,وان عجز البشر عن معارضته قد تحقق بالضرورة التأريخية لكنهم يريدون تفسير هذا الإعجاز فهل هو امر راجع الى نفس القران الكريم-كما عليه الجمهور-
او خارج عنه-كما عليه ارباب الصرفة-؟
من هنا يمكن لأي احد من الطرفين اللجوء الى القران باعتباره الكتاب الالهي الذي ثبتت ربانيته قبل بحث هذه المسألة واستنطاقه حولها وبيان وجه الحق فيها.

ب- حتى لو لم نؤمن بربانية القران الكريم وتعاطينا معه كأي مُؤلف عادي فان هذا لا يفقد الإحتكام اليه والإستعانة بالمتبادر منه حول هذه المسألة قيمتها الموضوعية
تماما كما نفعل مع اي كتاب أخر نستعين بظهوراته وبما يتبادر منه لمعرفة مرادات كاتبه.
وعلى هذا يمكن لأي احد-حتى من غير المؤمنين- ان يلجأ الى القران لمعرفة حقيقة الحال. في إعجازه الذي يدعيه ويثبته لنفسه.

 
7- قوله(اما ما ذكره ثانياً من أن الصرف الالهي لو كان لاثر عنهم ذلك ولكان مثار عجب لهم، فهو من غريب الكلام، فأي ملازمة بين أن يصرف الله تعالى المنتحلين والمحرّفين عن المساس بآيات القرآن من موقع التحريف والعبث بآياته وسوره على مستوى الزيادة والنقصان، وبين أن ينتبهوا إلى أن الله قد سلبهم القدرة وصرفهم عن ممارسة التحريف لكتاب الله؟ فما وقع للعرب في دائرة التحدي القرآني وعجزهم عن الإتيان بمثله لصارف الهي لا يلازم بالضرورة علمهم بوجود هذا الصارف الغيبي.).

اقول: عجبي لاينقضي من سيد احمد القبانجي الذي يحمّل كلمات الاعلام مالاتحتمله ويقولهم مالم يقولوه وما نقطع بعدم ارادتهم ايّاه, ثم يرتب عليها لوزامه الفاسدة ومؤاخذاته السطحية!
ترى اين قال الشيخ السبحاني-دام ظله- بان معنى الصرفة هي(أن يصرف الله تعالى المنتحلين والمحرّفين عن المساس بآيات القرآن من موقع التحريف والعبث بآياته وسوره على مستوى الزيادة والنقصان) حتى يتسائل اخونا القبانجي عن السر المستسر وراء الملازمة بينها وبين(أن ينتبهوا إلى أن الله قد سلبهم القدرة وصرفهم عن ممارسة التحريف لكتاب الله)؟!

ونعيد عليك كلام المحقق السبحاني لتتأمل فيه ايها القارى الكريم لعل فيه شيئا زاغ البصر عنه:(..لو كان عجز العرب عن المقابلة لطارىء مباغت ابطل قواهم البيانية، لاثر عنهم انهم حاولوا المعارضة، ففوجئوا بما ليس في حسبانهم، ولكان ذلك مثار عجب لهم، ولأعلنوا ذلك في الناس، ليلتمسوا العذر لأنفسهم وليقللوا من شأن القرآن في ذاته).
هل كلام الشيخ هذا عن الصرفة بمعنى عدم معارضة المشركين للقران أو عدم ممارستهم التحريف لكتاب الله العزيز؟
اجيبونا يأولي الألباب وذووي الافهام؟!

8- قوله:(واما الثالث من بيانه فهو ثالثة الاثافي، وكأن تعجب الوليد بن المغيرة من بلاغة القرآن يكفي شاهداً على هذا الادعاء العظيم وأن هذا الكتاب هو كلام الله تعالى!! وما اكثر ما تعجب اهل البلاغة والفصاحة من خطب الإمام علي (عليه السلام) واستعظموا بلاغتها ودقة معانيها كما مرّ علينا آنفاً، الاّ أنّه لم يدع أحد أنّه كلام الله......الخ).

اقول: لو جاء احمد القبانجي بتمام كلام السبحاني في هذه النقطة لربما تضح الحال في بيان دلالته على مراده لكن الرجل اجمل كلام الشيخ وداخله مع كلام يحيى بن الحسين العلوي واظهره بمظهر الكلام الخطابي الخالي عن الدليل!

 

والان دعنا نتأمل ايها القارئ الكريم في تمام كلام الشيخ السبحاني لعل مراده يتضح لنا.
يقول الشيخ في الالهيات ج3 في ايراده الثالث على مذهب الصرفة (.....فلو كان العرب قبل البعثة قادرين على الإتيان بكلام يشبه القرآن ويضاهيه، فلماذا اندهش الوليد بن المغيرة عندما سمع آيات من سورة فصلت وقال: «لقد سمعت من محمد كلاماً لا يشبه كلام الإنس والجن



(ولماذا ارتمى عتبة بن ربيعة مدهوشاً مبهوتاً ملقياً يديه وراء ظهره متكياً عليهما، مشدقاً بفيه مصعوقاً عندما سمع بعض آيات القرآن من النبي الصادع بالحق. فلو كانت فصاحة القرآن وبلاغته أو نظمه وأُسلوبه من حيث العذوبة والأناقة على نمط كلام الآخرين من فصحاء العرب وبلغائهم، فلم اهتزوا وتأثّروا بسماع آية أو آيات منه ولم تكن لهم هذه الحالة في سماع شعر امرئ القيس، ولا عنترة، ولا غيرهما من أصحاب المعلقات، ولا من سماع خطب قس بن ساعدة وسحبان بن وائل وغيرهما من أصحاب الخطب والكلام.

وإلى هذا الوجه يشير الإمام يحيى بن حمزة العلوي في نقد هذا المذهب، ويقول: «لو كان الوجه في إعجازه هو الصرفة كما زعموا، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن، فلمّا ظهر منهم التعجّب لبلاغته وحسن فصاحته، كما أثر عن الوليد بن المغيرة حيث قال: «إنّ أعلاه لمورق، وإنّ أسفله لَمُعْذِق، وإنّ له لطلاوة، وإنّ عليه لحلاوة»، فإنّ المعلوم من حال كل بليغ وفصيح سمع القرآن يتلى عليه فإنّه يدهش عقله ويحيّر لبّه، وما ذاك إلاّ لما قرع مسامعهم من لطيف التأليف وحسن موانع التصريف في كل موعظة، وحكاية كل قصة، فلو كان كما زعموه من الصرفة، لكان العُجب من غير ذلك، ولهذا فإنّ نبيّاً لو قال: إنّ معجزتي أن أضع هذه الرمانة في كفي. وأنتم لا تقدرون على ذلك، لم يكن تعجّب القوم من وضع الرمانة في كفه، بل كان من اجل تعذّره عليهم، مع أنّه كان مألوفاً لهم، ومقدوراً عليه من جهتهم. فلو كان كما زعمه أهل الصرفة، لم يكن للتعجّب من فصاحته وجه. فلمّا علمنا بالضرورة إعجابهم بالبلاغة، دلّ على فساد هذه المقالة



»(


وما أجاب به الشيخ الطوسي عن هذا الدليل بأنّ من قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بالفصاحة والبلاغة، وإنّما يقول هذه المزية ليست ممّا تخرق العادة ويبلغ حدّ الإعجاز، فليس في طرب الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن وفرط براعته ما يوجب بطلان القول بالصرفة()، غير تام، إذ لو كان مثل القرآن متوفراً في الأوساط الأدبية قبل البعثة، لما كان لهذا الطرب والإهتزاز والإنبهار والتضعضع، وجه وجيه، لأنّ المفروض أنّ القرائح العربية لم تكن قاصرة قبل البعثة عن إبداع أمثاله، وسمعت آذانهم كثيراً من هذا النمط من الكلام وإن قصرت من بعد. ولو كانت قرائحهم قادرة قبل البعثة على إنشاء كلام مثل القرآن، فلماذا جمع الوليد صناديد قريش وقال لهم: «إنّ العرب يأتونكم فينطلقون من عندكم على أمر مختلف، فأجمعوا أمركم على شيء واحد، ما تقولون في هذا الرجل؟ الخفلو كانت قرائحهم كافية قبل صرف هَمِمِهم، أو سلب علومهم، أو الجائهم على الإنقباض في مقام معارضته ـ لكان الجواب عن قرآن الرجل واضحاً، وهو أنّه كلام عادي ما أكثره بيننا، وأكثر مثله في كلام خطباء العرب وشعرائهم).
 
والواضح البيّن ان المحقق السبحاني في صدد القول ان العرب قد وصلوا الغاية في الكمال البلاغي وان هذا يمكنهم من ابداع مثل القران بلاغة قبل زمان نزوله وان تلك القرائح الراقية ما كان لها ان يُهيلها امر القران الكريم الى الحد الذي كانوا معه يمنعون انفسهم من سماعه خوفا من الوقوع تحت تأثيره,ولم يجدوا بعد طول تفكير وتقدير الا ان يصفوه بالسحر("إنه فكر وقدر*فقتل كيف قدر*ثم قتل كيف قدر*ثم نظر* ثم عبس وبسر*ثم أدبر واستكبر*فقال إن هذا إلا سحر يؤثر*إن هذا إلا قول البشر)9
فكيف تنسجم افعالهم هذه واقوالهم تلك وهم في غاية البلاغة والفصاحة مع دعوى ارباب الصرافة القائلة: كان يمكن للعرب الأتيان بمثله او ان في كلامهم مايضاهيه؟!على اننا نرضى بجعل نهج البلاغة معجزا وله مقام القران الكريم بشرط ان يقول فيه اهل البلاغة وارباب الفصاحة ماقاله الوليد في القران الكريم(والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه)10
 
ومعلوم ان مجرد تعجب اهل البلاغة والفصاحة من خطب الإمام علي (عليه السلام) واستعظامهم بلاغتها ودقة معانيها شيئ والقول ان هذا الكلام خارج عن طور الكلام البشري وبعيد عن متناول قدرة الانسانية شيئ اخر.
وعلى هذه قس ماسواها من آلات القبانجي ومخترعاته العظيمة!
.

يقول القبانجي في ص64 (وأعجب مما ذكر في ردّ القول بالصرفة هو ما أورده السيد الخوئي في «البيان»، حيث قال: 
«وهذا القول ـ أي القول بالصرفة ـ في غاية الضعف: 
أولاً: لأن الصرفة التي يقولون بها، إن كان معناها أن الله قادر على أن يُقدر بشراً على أن يأتي بمثل القرآن، ولكنه تعالى صرف هذه القدرة من جميع البشر، ولم يؤتها لأحد منهم فهو معنى صحيح، ولكنه لا يختص بالقرآن، بل هو جار في جميع المعجزات!! (ثم ماذا؟ فعلى فرض انه جار في جميع المعجزات فهل يبطل القول بالصرفة؟)
وإن كان معناها أن الناس قادرون على أن يأتوابمثل القرآن. ولكن الله صرفهم عن معارضته فهو واضح البطلان، لأن كثيراً من الناس قد تصدّوا لمعارضة القرآن، فلم يستطيعوا ذلك. واعترفوا بالعجز. (فنفس عجزهم وعدم استطاعتهم يدل على الصرفة، وكأن السيد تصور أن القول بالصرفة يعني صرفهم عن اصل التصدي والمعارضة).
ثانياً: لأنه لو كان إعجاز القرآن بالصرفة لوجد في كلام العرب السابقين مثله قبل أن يتحدى النبي البشر ويطالبهم بالاتيان بمثل القرآن، ولو وجد ذلك لنقل وتواتر لتكثر الدواعي اليه»
().
وهذا أعجب من سابقه، لأن العرب لم يكونوا في صدد الاتصال بعالم الغيب والإتيان بكتاب من الله للبشر حتى يقال هذا الكلام، بل كان ديدنهم الشعر، ومعلوم أن الشعر ابلغ من النثر، ومعه لا حاجة لهم إلى الإتيان بنثر بليغ يوازي القرآن الكريم في بلاغته، وقد تقدم أن القرآن بمجرده وبغض النظر عن كونه كلام الله لا يعد معجزة بلاغية، وبالامكان العثور على بعض النصوص الادبية وخاصة من نهج البلاغة هي أبلغ من بعض آيات القرآن الكريم......الخ).

اقول:
لئن كان هناك كلام يصدق على مؤاخذات القبانجي على المحقق الخوئي -قد- فهو كلام القبانجي نفسه عندما سطر على عادته كلمات طنانة وعبائر رنانة على ايردات-اساطين الفكر- من امثال:( الطحالب, الخطابيات,الاستحسانات...الخ) ربما رغبة في اخفاء خواء تلك الملاحظات وسطحيتها حد السذاجة!
وبعد هذا يمكن تسجيل اكثر من نقطة على ايراداته السابقة:

1- قوله:((ثم ماذا؟ فعلى فرض انه جار في جميع المعجزات فهل يبطل القول بالصرفة؟) فيه غفلة عن مراد السيد الخوئي-قد- الواضح لأصاغر الطلبة فضلا عن أكابرهم بأحد بيانين:
الاول:
مؤدى كلام السيد الخوئي-قد- هو: ان الصرفة ان كانت بمعنى ان الله تعالى يمكن ان يعطي قدرة لاحد من الناس لان يأتي بما يعارض القران فهو معنى صحيح في نفسه لانه يقع في دائرة الامكان ومعلوم ان لو كان الاتيان بما ماثل القران الكريم ممتنعا في نفسه لكان نفس صدور القران من النبي الخاتم -ص- ممتنعا لان قدرة الله لاتتعلق بالمحالات الذاتية والمفروض ان مايضاهي القران ويماثله يقع ضمن دائرة الممتنعات فلابد ان يكون القران ممتنعا لانه يقع ضمن نفس الدائرة ومعلوم ان حكم الامثال في مايجوز وما لايجوز واحد,نعم عدم الامتناع النظري شيئ والاستحالة الوقوعية شيئ اخر ولاتهافت بينهما اذ ان من الاشياء ماهو ممكن نظريا بيد انه مستحيل عمليا ولعل فكرة امتناع الذنب عن المعصوم من هذا القبيل.
من هنا يورد السيد الخوئي-قد- على القائلين بالصرفة انكم ان اردتم هذا المعنى منها فهو ليس باطلا في نفسه بيد ان هذا الامر يجري في جميع معاجز الانبياء ولاخصوصية هنا للمعجزة القرانية حتى تفردوها بالبحث وتخصوها باعجاز الصرفة لاننا قلنا قبل قليل ان المراد من الصرفة هو امكان ان يقدر الله تعالى احدا من الناس او جميعهم على الإتيان بما يماثل المعجز النبوي, ومن هنا فهل نلتزمون بشمول الصرفة لسائر معجزات الانبياء؟ اي هل تقبلون بان الناس انما لم يعارضوا معاجز الانبياء-عليهم السلام- لانهم صرفوا عن ذلك تماما كما صرفوا عن معارضة القران الكريم كما تدّعون؟!
من الواضح ألا احد من هولاء الاعلام وغيرهم يمكنه ان يدّعي هذه الدعوة او يتبنى هذا المذهب,اللهم الا اذا كان لسيد أحمد القبانجي رأي اخر لانعرفه!
وغني عن البيان ان ايراد السيد الخوئي -قد- لهذا الدليل انما هو من باب اظهار بطلان الملزوم-القول بالصرفة- بإبطال لازمه-شمول الصرفة لجميع معاجز الانبياء- وهو كثير الوقوع في المحاورات العلمية التخصصية التي يبدو انها غابت عن ذهن اخينا القبانجي في خضم انشغاله بملابسات الحداثة,ولله في خلقه شؤون!

الثاني:
ان الصرفة على هذا الافتراض تتضمن قدرة الناس على معارضة المعجزة فيما لو اقدرهم الله تعالى على المعارضة بيد انه تعالى لم يُقدر احدا على ذلك ,ومن الواضح ان هذا المعنى لايتضمن اي منع و لا صرف من الله عن معارضة القران, تماما كما هي سنته في معاجز الانبياء السالفين التي يعترف انصار الصرفة فضلا عن غيرهم بان عجز الناس عن مضاهاتها والاتيان بمثلها لم يكن وليد المنع والقسر الإلهي.

2- قوله تعليقا على الايراد الثاني للسيد الخوئي-قد-(وهذا أعجب من سابقه، لأن العرب لم يكونوا في صدد الاتصال بعالم الغيب والإتيان بكتاب من الله للبشر حتى يقال هذا الكلام، بل كان ديدنهم الشعر، ومعلوم أن الشعر ابلغ من النثر، ومعه لا حاجة لهم إلى الإتيان بنثر بليغ يوازي القرآن الكريم في بلاغته، بل كان ديدنهم الشعر، ومعلوم أن الشعر ابلغ من النثر، ومعه لا حاجة لهم إلى الإتيان بنثر بليغ يوازي القرآن الكريم في بلاغته.....الخ).

اقول:
1-لانعرف وجها مقبولا لصدر كلام القبانجي وحديثه عن عدم كون العرب في صد الاتصال بالغيب, ولاندري مادخل هذه الفقرة في نقض ايراد السيد -قد-!!
لقد تقدم منا مرارا ان العرب عند مجيئ الاسلام لم يكن يشق لهم غبار في الفصاحة, وانهم حازوا قصب السبق في البلاغة بحيث وطأوا فيهما مواطئ لم يحدثنا التاريخ عن امة قبلهم ولابعدهم حدثتها نفسها ان تحوم حول حماهما او تلحق بذراها
ويقول الجاحظ في حجج النبوة : ( بعث الله محمدا-ص- أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ، وأحكم ما كانت لغة ، وأشد ما كانت عدة ..... الخ)11 
ومن المعلوم ان أمة هذا شأنها لايحتمل في حقها التأخر عن السنام الاعلى للفصاحة ولا الذروة العليا للبلاغة حتى يقال ان كتابا من مثل القران -على تقدير عدم ربانيته- قد جاءهم بما لايحسنون من صنعتهم ولايعرفون من مفخرتهم رغم طول اشتغالهم بتعاطي الادب وتفوقهم في فنون الكلام.
من هنا فمن المنطقي جدا وبعد الإلتفات الى ماتقدم ان نجد في كلام العرب مايماثل القران الكريم فصاحة وبلاغة,ولما تعذر ذلك عرفنا ان مرتبة القران الكريم على مستوى الفصاحة والبلاغة خارجة رأسا عن قدرة البشر وان الوصول اليها متعذر على حذاق الفن وفحول الادب,ولعل طرب الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن وفرط براعته خير دليل على ذلك .

هذا حاصل ايراد السيد الخوئي-قد- لكن احمد القبانجي حمله على غير وجهه وتصور ان المحقق الخوئي-قد- في صدد الطلب من العرب ان يتصلوا بعالم الغيب ويأتوا بكلام من وزان القران المجيد!!
2-قوله (، بل كان ديدنهم الشعر، ومعلوم أن الشعر ابلغ من النثر، ومعه لا حاجة لهم إلى الإتيان بنثر بليغ يوازي القرآن الكريم في بلاغته...)
اقول:
أ- هذه المعلومية المدعاة عهدتها عليه وهو اعرف بمقالته!
 

لقد دار كلام وجدل بين ارباب الادب-من سالف الازمان- حول المفاضلة بين النثر والشعر صار النّقاد فيه طرائقا قددا كل طرف يحشد لمختاره جملة فضائل ومزايا لاتوجد عند الطرف الاخر,والنقطة الجديرة بالاهتمام هي ان الاعم الاغلب منهم لم يذهب في ترجيح احد الطرفين الى كون هذا الطرف ابلغ من ذاك,بل غاية ماسجلوه من فضائل وامتيازات ماأجمله ي سنان الخفاجي في سر الفصاحة بقوله في ص212(...وأما التفضيل بين النظم والنثر فالذي يصلح أن يقوله من يفضل النظم



أن الوزن يحسن الشعر ويحصل للكلام به من الرونق ما لا يكون للكلام المنثور ويحدثعليه من الطرب في إمكان التلحين والغناء به ما لا يكون للكلام المنثور ولهذه العلةساغ حفظه أكثر من حفظ المنثور حتى لو اعتبرت أكثر الناس لم تجد فيهم من يحفظ فصلاًمن رسالة غير القليل ولا يجد فيهم من لايحفظ البيت أو القطعة إلا اليسير ولولا ماانفرد به من الوزن الذي تميل إليه النفوس بالطبع لم يكن لذلك وجه ولا سبب.



ونقول إن الشعر يدخل في جميع الأغراض كالنسيب والمديح والذم والوصف



والعتب والنثر لا يدخل في جميع ذلك فإن التشبيب لا يحسن في غير الشعر وكذلك غيره منالأغراض وما صلح لجميع ضروب الكلام وصنوفه أفضل مما اقتصر على بعضه.



وأما الذي نقوله من تفضيل النثر على النظم: فهو أن النثر يعلم فيه



أمور لا تعلم في النظم كالمعرفة بالمخاطبات وبينة الكتب والعهود والتقليدات وأمورتقع بين الرؤساء والملوك يعرف بها الكاتب أمورهم ويطلع على خفي أسرارهم وأن الحاجةإلى صناعة الكتابة ماسة والانتفاع بها في الأغراض ظاهر.



والشعر فضل يستغنى عنه ولا تقود ضرورة إليه وأن منزلة الشاعر إذا



زادت وتسامت لم ينل بها قدراً عالياً ولا ذكراً جميلا والكاتب ينال بالكتابةالوزارة فما دونها من رتب الرياسة وصناعة تبلغ بها إلى الدرجة الرفيعة أشرف منصناعة لا توصل صاحبها إلى ذلك وأن أكثر النظم إذا كشف وجد لا يعبر عن جد ولا يترجمعن حق وإنما الحذق فيه الافراط في الكذب والغلو في المبالغة وأكثر النثر شرح أمورمتيقنة وأحوال مشاهدة وكثر فيه الجد والتحقيق أفضل مما كثر فيه المحال والتقريب وقديتسع الكلام فيما لا يخرج عن هذا الفن وهذه الجملة كافية في مثل هذا الموضع ( ومن البيّن ان ابن سنان لم يأت على ذكر التفاضل البلاغي بين الشعر والنثر وسبب ذلك واضح فان البلاغة أمر مطلوب فيهما معا ولادخل لها بالضرورة في شكل الكلام وكونه شعرا او نثرا و على هذا ففي ايّهما وجدت فهو افضل من صاحبه جزما.


من هنا اجاب أبو العباس المبرد (ت 285 هـ) عندما كتب لديه أحد أمراء البيت العباسي رسالة يلتمس منه فيها معرفة: أي البلاغتين أبلغ، أبلاغة الشعر؟ ام بلاغة الخطب والكلام المنثور السجع؟ وأيهما عندك: أعزك الله أبلغ؟
فأجابه بقوله: سألت أعزك الله عن البلاغتين، في الشعر المرصوف، أحد القسمين بالكلام المنثور، آيتهما أولى بأن تكون المقدمة، وحق أن تكون على الكمال مشتملة؟ بأن الجواب فيما سألت أن حق البلاغة إحاطة القول بالمعنى، واختيار الكلم، وحسن النظم حتى تكون الكلمة مقاربة أختها ومعاضدة شكلها، وأن يقرب بهذا البعيد ويحذف منها الفضول، فإن استوى هذا في الكلام المنثور، والكلام المرصوف، المسمى شعرا، فلم يفضل أحد القسمين صاحبه، فصاحب الكلام المرصوف أحمد لأنه أتى به صاحبه وزاد وزنا وقافيته، و الوزن يحمل على الضرورة، والقافية تضطر إلى الحيلة، وبقيت بينهما واحدة، ليست مما توجد عند استماع الكلام منهما، ولكن يرجع إليهما عند قولهما فينظر إليهما أيهما أشد على الكلام اقتدارا، وأكثر تسمحا، وأقل معاناة وأبطأ معاسرة، فيعلم أنه المقدم.12(
نعم لايخفى أن معظم براعة كلام العرب، في الشعر، تلك البراعة التي يقل نظيرها في النثر الا ان هذا ليس امرا مطّردا ودائما اولا, ولاهو مقتضى القاعدة التي تجعل من البلاغة مرجحا اساسيا لاحد الطرفين على الاخر ثانيا,فضلا عن ان البراعة شيئ والبلاغة شيئ اخر لذا لايلزم من براعتهم في الشعر ان يكون ابلغ من النثر بعد كون البلاغةهي موافقة الكلام لمقتضى الحال وهو امر شامل للشعر والنثر معا ثالثا.
 
 
والطريف ان سيد احمد القبانجي يتبنى تفوق بعض فقرات نهج البلاغة وكلمات اهل البيت -ع- بلاغة وفصاحة على كثير من آي القران الكريم نفسه فضلا عن غيره,وملعوم ان تلك الفقرات الشريفة تنتمي الى دائرة النثر لكنه ينسى كلامه هناك ليقول هنا وبلغة جازمة عامة( الشعر ابلغ من النثر)!
ب-لو كان في شعرهم مايوزاي القران الكريم بلاغة وفصاحة لاحتجوا به واتخذوه مطعنا لتوهين القران العزيز واسقاط محله من القلوب والعقول(اذ كيف يكون كلام الخالق والمخلوق على درجة واحدة من الفصاحة والبلاغة؟) ولو كان هذا لنشروه في منتدياتهم وانديتهم ولاتخذوه نشيدا يرددونه صباحا ومساء ولقالوا بضاعتنا ردت إلينا فان الغريق يتشبث بالحشيش والطحلب كما يقولون.
ج- اما قوله انهم لم يكونوا بحاجة الى الاتيان بنثر بليغ يوازي القران الكريم في بلاغته فهو من عجائبه التي لاتنقضي لان من له ادنى إلمام بتحدي القران لهم وتبكيته إيّاهم واعلانه عجزهم فضلا عن دواعي معارضته-التي تقدمت- يقطع بانهم في امس الحاجة الى الاتيان بهذا الكلام البليغ لانه اقرب الطرق واخصرها لاطفاء نور الدين الجديد بدلا من تحمل اعباء
 العجز والتكذيب التي جرت عليهم ماجرت مما هو معروف ومشهور,على انه كان في وسعهم ان يوردوا ذلك الشعر البليغ الذي يتحدث عنه القبانجي ويجعلوه في قبال القران ولو من باب ايجاد الشبهة والتشكيك في ربانيته , ولانس مانقلناه سابقا عن جرجي زيدان عند وصفه تأثر العرب بالقران الكريم(.......وقد اعجبوا بأسلوبه ودهشوا لبلاغته لانه ليس من قبيل ماكانوا يعرفونه من نثر الكهان المسجع ولانظم الشعراء المقفى الموزون,وقد خالف كليهما وهو منثور مقفى على مخارج الاشعار والاسجاع ,فلا هو شعر ولاهو نثر ولا هو سجع,وفيه من البلاغة وأساليب التعبير مالم يكن له شبيه في لسانهم,فسحروا بأسلوبه وبما حواه من الشرائع والاحكام وقصص الانبياء....الخ)13, وكلامه هذا يثبت صلة ووليجة بين القران الكريم وما كان يتعاطاه العرب من شعر-على تقدير صحة دعوى القبانجي من عدم تعاطيهم النثر- فهو-اي القران- منثور لكنه مقفى على مخارج الاشعار وهذا مايجعله في دائرة إمكان المعارضة والمضاهاة,وربما لهذا السبب رموه بالشعر ورأوا انفسهم قادرين على قول مثله ولم يعتذروا عن ذلك بما اعتذر به القبانجي!
 
يتبع باذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق