تنويه مهم جدًا: الموقع لا يزال في طور الإعداد، ونعتذر عن عدم الترتيب والنقص.

الأحد، فبراير 19، 2012

الحداثويةُ في فهمِ النصِ الدينيِ بين السطحيةِ والجهلِ

الكاتب: العلامة المنار

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}(الأنفال/31).

وهذا البحثُ يأتي استجابةً لرغبةِ المرجعيةِ المباركة ، حيثُ ندبتْ مثقفي الشيعةِ لتصحيح مسارِ الفكرِ الخاطئ ولتعليم المتورطينَ بهذه الأفكارِ مواطنَ الخللِ فيها لعلهم ِيهتدون والله الموفق .

قبلَ كلِ شيءٍ نحنُ نُناقشُ منْ يتّبعُ الحداثويةَ في تفسيرِ النصِ الديني ، وليس لنا دخلٌ بالحداثوية في تفسيرِ النصِ الأدبي . وهذا اعتذارٌ مسبقٌ للذين قد يرونَ أنهم حداثيون أدبياً ، فالحديث لا يخصُهم من قريبٍ أو بعيدٍ.

نقرأُ أولاً في كتابِ (قراءةٌ بشريةٌ للدينِ للدكتور محمد مجتهد شبستري) منْ اجلِ بيانِ خطورةِ مقولات هذا الفكرِ على المجتمعِ الإسلامي:

(قراءةٌ بشريةٌ للدينِ) للدكتور محمد مجتهد شبستري - صفحة: 233
[ومنَ الواضحِ أننا لو تبنينا هذا الاتجاه فإنَ الكلامَ الوحياني الذي نقلهُ النبيُ للناسِ يصبحُ كلامَ ذلكَ الإنسانِ النبي الذي يتميزُ بتأييدِ الإرادةِ الإلهيةِ لهُ. وفي هذهِ الصورةِ وبما أن هذا الكلامَ هو كلامُ بشرٍ فسوف يكونُ من الممكنِ فهمُهُ من خلالِ المعاييرِ الموجودةِ لفهمِ كلامِ الإنسان.
ولكن على أيِّ حالٍ فإنَ الأوامرَ والنواهيَ المتعاليةَ على التاريخِ (عدمُ التحديدِ بزمنٍ) لا يمكنُ تصوّرُها في هذا الكلامِ لأن فعلِ الأمرِ والنهي وكذلك جميعِ أفرادِ البشرِ ومنهم الإنسانُ النبيُ هم موجوداتٌ تاريخيةٌ ولا يمكنُ أن تكونَ أوامرُهم ونواهيهم متعاليةً على التاريخِ .
وعلى أساسِ هذا المبنى (كما ذهبَ إليه بعضُ الفلاسفةِ المسلمين) فالمشرّعُ الإسلاميُ سيكونُ هو النبيُ نفسهُ المؤيدُ منْ عندِ الله . وينبغي القولُ إن الأوامرَ والنواهي القرآنية النبوية في بابِ السياساتِ والمعاملاتِ تدخلُ دائرةَ الزمانِ والمكانِ (أي إنها تاريخية) إنما المخاطبين لها مجموعةٌ خاصةٌ من الناسِ ولها أغراضٌ خاصةٌ وهي نتاجُ مجتمعٍ بشريٍ معين ولا تشملُ هذا العصرَ وليس لها خلودٌ وشموليةٌ زمانيةٌ ومكانيةٌ ، وإن شموليةَ تلك الأوامرِ والنواهي تنحصرُ فقط في جهتِها الكليةِ وهي عبارةٌ عن (مراعاةِ العدالةِ) .]

قراءةٌ بشريةٌ للدينِ - صفحة: 235
[وقد قامَ النبيُ بعمليةِ الإصلاحِ الأخلاقي بما يتناسبُ مع القيمِ والمعاييرِ الأخلاقيةِ الموجودةِ في ذلك العصرِ ، وعلى هذا الأساسِ فإن الإصلاحاتِ الأخلاقيةِ والحقوقيةِ لنبي الإسلامِ كانت في حدودِ ثقافةَ ذلك العصرِ المبتنيةِ على النظامِ الأسريِ وعلى مقولةِ سيادةِ الرجلِ ، ورغم إن هذه الإصلاحات كانت تصبُ في صالحِ المرأةِ إلا أنها مع ذلك لم تعملْ على إزالةِ هذا النظامَ الأسريِ بنظامٍ آخرَ.
وهكذا الحالَ بالنسبةِ لإصلاحاتِ النبيِّ في حقلِ النظامِ السياسيِ فقدْ كانتْ تصبُ في مصلحةِ الرعيةِ ولكنها لم تهدفْ إلى تغييرِ النظامِ السياسيِ وإزالتهِ.]

قراءةٌ بشريةٌ للدينِ - صفحة: 15
[و بما أنَ الفرضياتِ مختلفةً باختلافِ الرؤى و المفروضاتِ المسبقةِ فان المعنى المتعينِ للنصِ سيكونُ مختلفاً من شخصٍ لاخرَ , و كلُ واحدٍ منهم يفهمُ من النصِ معنىً خاصاً , و في هذا الفضاءِ فإن المعنى المقبولَ من هذه المعاني المتعددةِ هو المعنى الذي يملكُ ادلةً اقوى , إذنْ فماهيةُ الفهمِ و تفسيرُ النصِ تعكسُ في حقيقتِها فرضياتٍ مقترنةً مع عمليةِ الاستدلالِ و لا يمكنُ القطعُ بتوصلِ احدِ هذه الفهومِ للمعنى الواقعي ]

قراءةٌ بشريةٌ للدينِ - صفحة: 18
[ان افتراضَ وجودِ معانٍ مجازيةٍ و باطنيةٍ و رمزيةٍ للنصوصِ المقدسةِ بدأ عندما أرادَ المفسرونَ صياغةَ النصوصِ ((الاسطوريةِ)) بصياغةٍ (( معقولةٍ )) و ((أخلاقيةٍ )) و قد بدأَ هذا العملُ قبلَ اليهوديةِ و المسيحيةِ و الاسلامِ , وفي هذه الأديانِ أيضا إتبعَ المفسرون هذه المنهجية في التفسير و قرروا وجودَ معانٍ مجازيةٍ او باطنيةٍ أو رمزيةٍ للنصوصِ هرباً من الوقوعِ في مأزقِ اللاعقلانيةِ الظاهرةِ في بعضِ الآياتِ أو الفرارِ من ضيقِ القواعدِ و الأحكامِ الجزميةِ التي تتجلى أحياناً بشكلٍ غيرِ أخلاقي و أحياناً أخرى تكونُ ثقيلةً و غيرِ مقبولةٍ من قبلِ أصحابِ التسامحِ و التساهلِ في العقائد.]

بجولة واسعة بين عشرات الكتب الحداثوية وفهمها الديني ، يمكنُ تلخيصَ أهمِ دعاوى الحداثوية في فهم النص الديني بما يلي:
أولاً : تفسيرُ جوهرِ الدينِ بالتجربةِ العرفانية الشخصيةِ للنبي ’ وهي خاضعة لفهمه الشخصي .
ثانيا : عدمُ الفرقِ بين الأديانِ ، ولا يوجدُ حقٌ يقابلُ الباطلَ فكلاهُما نسبيانِ.
ثالثا: إن وجودَ اللهِ لا يقبلُ الاستدلالَ العقليَ ، ولا بدَ منْ تجربَته ، وهو غيرُ قابلٍ للتجربةِ ، فهوَ مجردُ فكرةٍ غيرُ مبرهنةٍ.
رابعاً: القرآنُ كتابٌ صامتٌ لا دلالةَ لألفاظهِ ولا تحصيلَ لمعانيهِ.
خامساً: تفسيرُ الخاتمية عندهم: هو بلوغُ البشرِ مرتبةَ الرقيِ المستغني عن الاحتياجِ للوحي، فالخاتميةُ هي وصولُ البشرِ لعدمِ الحاجةِ للوحي ، وقدْ بلغناهُ الآن بالتقدمِ الإنساني الملحوظِ.
سادسا : تعاليمُ الإسلامِ لا تتصفُ بالثباتِ والديمومةِ لأنَّ الأحكامَ هي اجتهادُ النبيِ بتجربَتِهِ الشخصيةِ .
سابعا: يجبُ إلغاءُ وتغييرُ الأحكامِ الضرورية الإسلامية الثابتةِ ، بحجةِ إنها أحكامٌ محاصرةٌ بالزمانِ والمكانِ وقد انتفتْ هذه الظروف .
ثامنا: إن ما يشرّعه الإنسانُ الحاليُ من أحكامٍ وضعيةٍ هو صحيحٌ ، وهو الدينُ المطلوبُ ، ومخالفةُ القرآنِ لهذه الإحكامِ الوضعيةِ المتطورةِ يعتبرُ إدانةً للقرآنِ وهو ما ينبغي هجره.
تاسعا: القرآنُ كتابُ أساطيرٍ لا تصلحُ للتصديقِ العقليِ . فالغيبياتُ والقصصُ التاريخيةِ كلُها أساطيرُ مرفوضةٌ.
عاشرا: القرآنُ كتابٌ لا يقاربُ العدالةِ فإنه يظلمٌ المرأةَ في الإرثِ ، ويظلمُ الكافرَ والفاسقَ في الشهادةِ . ويكرّسُ الإرهابَ لأنه يصفُ اللهَ بالجبارِ المتكبرِ، ويساعدُ على فكرةِ قتلِ الإنسانِ بحجةِ قتالِ الكفارِ المعتدينَ. فمنْ الخطأِ ، الرجوعُ إلى القرآنِ والسنةِ ، وإنما يجبُ الرجوعَ للعقلِ الإنساني لرفعِ الظلمِ الذي أحدثَه القرآنُ.

هذا بعضُ ما يطرحه الفكر الحداثوي ، وآخر ما توصلت إليه العبقرية الحداثوية ، وهو كما يرى أي منصف ، تهجمٌ صارخٌ على ديننا ومذهبنا ، ومن حقنا أن نبيّن موردَ الخطأ الذي وقع فيه هذا الفكرُ بعد هذا التهجم.

رأيتُ أن أناقش قضيةً واحدةً من طروحات الفكر الحداثوي ، وهي قضية (صحة القراءات المختلفة للدين) ، وأؤجل دراسة الأسس الفلسفية للهرمنيوتيكا التي هي عمود الفكر الحداثوي ، ومسألة التعددية الدينية ، ومسائل التفسير الحداثوي لنصوص القرآن ، فان هذه كلها مواضيع كبيرة ، ولعل بعض أجزاء موضوع القراءة المتعددة للدين اكبر من قراءته بندوة فكرية واحدة مثل مسألة الباطن والظاهر ، ومسألة الفرق بين الاجتهاد وفكرة القراءة المتعددة .

فلعلنا نتحمس جميعا ونستمر بهذه الندوات للتفاهم العلمي وظهور الحقيقة أمام الجماهير في عالمنا الإسلامي.
--------------------------

القراءةُ المتعددةُ للدينِ :

أولاً : ما معنى القراءاتِ المتعددةِ للدين ؟
تعني أن جميعَ القراءاتِ مهما كانتْ متعارضةً فهي صحيحةٌ وكلُها صوابٌ ، ولا ينبغي التمايزُ على أساسِها ، وليس معناها : إثباتُ وجودِ قراءاتٍ متعددةٍ للدين فقط، فهذا لا إشكالَ عليه ، بل يرادُ منها أنها كلُها صحيحةٌ ولا يوجدُ فرقٌ بينَ حقِها وباطلِها .

القراءاتُ المتعددةُ للدينِ موجودةٌ بالفعلِ في الفكر الإسلامي وهي مشكلةٌ طويلةٌ عريضةٌ، والفكرُ الشيعي له ميزاتٌ وبصماتٌ في تلك القراءاتِ ، ولكنْ لا احدَ من المسلمين يقولُ بأن جميعَ القراءاتِ صحيحةٌ .
وهذه الموجةُ من الدعاوى إنما هي استيرادٌ لبضاعةٍ غربيةٍ تعالجُ مشكلةً غربيةً ومسيحيةً بالذاتِ ، ولا علاقةَ لها من قريبٍ أو بعيدٍ بالفكرِ الإسلامي .
بل إن دعوى صحةَ القراءاتِ المتعددةِ هي دعوى مسيحيةٌ لتصحيحِ مسارِ الكنيسةِ حيث وقعتْ مشاكلُ كثيرةٌ، وهذا الظرفُ لا يمكنُ أن ينطبقَ على الفكرِ الاسلامي والشيعي بالذات، ولهذا فإن بعضَ المسلمين والشيعة التسلقيين الذين اتبعوا فكرةَ القراءاتِ المتعددةِ التي وردتْنا أولاً في العالم السني المحكومِ من قبلِ السلفيةِ الحشويةِ الخاطئةِ التي تشابهُ مسارَ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ , حيثُ تفرضُ رؤاَها اللا عقلانية على النص والدين، فان هذا الانتقالَ سواءً مباشرةً من أبحاثِ الغربِ الكنسيةِ أو من خلالِ الصراعاتِ السنيةِ حولَ تفسيرِ النصوصِ إنما هو جهلٌ من الشيعي بحقيقةِ مذهبِه الفكري ، ولم نقرأْ لحدِ الآن أيَ مؤشرٍ من أحسنِ كتّابِ الحداثةِ ما يشيرُ إلى فهمٍ عميقٍ للفكر الشيعي . بل هي أفكارٌ مناقشةٌ ومردودةٌ بالأدلةِ العلميةِ في الفكرِ الشيعي ، حتى لو غُلفتْ بألفاظِ ومصطلحاتِ العلماءِ الشيعة ، وإنما هي مجردةٌ من محتواها بطريقةٍ دجليةٍ فيها الكثيرُ من التعميمِ وقلبِ المقاصدِ .

المبرارتُ العمليةُ لدى المسيحيين للقراءاتِ المتعددة:

تتلخصُ العواملُ المؤديةُ الى ظهورِ ظاهرةِ القراءةِ المتعددةِ للدين بما يلي :
العامل الأول : تصحيح مسارِ الفكرِ المسيحي حيثُ ظهرتْ مشاكلُ حقيقيةٌ لدى المفكرين المسيحيين ، أورثتْ شكوكاً وتساؤلاتٍ حولَ أصالةِ المسيحيةِ كفكرٍ دينيٍ. وهذه المشكلاتُ وجدوا لها حلاً جاهزاً هو (القراءةُ المتعددةُ للدين) لإنقاذِ المسيحية من الزوالِ وسْطَ الأفكارِ التي لا تقوى عليها ، من هذه المشاكل :
المشكلةُ الأولى : الاختلافُ والتناقضُ في نصوصِ الإنجيلِ والتوراةِ . كما إن تعاليمَ الكنيسةِ تتعارضُ مع نفسِ الديانةِ المسيحيةِ مثل دعوة الكنيسةِ للقتالِ والقتلِ والاغتيالِ بخلافِ تعاليمِ المسيحِ صراحةً، فلابدَّ من القولِ بتعددِ القراءاتِ حتى يغطيَّ على ظاهرةِ الاختلافِ والتناقضُ التاريخيِ والمعنويِ.
المشكلةُ الثانيةُ : تعارضُ الكاتبينِ المقدسينِ مع منجزاتِ العلمِ ابتداءً من عصرِ النهضةِ إلى هذا اليوم . فلا بدَّ من قراءةٍ جديدةٍ رديفةٍ للقراءةِ القديمةِ مع القولِ بصحتهما حتى لا ينهارَ الدينُ المسيحيُ .
المشكلةُ الثالثةُ : تعارضُ النصوصِ المسيحيةِ الأساسيةِ سواءً في الكتابِ المقدسِ أو في النصوصِ الكنسيةِ التفسيريةِ مع العقلِ صراحةً ، مثلَ القولِ بأن التثليثَ توحيدُ يعني أن الثلاثةَ تساوي واحدا ، وأن تجسدَ اللهِ بصورةِ بشرِ ممكنٌ ، وقصصاً خرافيةً عجيبةً مثل مصارعةِ اللهِ معَ يعقوبَ وكسرِ رجلِ اللهِ وهربهِ من يعقوبَ . وشذوذَ الأنبياءِ جنسياً أو مثلَ كتابِ القديسةِ أوستير التي أنقذت بزناها المهولِ بني إسرائيلَ أو كتابَ الجامعة الخلاعي وغيرَه ، وأمثالَ ذلك مما أحرجَ المفكرينَ المسيحيينَ.

العاملُ الثاني: موضوعُ تفردِ الكنيسةِ في السلطةِ وإحداثِ شروخٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ وفكريةٍ. فقد اضطهدتْ السلطةُ الكنسيةُ الشعوبَ ، وفرضتْ عليها قراءةً مختلةً للنصوصِ بلْ حرمتْ فهمَ نصوصِ الكتابِ المقدسِ إلا عبرَ الكنيسةَ حتى لو كانَ خلافَ الظاهرِ من النصِ، وأنشأَتْ الكنيسةُ حروباً ودماءً بين المسيحيين كانت من أغزرِ ما سُفكَ من دماءٍ في كلِ العالمِ وبينَ جميعِ الأديانِ، فأضحتْ الدعوةُ لصحةِ القراءاتِ المتعددةِ حاجةً ملحةً من اجلِ الحفاظِ على الكنيسةِ والتفلتِ من سوءِ ما أحدثتْ من شرخٍ في المجتمعاتِ المسيحيةِ بقراءةٍ جديدةٍ لا تطعنُ بالقراءةِ القديمةِ .

العاملُ الثالثُ: ظهورُ نظرياتٍ فلسفيةٍ غربيةٍ في المعرفةِ تنادي بنسبيةِ المعرفةِ والحقيقةِ ، وأن الحقيقةَ إنما هي من صُنعِ الذهنِ البشري ، فلا يوجدُ أمرُ ثابتُ معينٌ ليكونَ هو الصوابَ حتى يكونَ غيرُه الخطأَ ، وكان هذا ظَرفاً مساعداً على تَقَبُلِ القراءاتِ المتعددةِ للدين ، بل هذه النظرياتُ تبررُ كلَ اختلافٍ في الفكرِ وتصححُ كلَ الأفكارِ مهما كانت متضاربةً .

العاملُ الرابعُ : انتشارُ دعوى أن الرسالةَ عبارةٌ عن تجربةِ عرفانيةٍ للنبي المرسلِ فهي مشاهداتٌ روحانيةٌ بقراءتهِ الشخصيةِ ، وهي قابلةٌ لان يُضافَ إليها قراءاتٌ أخرى من زاويةٍ ثانيةٍ ، وكلُها قراءاتُ صحيحةُ . وهذا إنما نشأ لأنَ الكنيسةَ ترى أن النبوة مستمرةٌ لحد الآن، وان البابا رسولٌ ملهمٌ بطريقِ المكاشفةِ والتجربةِ الشخصيةِ في قراءة الدينِ. فعليه لا داعي للاقتصارِ على رؤيةِ النبي الأساسيِ للديانةِ. وهذا حلٌ مناسبٌ بالنسبة للمسيحيين من أجلِ التخلصِ من مشكلةِ التناقضِ في الوصايا الدينية والرؤى الإيمانيةِ وتعاليمِ الكنيسةِ المتضاربةِ مع أصلِ الرسالةِ التي جاء بها النبيٌ .

العامل الخامس : انتشارُ فكرةِ في الغرب تقول: إن الإيمان هو (إحساسٌ) وليس هو المعرفةُ والتبصرُ بما اُنزلَ على النبي بطريق الوحي ، وهذه الفكرةُ تعطي المبررَ لصحةِ القراءاتِ المتعددةِ وإنْ اختلفتْ مع التعاليمِ الأساسيةِ للدينِ . وهي بنفسِ الوقتِ تبررُ استمرارَ ابتداعِ دياناتِ داخلَ الدين من دونِ شعورٍ بالخروجِ عن الدينِ الأصلي.

العامل السادس : تأثيرُ النظرياتِ الأدبيةِ واللغويةِ في تفسيرِ النصِ :
وهي تشملُ عدةَ نظرياتٍ تساعدُ على تصحيحِ القراءاتِ المتعددةِ للدينِ :

1- نظريات الهرمنيو تيكا (التأويلُ أو القراءةُ التأويليةِ) : وهذه النظرياتُ تحتاجُ منا إلى ندواتٍ كثيرةٍ لشرحِ ماهيتِها وأبعادِها ، ويمكنُ تلخيصُ فهرسِها بشكلٍ مبتورٍ بما يلي:
1-1- الاتجاهُ المحافظُ : وهو يقولُ إنه يمكنُ الوصولُ إلى مقصدِ المؤلفِ من خلالِ المنهجِ العمليِ الذي طرحوا بعضَ معالِمِه ، ويمثلُ هذا الاتجاهُ : شلاير ماخر ، وديلتاي ، وهرش .
1-2- الاتجاهُ المعتدلُ : وهو يقولُ بانَّ التفسيرَ هو حوارٌ جدليٌ خلاّقٌ بين النصِ والمفسرِ ، وهو لا يرتضي القولَ بوجودِ حقيقةٍ موضوعيةٍ ، والمقصدُ دائماً هو مزيجٌ من معرفةِ المفسرِ ومحتوى النص . ويمثلُ هذا الاتجاهَ : غادامر وريكور وإميليوبتي .
1-3- الاتجاهُ المتطرفُ : وهو يؤمنُ بخلاّقيةِ المفسرِ للمعنى ولكنه لا يقبلُ فكرةَ الوصولِ الى الحقيقةِ ، فإنَّ الحقيقةَ ضائعةٌ ولا يمكنُ الوصولُ إليها. فالمعاني محتملةٌ ونسبيةٌ . ويمثلُ هذا الاتجاهَ : نيتشه وهايدغر وفوكو وديردا .
1-4- الاتجاهُ النقدي : وهو يرى أنه فيما لو غرقَ المفسرُ في التأملِ فيمكنُه أنْ يتجردَ عن الخلفيةِ الثقافيةِ له ، وبهذا يمكنُه أنْ يُدركَ النصَ بلا تأثيرٍ شخصيٍ ولكنْ هذه الحالةُ خلافُ عادةِ القُرّاءِ العاديين ، وعليه فهي مجردُ فرضٍ علميٍ بالنسبةِ للواقعِ العملي ، فإدراكُ الحقيقةِ ممكنٌ ، ولكنهُ يحتاجُ إلى تأملٍ شديدٍ . ويمثلُ هذا الاتجاهَ : جون هابرماس وكارل أتو .

وهذه النظريات من ناحية تاريخية تنقسم إلى :
1-1-1- التأويليةُ الكلاسيكية : وروادُها أصحابُ الكنيسةِ البروتستانتية . وهي ترى أن مقصدَ المؤلفِ يمكنُ الوصولُ إليه بالفهمِ الموضوعيِ من خلالِ إزالةِ الغموضِ الذي يكتنفُ النصَ .
1-1-2- التأويليةُ الرومانسية : ورائدُها شلاير ماخر. وهي مبنية على أن لكلِ نصٍ جانبين: موضوعيٌ (وهو نفسُ النصِ) ، وذاتيٌ (وهو فكرُ المؤلفِ والمعنى الكامنُ في ذهنهِ ) ، وفي سبيلِ الوصولِ إلى فكرةِ النصِ الحقيقيةِ يجبُ المعرفةُ بخصائصِ النصِ نفسِهِ ، وبظروفِ المؤلفِ وخلفيتِهِ الثقافيةِ، ولهذا فإنَّ علمَ الدلالةِ عندهُ: هو ما يشتملُ على إزالةِ الغموضِ من النصِ بطرفيهِ الموضوعيِ والذاتيِ .
1-1-3- التأويليةُ الفلسفية : ورائدُها مارتن هايدغر . وقد بنى فكرَهُ على أساسٍ فلسفيٍ مبنيٍ على التفريقِ بينَ الوجودِ والموجودِ، وأن ادراكَ الكائنُ الإنسانِيُ لوجودهِ يساعدُهُ على اكتشافِ ما حَولَه. وأهمُ مُدعياتِه هو استقلاليةُ النصِ عن مبدعِهِ ، والفهمُ هو حوارُ بين النص والمفسر ، وتأثيِرُ الأحكامِ المسبقةِ على الفهمِ . فالفهمُ لم يصنعْه المفسرُ وحده ، ولكن تصنعُهُ خلفيتُهُ المعرفية. وهي التي ساهَمتْ في تكوينِ المعنى . وقد أَسفّتْ هذه المدرسةُ حينما ادعتُ موتَ المؤلفِ وولادةِ المفسرِ أو النصِ ، وتبقى القيمةُ المعرفيةُ - في هذا الاتجاه - احتماليةَ وليستْ مؤكدةً للوصولِ للمعنى ، وليس للنصِ تفسيرٌ نهائيٌ ثابتٌ وإنما يحتملُ تفسيراتٍ متعددةً لا نهائيةً . ولهذا فإنَّ أصحابَ هذه المدرسةِ لا يَرونَ إمكانَ الوصولِ للحقائقِ مهما حاولنا . وهذه النظريةُ رفضَها علماءُ الغربِ ويروّجُ لها مُدّعو الحداثةِ في بلادِ المسلمين تبعاً لتخلفهِم الفكري.
وهذا الاتجاهُ الأخيرُ هو الذي يحملُ رايتهُ الحداثويون المسلمون، وهو طرحٌ يقتلُ نفسَهُ بنفسِهِ ولا يحتاجُ إلى نقاشٍ ، فقد اتجهَ هابرماس إلى أن هذه النظريةَ تنفي نفسَها ، وهي تنفي عمليةَ الفهمِ والردِ والبدلِ من الأساسِ ، واعترض (كارل اوتو ) قائلا : (أغلقتْ هذه النظرياتُ الأبوابَ بوجهِ كلِ نقدٍ وتقييمٍ لأيِ تفسيرٍ ورأيٍ) ، كما اعترض هابرماس (بأنَ هذه النظريةَ تؤدي للنسبيةِ في العلومِ الاجتماعيةِ واعترضَ على عدمِ وجودِ معيارٍ للفهمِ الصحيح من الفهمِ السيئِ). وقد دافعَ علماءُ الغربِ (عن وجودِ منهجٍ ومعاييرَ علميةٍ يمكنُ من خلالها تمييزُ الفهمِ المعتبرِ من غيرِ المعتبرِ وتحصيلُ الفهمِ والتفسيرِ الخارجيِ والموضوعيِ المعيّنِ في العلومِ الإنسانيةِ) وقد أشار هيرش إلى ( أنَّ الهدفَ الأساسيَ من عمليةِ التفسيرِ هو التوصلُ لقصدِ المؤلفِ) وهذا منتهى التحقيرُ للنظرية. وهناكَ مناقشاتٌ علميةٌ غربيةٌ وإسلاميةٌ لهذهِ النظريةِ يطولُ شرحُها ، وكلُها قدْ فَندتْ هذه النظريةَ وجعلَتها في مزبلةِ التاريخِ من الناحيةِ العلميةِ. حيثُ أنها نظريةٌ لا تستطيعُ حمايةَ نفسِها من السقوطِ.

2- نظريةُ فراغِ الألفاظِ الدينيةِ من المعنى: وهي نظريةُ (جماعةُ فيّنا) وخلاصتُها : أن كلَ لفظٍ غيرِ قابلٍ للتجربةِ والاختبارِ هو خالٍ من المعنى ولا يوصفُ بالصحةِ والصوابِ ، فلا هي صادقةٌ ولا هي كاذبةٌ ، وهذا القدرُ من الفهمِ للألفاظِ الدينيةِ يجعلُها مقبولةً عندَ المسيحيينَ، فالنصُ غيرُ كاذبٍ حتى لو عاند العقلَ ، والفكرةُ تعتمدُ على أن المعيارَ للحقيقةِ هو المنهجُ التجريبيُ الحسيُ ، والقضايا الدينيةُ هي ما وراءَ الحسِ ، فلا يمكنُ الحكمُ عليها من الأساسِ فتبقى عائمةً.
3- نظرية رمزية اللغة الدينية : وهي تعني بأنَّ الكتابَ المقدسَ النصراني يحتوي على أمورٍ لا يمكنُ تفسيرَها على ظاهرِ ألفاظِها ولهذا ذهبوا إلى ان المقصودَ منها هو الرمزُ وليس الحقيقةَ ، مثلَ الجنةِ والنارِ والشيطانِ والملائكةِ والجنِ وهكذا ، وكان سببُ هذا القولِ هو عدمَ معقوليةِ بعضِ مفاهيمِ الدينِ المسيحيِ مثلَ أنَّ الواحدَ يُساوي ثلاثةَ أو التجسيدَ أو الوقائعَ التاريخية التي لم تَثبتْ او ثبتَ عكسُها. كما أنَّ من الأسبابِ التناقضُ في نصوصِ الإنجيلِ والتوراةِ مع العلمِ ، فقالوا بالرمزية وعمَموها على المعقولِ من النصوصِ . وهذه النظريةِ اقتبَسها بعضُ المسلمين ليسلّموا بتعميمِ الرمزيةِ في القرآن الكريم ، معتمدين على وجودِ الأدواتِ البلاغيةِ فيه ، فبما أنهُ يوجدُ في القرآنِ مجازٌ وكنايةٌ وتشبيهٌ واستعارةٌ ومثلٌ وغير ذلك ، فإذنْ ادمُ لا وجودَ له وقصة إبراهيمَ قصةٌ خياليةٌ أخلاقيةٌ، والطوفانُ عملٌ رمزيٌ أخلاقيٌ والعبادةُ إشارةٌ الى التقربِ من الله وهكذا . وهذا يحتاجُ إلى أبحاثٍ واسعةٍ لبيانِ الخللِ الذي ارتكبهُ الحداثويون المسلمون في هذه القضيةِ رغمَ اعترافِنا بأنَّ التأويلَ على مراحلَ متعددةٍ، فمنه ما هو تفسيرٌ للظاهرِ من اللفظِ ومنه ما هو بيانٌ للمقصدِ بخلافِ الظاهرِ ، ومنه ما هو رمزٌ . فللقران ظاهرٌ وباطنٌ وللباطنِ باطنِ حسبَ تفسيرِنا الصحيح . ولكنْ هذا لا يعني أن كلَّ النصِ الدينيِ رمزُ لا يمكن فهمه.

العامل السابع : قياسُ النصوصِ الدينيةِ بالنصوصِ الأدبيةِ الخياليةِ وتعميمُ الدلالةِ الأدبيةِ المتخيلةِ على النصوصِ الدينيةِ : وكما هو معروفٌ فإنَّ النصوصَ الأدبيةَ تعتمدُ على تحريكِ الخيالِ وبعثِ الإيحاءاتِ والمشاعرِ ، فيكونُ مدارُ الإثارةِ في النصِ الأدبيِ بما يخلقُ من تزايدِ في المشاعرِ والإيحاءاتِ وهذا يعني أن المحورَ في فهمِ النصِ هو ذاتُ المفسرِ أو المتلقيِ بخلافِ المسلكِ العقلائيِ الذي يشيرُ إلى أنَّ المحورَ في العلومِ والقوانينِ هو المؤلفُ ومُنشئُ النصِ وليس مفسرَهُ ، وعملُ المفسرِ انما هو في مقدارِ اْستكشافِ إرادةِ المؤلفِ. فالذي قامَ به الحداثويون الأوربيون هو خلطُ الأوراقِ وحملُ النصِ الدينيِ على النصِ القصصيِ الخياليِ . وبهذا يصححونَ النصَ الدينيَ مهما اضطربَ ، خدمةَ لدينِهم المنهارِ في خضمِ التقدمِ العلميِ، بخلافِ تصرفِ الحداثويينِ المسلمينِ من تفنيدِ النصِ باختراعِ قراءاتٍ مختلفةٍ حتى تنهدمَ بنيةُ النصِ ، والحداثويُ المسلمُ يقصدُ ان النصَ الدينيَ المعيّن لا ينفعُ بسببِ ما اخترعَه هو من معنىً مغايرٍ ، فيقترحُ علينا ان نأتيَ بنصِ آخر من بابِ الديمقراطيةِ في قراءةِ النصِ والاختيارِ الحرِ للمفسرِ ، فهم يُريدون لصقَ عيبٍ بالدينِ بتحريكِ الخيالِ في فهمِ النصِ، بخلافِ عملِ الغربيينَ الذينَ يريدونَ إخفاءَ عيبِ دينِهم . وهذا هو الفرقُ بين من يعتزُ بانتمائِه وحضارتِه ويحميَها من السقوط، وبينَ الذيولِ الذينَ يهدمونَ حضارتَهم القويةَ بمعاولَ من خشبٍ . ولهذا فالحداثويونَ الأوربيونَ اغلبَهم متدينونَ يدعمونَ دينَهم السقيمِ ، والحداثويون المسلمون اغلبُهم متحللونَ اخلاقياً و فكرياً ، يهدمون دينَهم السليمَ، ويرون أنهم يُحسنون صنعاً متبعين هايدغر وغيره، ممن لا هوية لهم.
=================
ومن اجلِ المناقشةِ القصيرةِ مع القائلينَ بتعميمِ القراءةِ الأدبيةِ على النصِ الدينيِ، بالإضافةِ للقائلينَ بتعددِ القراءاتِ بشكلٍ عامٍ، نقولُ ما يلي :
أولا : إنَّ النصَ الأدبيَ هو بذاتِه يُعطي الحقَ لقارئِه بالخيالِ وتحريكِ المشاعرِ الداخليةِ ، بينما النصُ الدينيُ إما أوامرٌ وأحكامٌ وإما حقائقٌ مستكشفةٌ كالقيمِ والصورِ ، وهذا يحتاجُ إلى بيانِ قصدِ المشرّعِ للدينِ، حتى يكونَ الإتباعُ في العملِ والتصورِ مطابقاً لما هو مأمورٌ به ، ولو كانتْ الرؤى الأدبيةُ مقبولةً في القانونِ لكانتْ المحاكمُ تحكمُ وفقَ خيالاتِ الترياكيةِ وأصحابِ المخدراتِ الذينَ ينتجونَ أروعَ منتجاتِ الخيالِ البشريِ الصرفِ . على أنَّ اغلبَ الأدبِ يحتاجُ إلى معرفةِ قصدِ المؤلفِ، وليسَ القولُ بأنَّ الأمرَ متروكٌ للمفسرِ هو قولٌ دائمٌ في الدراساتِ الأدبيةِ، كما يعلمُ ابسطَ أديبٍ أو دارسٍ للأدبِ. بل هناكَ أقوالٌ في الهرمنيوتيكا تقولُ لابدَ من معرفةِ ظروفِ المؤلفِ وعقلهِ وغير ذلك، ويقصدونَ بذلكَ تحليلَ المقاصدِ ومعرفتها منْ ظروفِ وضعِ النصِ ، وليسَ نفيَّ مقاصدَ المؤلفِ .

ثانيا : إن اختلافَ التفاسيرِ والرؤى بينَ الفقهاءِ والمفكرينَ لا يعني أن جميعها مقصودةٌ، وكلَها صحيحةٌ، حيث يحدثُ التناقضُ بين نصوص الدين تبعا للرؤى المختلفة، وفي الدينِ الإسلاميِ هناكَ قضايا يقينيةٌ وثابتةٌ، وهناك قضايا ظنيةٌ يمكنُ الاختلافُ فيها ، وهي كلُها محلُ نظرٍ بالدليلِ ، فمنْ اتبعَ الدليلَ في نظرةٍ معينةٍ، فقد اقتربَ منْ قصدِ الشارعِ بقدرِ استطاعتِه وحسبَ صحةِ مبانيهِ . وهنا تبرزُ نظريةُ (الاجتهادِ) وليسَ نظريةَ (تعددِ القراءاتِ) وصحتِها . فلا يمكنُ أنْ يكونَ الاختلافُ الاجتهاديُ مبرراً لتعددِ الحقائقِ وبالتالي صحة تعدد القراءاتِ ، إنما كلٌ ملزمٌ بما دلَ عليهِ الدليلُ ، وهذا يعتمدُ على قاعدةِ التخطئةِ للمجتهدِ التي نقول بها، بخلافِ غيرِنا الذي يقولُ بالتصويبِ . وبهذا فلا معنى لأنْ نطبقَ الدلالةَ الأدبيةَ على النصِ الدينيِ بسببِ الاختلافِ في الاجتهادِ ، بل نرى أنَّ المجتهدَ المخلصَ إما معذورٌ أو مصيبٌ ، ولا نقولُ بالصوابِ لكلِ أقوالِه ، وعلى هذا فإنَّ القولَ الحقَ هو واحدٌ ، ومنْ لمْ يصبْهُ قصوراً فهو معذورٌ ، وإذا كانَ قاصراً فهو آثمٌ ، فليسَ كلُ ما يقولُهٌ الفقيهُ صائبٌ، وليس منْ حقِ الفقيهِ أن يَجتهدَ في الضرورياتِ ولا مقابلِ النصِ ، بخلافِ القراءةِ المتعددةِ للنصِ الأدبيِ . وهذا ما يؤكدُ عليه الفكرُ الشيعيُ ، ويقطعُ حجةَ الحداثوي من تعميمهِ لصحةِ كل قراءاتِ النصِ الدينيِ استناداً إلى وجودِ الاجتهاداتِ المختلفةِ بينَ الفقهاءِ.

ثالثا : نظريةُ تعددِ القراءاتِ في حقيقتِها مبنيةٌ على نسبيةِ المعرفةِ ونظريةِ الشكِ، وهذه النظريةُ تبطلُ نفسَها على اقلِ تقديرٍ ، فإنَّ صحةَ الشكِ بكلِ نظريةٍ تنطبقُ عليها نفسِها، وكذا النسبيةُ فتكونُ هي بنفسِها ليستْ من الحقائقِ التي يمكنُ أنْ تكونَ طريقاً لتفسيرِ الحقائقِ ، (فاقدُ الشيءِ لا يعطيه). ثم إنَّ هذهِ النظريةَ مخالفةٌ للوجدانِ وللعلمِ ، وقدْ هجرَها الغربُ في المجالاتِ العلميةِ، وبقيتْ في المجالاتِ الأدبيةِ والدينيةِ تُلاكُ بصورةٍ ظلاميةٍ غريبةٍ، وكأنَّ المقصودَ بها المجتمعاتُ خارجَ المجتمعِ الغربيِ أو هي للضحكِ على الذقونِ، لأنها غيرُ قابلةٍ للتطبيقِ في أيِّ مجالٍ علميٍ . بل ظهرتْ الآن نظرياتٌ تحاولُ أنْ تزيلَ مفهومَ الشكِ المربكِ حتى من المجهولاتِ كما فعلَ الرياضيون سابقاً ، وقد اعتمدتْ في ذلكَ طرقاً في الذكاءِ الصناعيِ مثلَ المنطقِ الضبابيِ (فوزي لوجيك) وغيرِهِ من محاولاتٍ تعملُ عليها الروبوتاتُ والآلاتُ بدونِ قائدٍ . وبقيَّ جماعةُ الحداثويةِ المسلمينَ يتمسكونَ بمفهومِ الشكِ ونسبيةِ الحقيقةِ، بما كانَ عليهِ فلاسفةُ القرنِ الثامنِ عشرَ والتاسعِ عشرَ الميلادي، بينما هم يريدون الظهورَ أمامَ المجتمعِ المسلمِ بمظهرِ التطورِ والمجاراتِ للحياةِ العصريةِ ، وهم لا يعلمون مستوى التخلفِ الذي وقعوا فيه .

رابعا: إنَّ أصحابَ نظريةِ تعددِ القراءاتِ المسلمينَ، يركزونَ على قضيةٍ هي خلافُ نظريتِهم بالتمامِ ، بل تبطلُ نظريتَهم علماً وعملاً، فهم يحرصون بشدةٍ على إثباتِ خطأِ القراءاتِ السابقةِ ويحاولونَ تصحيحَها ، وهذا نبذُ ظاهرٌ لنظريةِ صحةِ تعددِ القراءاتِ ، وقولِهم بالحريةِ في اختيارِ المعنى المناسبِ للمفسرِ حسبَ خلفيتهِ ، فإنَّ أيَ محاولةِ تصحيحٍ هي قتلٌ لنفسِ النظريةِ بما يجعلُها غيرُ قابلةٍ للتطبيقِ ، والدعوى لها تصبحُ مجردَ حركةِ دجلٍ فكريٍ يمارسٌ مع البسطاءِ لتمشيةِ الأغراضِ الخاصةِ بالحداثوي ، فإذا كانت كلُ القراءاتِ صحيحةً فلماذا يريدُ الحداثوي أنْ يُصححَ القراءاتِ السابقةِ؟ أو ينفي القراءاتِ التي تنقض غزله ؟ وتصرفَه يعني أنه يريدُ منا أنْ نقبلَ تفسيرَه للنصِ الديني بخلافِ ضروراتِ ديننا الحنيف ، بينما هو لا يقبلُ تفسيرَنا لنفسِ النصِ ويرفضَه متعالياً وكأنه يملكُ الحقيقةَ وهو يقول بنسبية المعرفة!! فهذا تناقضٌ من جهةِ الفكرِ ، ودجلٌ ظاهرٌ من جهةِ العملِ .

خامسا : انعدامُ العواملِ التي أدتْ إلى ظهورِ القراءاتِ المتعددةِ للدينِ المسيحيِ ، فلا يوجدُ كلُ هذهِ المشاكلِ في الدينِ الإسلاميِ ، فما المبررُ لتطبيقِ نظرياتٍ وحلولٍ لمشاكلِ الدينِ المسيحيِ المحرّفِ المتهاوي من كثرةِ البدعِ والانحرافاتِ على التشيع مثلا؟ الذي يحملُ انصعَ الأفكارِ وقد بين خللَ كلَ الادعاءاتِ للاختلافِ والتناقضِ بما يؤكدُ جهلَ المشكلِ نفسهِ، وكان ذلك أساساً على يدِ أئمتِنا عليهم السلام ومن بعدِهم العلماء زاد اللهُ في شرفِهم.
فتعميمٌ صحةِ القراءاتِ المتعددةِ للفكرِ المسيحيِ وتعديِها لنصوصِ الإسلامِ والتشيعِ بالذات ، هو قياسٌ مع الفارقِ ، وقد ذكرَ احدُ الباحثينَ أن سبب استعارةِ نظريةِ القراءاتِ المتعددةِ من قبلِ بعضِ المسلمينَ هوَ ما يلي :
1- الانبهارُ بالغربِ ومنجزاتِه وأفكارِه المتحركة .
2- تبريرُ بعضِهم بأنَّ هذهِ طريقةٌ لتقريبِ المذاهبِ .
3- العاملُ السياسيُ : حيثُ أنَّ الحكوماتِ المسلمةِ التابعةُ سياسياً للغربِ استلمتْ أوامرَ بنشرِ هذا الفكر من اجلِ تسويقِ رؤيةً غربيةً مسيحيةً في العالمِ الإسلاميِ فإذا لم يقتربِ المسلمونَ من الغربِ فهم سيتشتتون فكرياً. وسيهدمون بايديِهم دينَهم الذي هو عصمةُ أمرِهم.
ويمكن ان نضيف إليه التالي :
1- التحللُ الأخلاقيُ والانحرافُ الذاتيُ في طبائعِ بعضِ المؤسسينَ لهذا الفكرِ واستيرادِهِ، وانخداعِ البسطاءِ بهم.
2- طلبُ الجاهِ والترقيِ في درجاتِ المناصبِ ، وهذه وسيلةٌ سريعةٌ في إثباتِ غموضِ شخصيةِ المتمسكِ بهذه المقولاتِ (خالف تعرف) وهو مما يستدعي أنْ يكونَ محوراً للنقاشِ في المجتمعِ ، فيشتهرُ شخصُهُ بين الناسِ وينالُ مطلَبهُ ، لأنه لا يستطيعُ أنْ يفعلَ ذلك بينَ فحولِ العلماءِ ، فأدواتُهُ قاصرةٌ عن مقارعةِ الفحولِ فيلجأ إلى السهلِ.

ونقولُ أخيراً أنَّ نظريةً تقولُ بأن النصوصَ فارغةُ من المعنى وأنَّ معانيها لا تدركُ ، بينما أصحابُها يمارسونَ عمليةَ فهمِ النصوصِ علانيةً ، لهي نظريةٌ دجليةٌ متخلفةٌ ، مبنيةٌ على خلافِ العقلِ وعملِ العقلاءِ .
وعملُهم بالتفتيشِ عن المعنى بعدَ قولِهم بعدمِ ثباتِه وعَدِم موضوعيتِهِ فهو كعملِ من يفتشْ في المزبلةِ عن الأكلِ النفيسِ، حيثُ أنَّ عملَهُ خلافُ مفروضِ القضيةِ أصلاً.
وهذا هو الجهلُ .
وهذا هو السطحيةُ .
وهذا هو الدجلُ الحقيقيُ .
{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(الإسراء/105).
{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(الطارق/14).
{لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42).
{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا}(النساء/87).
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}(المرسلات/7).

المهيمن: تأملات في سفر يونان بن حجي

الكاتب: الشيخ مصطفى الهادي

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
المهيمن
تأملات في سفر يونان بن حجي

بعد تدمير دولة اليهود على يد البابليين وإحراق مدينتهم وتدمير الهيكل بحيث أصبحت المدينة تلا من التراب تأوي إليها الثعالب, وسوق ما تبقى من اليهود سبايا إلى بابل وضياع التوراة بصريح التوراة نفسها. حاول اليهود بعد أن حررهم كورش لملمة شتات ما تبقى في الذاكرة لتدوين كتابهم المقدس. فاصطبغت التوراة بأحداث ما قبل وما بعد السبي، ولكن الذي طغى على هذا الكتاب هو روح الانتقام والتشفي من البشرية التي أذلت اليهود وأنهت حضارتهم وإلى الأبد بحيث أصبحوا شراذم يتوزعون في شتات الأرض طلبا للعشب والماء همهم الحفاظ على أغنامهم وتيوسهم، فبقوا طيلة حياتهم يحلمون بأرض تفيض عليهم لبنا وعسلا فدونوا مواصفات هذا الأرض في توراتهم فكانت حدود هذه الدولة كل موضع تدوسه اخامص أقدامهم.

دوّن اليهود التوراة من الذاكرة، فاختلطت أمور كثيرة في نصوص التوراة فكانت الخرافة والأسطورة وما كانت تؤمن به الشعوب من خرافات وعقائد وقصص وتراث وتاريخ شعبي حافل بالأوهام هذا النسيج المضحك كوّن اللبنات الأولى للتوراة التي تبلورت على مر السنين عن التوراة الحالية. ولكن من بين كل هذه التداعيات النصية الخطيرة، تم تدوين ما علق في الذاكرة من التوراة الأصلية خصوصا وقد حرص الكاهن عزرا على ملاحقة تلك النصوص التوراتية في زوايا ذاكرة من تبقى من الأحبار وكبار كهنة المعبد (( السنهدريم)) فكانت هناك نصوص صحيحة نطق بها الوحي على لسان موسى وقد عرفنا ذلك من خلال مطابقة ما جاء في القرآن الكريم من قصص وروايات وعبر وتاريخ الأمم وحالات بعض الأنبياء مع ما موجود في الكتاب المقدس بشقية القديم والجديد.
ذكرنا في بحوث سابقة بعضا من هذه النصوص التي جاء القرآن مؤيدا لها ومصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل. أي لبعض ما في هذين الكتابين وليس كلهما.

ومن ذلك ما جاء في سفر يونان بن حجي، الذي ذكر قصته القرآن الكريم على أنه النبي (يونس). فقد تطابقت هاتين الروايتين تطابقا يكاد يكون حرفيا لولا بعض التطويلات والامتدادات التي جاءت بها التوراة والتي تُثبت بأن للخيال البشري يدٌ فيها ومع ذلك فإننا نقرأ من سطور سفر يونان بأن القرآن عندما شهد لنفسه بالهيمنة على الكتب السماوية وحراستها من التحريف والتلاعب فإنه صادق في مدعاه. حيث أنه حرس الكتب الأصلية المفقودة ولكنه عندما يعثر على نص صحيح في هذه الترجمات المتداولة الحالية فإن القرآن لا ينكره بل يؤيده، وبذلك أشار لنا القرآن الكريم ولو من طرف آخر بأن بعض تلك النصوص الموجودة في الترجمات الحالية مطابق لما في الكتب المقدسة الأصلية المحفوظة في مكان ما عند شخص ما، وهي نصوص صحيحة وإن شابها بعض التلاعب الذي لا تأثير لهُ على جو القصة العام. ولربما يكون هذا التلاعب غير مقصود من قبل المترجمين وإنما حدث تبعا لفهم المترجم للنص، أو العي الذي قد يُصيب المترجم نتيجة عدم فهمة للنص فيترجم النص بشروحات وتطويلات لا داعي لها.
فماذا نلاحظه في سفر يونان بن حجي والذي شهد القرآن على صحته ؟
نأتي أولا على ذكر ما جاء به سفر يونان وهو جزء حُشر حشرا في العهد القديم. ولكن الطبعات الحديثة تستل هذا الجزء في كراس مستقل تحت اسم ((سفر يونان)) والمطبوع في مطبعة دار الكتاب المقدس طبع مصر عام 1993 والمرفقة صورته مع هذا البحث.

((وصار قول الرب إلى يونان... قائلا : قم واذهب إلى نينوى... ونادي عليها لأنهُ قد صعد شرهم أمامي... فهرب يونان ـ ناقما ـ ووجد سفينة ونزل فيها فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر حتى كادت السفينة أن تنكسر فقال بعضهم لبعض هلم نلقي قرعة لنعرف بسبب من هذه البلية. فوقعت القرعة على يونان ثم أخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر عن هيجانه فأعد الرب حوتا عظيما ليبتلع يونان فكان يونان في جوف الحوت فصلى يونان إلى الرب من جوف الحوت فقذف الحوت يونان إلى البر فأعد الرب الإله يقطينة لكي يخلصهُ من غمه... فأرسله إلى نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثني عشر ربوة من الناس )).
هذه هي قصة يونان ( يونس) والحوت في التوراة في سفر يونان.
فماذا يذكر لنا القرآن من ذلك ؟
قال تعالى في كتابة العزيز في سورة الصافات حاكيا عن قصة يونس والحوت : ((وأن يونس لمن المرسلين إذا ابق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين. وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، فأمنوا فمتعناهم إلى حين )) الصافات

ماذا نقرأ في النصين ؟

وان يونس لمن المرسلين إذ ابق. يعني ذهب هاربا خوفا، فهرب يونان ناقما، إلى الفلك المشحون، الممتلئ بالناس والمتاع فساهم فكان من المدحضين، فقال بعضهم لبعض هلم نلقي قرعة ـ ساهم ـ يعني نضرب السهام لنقترع على من تقع القرعة. فالتقمه الحوت. فأعد الرب حوتا عظيما ليبتلع يونان. فلولا انه كان من المسبحين.فكان يونان في جوف الحوت يصلي إلى الرب. فنبذناه في العراء. فقذف الحوت يونان إلى البر. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين. فأعد الرب الإله يقطينة عظيمة. وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فأرسله إلى نينوى إلى اثني عشر ربوة من الناس.
وهنا نقف وقفة قصيرة في عدد من كانوا في نينوى.
سفر يونان يقول : (( فأرسله إلى نينوى المدينة العظيمة التي وجد فيها أكثر من اثني عشر ربوة من الناس ))
الربوة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس تتكون من عشرة آلاف إنسان. فإذا كان في المدينة اثنا عشر ربوة، فهذا يعني أن فيها من مائة ألف إلى مائة وعشرون ألف.

القرآن الكريم ذكر أنه تعالى أرسل يونس إلى مائة ألف أو يزيدون. فتمعن معي في كلمة ((أو يزيدون)) ! القرآن الكريم لم يغفل هذه الزيادة لأن الربوة يختلف عدد الأفراد فيها عند الرومان وعند اليهود فاليونان في تعداد أورشليم (الاكتتاب) ذكروا بأن الربوة هي ثمانية آلاف، بينما يذكر اليهود في معركة جليات بأن شاول كان في جيشه عشرة ربوات والربوة فيها عشرة آلاف مقاتل وهذا يعني مائة ألف مقاتل. والقرآن الكريم لم يغفل عن هذه الملاحظة وذكر النص مترددا بين الفهم الروماني للعدد والفهم العبري للعدد، فقال تعالى : مائة ألف. أو يزيدون.

فسبحان الله تعالى
نص آخر قدمناه هنا إضافة إلى ما تقدم من نصوص وردت في بحثنا : ظلامة الزهراء : هل تنبأ يوحنا بما يحدث للزهراء.
وإلى مزيد من النصوص التي تُثبت بأن القرآن مهيمن على الكتب الأخرى.

خرافة المعمودية: هدم حصن آخر من حصون النصارى

الكاتب: الشيخ مصطفى الهادي

هناك إشكالات تطرح نفسها بقوة من خلال نصوص الكتاب المقدس استفتينا فيها أكثر من رجل دين مسيحي بعضهم من نفس المذهب وبعضهم من مذاهب مختلفة. فجاءت الأجوبة لتزيد من حيرة السائل حيث تضاربت بشكل مثير للشفقة وكأنها لم تصدر من مصدر واحد (الوحي) حتى يخال إليك أن المجيبين على هذه الأسئلة ليس لهم علاقة بهذا الدين الذي يُدينون به.
طرحنا فيما مضى من البحوث بعض هذه الإشكالات وتسببنا في انهيارها وبطلانها.واليوم نطرح هنا إشكالا لعله الأخطر من بين كل الإشكالات التي طرحناها وعالجناها في مواضيع سابقة. تلك هي ((شعيرة المعمودية))
قبل الدخول في الموضوع علينا أن نعرف ما هي المعمودية.
تشير الكلمات اليونانية المترجمة إلى (عمد)، (معمودية) وما يتبعها من مفردات إلى التغطيس أو الغمر الكامل في الماء. يقول قاموس سميث للكتاب المقدس في مادة عمّد أن معنى المعمودية الحرفي والصحيح هو التغطيس. ومن هنا فقد أطلق على يوحنا بأنه (يوحنا المغطِّس).
ويقول أوغسطس نياندر في مؤلفه تاريخ الدين المسيحي والكنيسة، خلال القرون الثلاثة الأولى: كانت المعمودية في الأصل تُجرى بالتغطيس.
كما يعلق المرجع الفرنسي المشهور لاروس القرن العشرين، باريس 1928فيقول: اعتمد المسيحيون الأولون بالتغطيس حيثما وجد ماء.
وتذكر دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة فتقول: من الواضح أن المعمودية في الكنيسة الباكرة كانت تجري بالتغطيس. راجع دائرة ا لمعارف الكاثوليكية الجديدة المجلد الثاني الصفحة 56 سنة 1967. ولذلك فإن المعمودية الكاملة التي تطهر صاحبها من الذنوب والآثام هي بالتغطيس الكامل وأي جزء لم يمسه الماء، فهذا الجزء يبقى مصدر عذاب لصاحبه لأنه لم يتطهر.
إذا كانت المعمودية واحدة،هي رمس كامل الجسد بالماء ولكن لم يمض زمن عليها حتى أصبحت معموديات تُمارس بطرق مغايرة لما موجود في كتابهم المقدس.
فبينما نرى أن إيليا كان يعمد الناس في النهر بأن يغطسهم فيه ـ كامل الجسد ـ، وجاء عيسى وتلاميذه ليفعلوا ذلك أيضا فلم نجد في الكتاب المقدس إي إشارة إلى أن التعميد حصل في أحواض أو آنية أو أجران وآبار. ويبدو من خلال النص أن الماء يجب أن يكون جاريا لتحصل الطهارة الكاملة. المسيح نفسه عُمد بهذه الطريقة. ولكننا نراها وبمرور الأيام تتغير فتصبح رمسا في الأحواض الكبيرة ثم تتطور لتصبح قطرات تُصب على رأس الطفل مأخوذة من إناء موجود أمام المذبح. بينما في نصوص الإنجيل نجد أن السيد المسيح تم تعميده في نهر الأردن على يد إيليا النبي، ثم أخذ المسيح يُعمد الناس في الأنهار والعيون الجارية كما نرى في هذا النص: ((يوحنا أيضا يعمد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة )).
لقد طبق التعميد في حياة السيد المسيح عليه السلام وشطرا من الفترة التي جاءت بعد رحيله ولكن فجأة تغير النص من التعميد بالماء إلى التعميد بالثالوث ! فمتى قال السيد المسيح ذلك وهذه بعض المخطوطات الأقدم من الإنجيل لم تذكر ذلك. لا، بل أن الكثير من علماء المسيحية رفضوا أن يكون السيد المسيح قد أمر أن يُعمد المسيحي بالثالوث.
ففي مخطوطة شيم توف لإنجيل متى الإصحاح 28 الفقرة من 8 ـ 20 والتي عُثر عليها قبل سنين لم يرد أي ذكر للثالوث فالنص واضح لا غبار عليه وهو يقول: اذهبوا وتلمذوا الأمم وعمدوهم باسم المسيح. ( راجع الموسوعة الكاثوليكية المجلد الثاني ص: 238).
فلم يمض إلا زمن قصير حتى يفاجئنا نفس الإنجيل بعبارة مغايرة تماما وهي: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس ثلاثة في واحد.
الغريب أن نص المعمودية بالثالوث الوارد في متى لم نراه في إنجيل مرقص ! فقد أورد مرقس فقرة مغايرة جدا حيث قال: ((اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا للإنجيل للخليقة كلها )). راجع إنجيل مرقس الإصحاح 16: 15.
وأما لوقا في إنجيله فقد قلب النص بشكل غريب بحيث انقطعت الصلة بينه وبين النصوص الأخرى التي ذكرناها فلم يورد ولو أي إشارة صغيرة إلى ذكر الثالوث. فقال: (( وأن يكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم)) إنجيل لوقا الإصحاح 24: 47.
وأما يوحنا في إنجيله فقد سكت عن مسألة التعميد فلم يورد أي حرف مما ذكره كتبة الأناجيل قبله.
ونتساءل هنا. إذا كانت المعمودية هي المدخل للإيمان المسيحي وأنا المطهرة للناس من الآثام والخطايا، فلماذا لم يحصل اتفاق بين كتبة الأناجيل حول الصيغة التي ذكرها السيد المسيح في خاتمة إنجيل متى ؟ ولماذا هذا التضارب والاختلاف المريع بين الأناجيل الثلاث حول كيفية التعميد هذا إذا أضفنا سكوت يوحنا عن ذلك فلم يورد ولو إشارة صغيرة إلى مسألة التعميد ولا الثالوث.
المشكلة أن النصارى وفي عملية انتقائية اختاروا التعميد بالتثليث ولا ندري السبب الذي جعلهم يعزبون عن الأناجيل الثلاث التي لم تذكر مسألة التثليث لا بل ويعزبون عن قول بولص الذي نفي التعميد والتثليث جملة وتفصيلا.
أليس في ذلك انهيارا لشريعة التطهير والدخول إلى الإيمان المسيحي ؟
يضاف إلى ذلك مراجع كثيرة نفت أن يكو السيد المسيح أمر بأن يُعمد الناس بالثالوث ومنها على سبيل المثال تفسير العهد الجديد لتيندال الجزء الأول ص 275. والذي ذكر فيه حرفيا تلك الإضافة وأنها ليست من السيد المسيح فقال: ((أن من المؤكد أن الكلمات: باسم الأب والابن والروح القدس)) ليست النص الحرفي لما قال عيسى ولكن إضافة دينية لاحقة.
هذا النص الغريب الدخيل بان زيفه من خلال قول بولص الذي نفى تماما أن يكون المسيح قد أوصاهم بالتعميد ناسفا بذلك هذا النص برمته حيث يقول: ((المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر)). بولص هذا الذي أبطل شريعة الختان فأطاعه النصارى برمتهم وإلى يوم الناس هذا. فلا ندري لماذا لم يُطيعوه في مسألة إبطال شريعة التعميد ؟
يضاف إلى ذلك أن شعيرة التعميد نفسها لم تثبت من خلال الأناجيل. وذلك للتضارب أيضا بين الأقوال حول هل أن السيد المسيح عمّد المهتدين بيديه أم لا وهل قام المسيح بالتعميد أولا. فمثلا هناك نص يقول بأن السيد المسيح كان( يُعمد الناس بيده ). فيما نرى وعلى رمية حجر من هذا النص هناك نص آخر يُفند ذلك ويزعم أن (المسيح لم يُعمد)، بل التلاميذ هم الذين كانوا يُعمدون.
النص الأول يقول بأن السيد المسيح كان يُعمد هو ويوحنا كل من يأتيهم من الناس فيغمسونه في النهر ليطرحوا عنه ذنوبه فيعود كيوم ولدته أمه: ((وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى ارض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يعمد. 23وكان يوحنا أيضا يعمد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويعتمدون))
ولكننا نرى أن النص في مكان آخر يتغير لينفي كون المسيح يعمد، بل تلاميذه هم الذين يفعلون ذلك: (( مع أن يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه)) إنجيل يوحنا الإصحاح 4: 1
تبدأ حكاية التعميد أن السيد المسيح بزعمهم أنه أمرهم بأن يذهبوا ويعمدوا جميع الأمم. ولكننا عندما استعرضنا النص في إنجيل متى وجدنا أن السيد المسيح لم يأمر بتنصير جميع الأمم بل أمرهم أن يُتلمذوا بعض الناس من الأمم. والنص التالي يوضح ذلك: ((اذهبوا وتلمذوا أناسا من جميع الأمم وعمدوهم)) إنجيل متى الإصحاح 28: 19.
هذا النص جرّ الويلات على الناس حيث أن الكثير من الطغاة الذين حاولوا ضم بعض المناطق تذرعوا بالمسيحية من أجل فرض سيطرتهم على هذه المناطق ففهموا كلمة ((عمدوهم)) بأنها تعني اجبروهم على اعتناق المسيحية بالقوة. فقد أجبر الملك الفرنكي شارلمان، السكسون الذين أخضعهم إلى سلطانه بالقوة أن يعتمدوا معمودية جماعية فغطسهم بالأنهار من سنة (775 ـ 777) وقد استمرت العملية سنتين في مطاردة مريعة راح فيهما الكثير من الضحايا ممن رفض التعميد وفضل البقاء على ديانته.
وعندما تزوج الحاكم الروسي فلاديمير الأول أميرة من الأرثوذكس اليونان سنة 987 بـ م وشرطت عليه أن يعتنق ديانتها وأغرته بما تملكه من مزايا فائقة في الجمال. قرر أن يصيّر رعاياه مسيحيين ولو بالإكراه. فأمر بإجراء معموديات جماعية لشعبه، مهددا كل من يعصي هذا الأمر بالقتل ! وقد راح ضحية عملية التعميد القسري هذه الكثير من أفراد شعبه إكراما لعيون زوجته اليونانية التي دستها البابوية الحاكم الروسي بغية تحويل هذه الشعب إلى الأرثوذكسية.
الإشكال الأخير
يعلم النصارى علم اليقين أن التعميد هو معمودية التوبة من الخطايا والذنوب فقد عمّد يوحنا الناس كرمز علني إلى ((توبتهم عن الخطايا )) راجع إنجيل لوقا الإصحاح 3:3.والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:لماذا اعتمد السيد المسيح على يد يوحنا في نهر الأردن وأتباعه يزعمون أنه ولد بلا خطية ولا ذنب. ؟
هذه الصور تبين أن الديانات التي سبقت اليهودية والنصرانية كانت تتخذ من التعميد وسيلة لتطهير النفس من الآثام.
والصور أيضا تظهر أن الصابئة والهنود لا يزالون يستخدمون مياه الأنهار الجارية في المعمودية. بينما تظهر الصورة الثالثة المصريين وهم يعمدون الشخص بسكب الماء على رأسه
ومن هنا نرى كثير من نصارى مصر لا يزال يحافظ على هذه الطريقة بسكب قطرات قليلة من الماء على رأس الطفل المعمد.

 

تفنيد شبهة إله القمر

الكاتب: العلامة المنار

  لا ينقضي عجب العاقل من فعل الكنيسة الحالية خصوصا كنيسة الأقباط المصريين، من التعدي على رسول وشتمه وإلصاق التهم الباطلة به، ومن جملة ما قالوه أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مشرك يعبد اله القمر ويعبد اللات والعزى.

ويستندون في ذلك إلى أمور :

أن كلمة الله ليست هي كلمة (إلوهيم) فإذن هي لا يقصد بها اله الدينيين المسيحي واليهودي فهو يعبد غير الله.

إن قصة الغرانيق تدل على أن الرسول عبد اللات والعزى حين مدحها.

إن اسم مكة يشبه اسم معبد بلقيس الوثني (المقة) في سبأ، فإذن هو يتبع ديانة الوثنين ولم يغيرها.

إن الكعبة التي أمر رسول الله بالتوجه إليها هي معبد اله القمر وفيه بناته الثلاث هو اتبع عبادة الوثنيين، خصوصا وان الكعبة عبارة عن حجارة والأصنام حجارة فإذن النبي يعبد الأصنام.

كثرة ذكر الشيطان وإبليس في القرآن وفي الروايات وهذا يعني تعلق الرسول بإبليس فإذن هو يعبده ويعبد بناته.

هذه أهم دعاواهم في الموضوع.

وكل عاقل لو نظر في هذه الدعاوى المضحكة والأدلة الساقطة فسوف يمجها ويعتبر أن قائلها مصاب بخبال يقيني، ولكن الغريب هو توفير الوهابية لكل ما يريده هؤلاء من تهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

و من يلاحظ استدلالهم يرى عجبا حيث يستدلون بالنقد والنفي على انه إثبات، مثلا يأتونا بكل الآيات النابذة للشرك وللأصنام ويدعون إن مجرد ذكر ذلك يدل على أن الإسلام دين شرك وتعلق بالأصنام، فما تقول لمن يستدل بالنفي على الإثبات؟ أليس المجنون أفضل حالا من هذا؟

من جملة ما يستدلون به حين يأتي ذكر احترام للسيدة مريم أو السيد المسيح عليهما السلام يقولون إذن ثبت بطلان نبوة النبي محمد لأنه مدح القديسين فهو على باطل!

هل رأيتم أعجب من هذا المنطق؟

ثم لماذا هذه الهجمة الشرسة من قبل الكنيسة؟

هل الإسلام تحرش بالكنيسة؟

هل غير المسلمون تقديسهم لعيسى ومريم؟

هل حدثت حرب بين المسيحيين والمسلمين؟

على كل ليس هذا موضوعنا وإنما أردنا أن نشير إشارة عابرة إلى الاعتداءات القذرة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي لا يوجد ما يبررها وإنما هي دفع للحرب المستقبلية والقتال على أساس ديني لإعادة الحروب الصليبية.

   نأتي إلى مناقشة حججهم الغريبة جدا :

  1- لفظ الجلالة أصله ما قبل سومر وبابل، وقد ثبت في الدراسات الأثرية والنقوش القديمة أن اسم الله كان في سومر (آن) ثم تحول إلى (إيل) ثم تحول إلى (إيلاه) انتقل إلى اليهود (إلياهو) والى العرب (ألله) وهو بمعنى الخالق المعبود، وكل دعاواهم انه بمعنى اله القمر كذب في كذب، واله القمر له أسماء معروفة ليس منها كلمة الله مطلقا، وأما (إلوهيم) هي ليست بمعنى لفظ الجلالة وإنما هي نداء لله بمعنى يا (الهي) وهي تقابل (اللهم) في القرآن فهي مذكورة في القرآن وليست كما يذيع الكذابون. فكل استدلالهم تلفيق في تلفيق. وكلمة الله بمعنى المعبود والخالق معروفة عند كل العرب موحدهم ومشركهم ولا يدل استعمال المشرك لهذه اللفظة أنها جزء من الوثنية، كما أن كلمة إلوهيم موجودة في فلسطين في زمن المسيح عند الموحدين والمشركين.



2- قصة الغرانيق قصة كاذبة مدسوسة على الإسلام ومن أثبتها فهو إما جاهل بمقاصد الأمويين الكارهين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو انه منهم، وهذه الرواية أموية بامتياز، وهي إحدى الاعتداءات على رسول الله. ومن يعتمد على أكاذيب بني أمية فهو اقل شأنا منهم.



3- أما اسم مكة وشبهه بـ (المقة) فهو من المضحكات فان اسم مكة في الجزيرة قبل مملكة سبأ، ثم أن مكة أنشئت على يد إبراهيم الخليل عليه السلام، وتكذيب رواد الكنيسة لكونها من صنع إبراهيم هو تكذيب من لا يعلم لا تكذيب من يملك دليلا. وادعائهم بان إبراهيم عليه السلام لم ينزل إلى الحجاز كذب محض، بل لعل فلسطين هي في الحجاز (بالستين) فهم لم يستطيعوا الرد على كتاب كمال صليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب) حيث يدل على أن إبراهيم نزل إلى الجزيرة واستمر إلى ما بعد الطائف والى عسير في منطقة خميس مشيط. وقد ذكر أن نبوخذ نصر حين هجم على اليهود ذكر في وثائقه انه نزل جنوبا ولم يذكر انه ذهب غربا؟؟!! وكلمة مكة أصلها بكة بتغيير الباء إلى ميم، وقد ورد هذا لاسم في القرآن: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}(آل عمران/97). ومعنى بكة هو: الهلكة أو الأرض المهلكة لانعدام مائها وزرعها، وهذا لا علاقة له من قريب أو بعيد بعبادة إله القمر الوثنية، وفي اللغات السامية ( مكة ) قيل هي مشتقة من (المك) وهو البيت، وقيل هي مشتقة من (ماكرب) أي المقرب إلى الله كما ورد في جغرافية بطليموس وعند بروكلمان، وعلى كل حال فان اللغات العربية والعبرية والسامية بشكل عام فيها مكة وبكة بمعنى الهلكة، وهو مناسب جدا لوضع مدينة مكة حيث كانت ارض خالية من الزرع والماء، وهي تعني الهلاك للبشر : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(إبراهيم/37). والوهابية يقولون أن مكة ومقة بمعنى واحد وهذا تسهيل لأعداء رسول الله. ولكن حتى لو ثبت المعنى فيصبح معبد المقة لا علاقة له باله القمر كما يدعون وإنما هو بمعنى الهلاك، وهذا ما يجب أن يفسر، حيث لا معنى لمعبد باسم الهلاك أو المهلك. فيكون كل أبحاثهم بهذا الشأن تلفيق في تلفيق.


4 -وأما قولهم بان الكعبة هي معبد اله القمر وبناته فهذا من أسخف الحجج، فان الادعاء هو عكس ذلك حيث أن مكة هي الأصل في عبادة الله، وإنما اتخذها الوثنيون مقرا لأصنامهم بعد سيطرتهم العسكرية وجهل الناس وميلهم إلى الشرك والوثنية، وقد استخدموا تقديس الناس لهذا المكان المقدس، فالمدعى عكس ما يقولون، ثم ما شأن احتلال المشركين للكعبة بان تتحول إلى مكان يجب نبذه كما يقولون، فان القدس وقعت تحت يد اليهود ويد المسلمين فعلى المسيحيين أن لا يعتبروها مقدسة بل هي مكان الإثم والرذيلة والشيطان والشرك، أيقبل المسيحي العاقل بهذا؟ مع أن فعل الرسول هو تكسير الأصنام وإزالتها والدعوة إلى نبذها وعبادة الله الواحد دون شرك، فهل يعتبر هذا دليل على عبادة اله القمر؟


5- وأما كثرة ذكر إبليس وحزبه والجن وغير ذلك مما لا يرى للبشر من مخلوقات، فهل سمعتم بان ذكر الشيطان بالذم يعني الاعتناء به ومحبته وعبادته؟ هذا أمر لا يحتاج إلا إلى ضحك على العقول التي تصدق هذا الكلام الخرافي. ثم ماذا سيقول هذا المسيحي بتعلق النصرانية بالأرواح والجن والشياطين ورسم صورها والاتصال بها وبراعة رجال الكنيسة بالسحر والصلة بالشيطان؟ فهل هذا عداوة مع الشيطان بينما تعوّذ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الشيطان يعني الارتباط به؟ فأين المنطق في هذه الأقوال، أنها أقوال خرافية لا تمت إلى الواقع والى المنطق السليم بصلة.

   فهذه خلاصة ما يقال في خلاصة أقوالهم والعاقل لا يفوته الكثير من التفاصيل في مناقشتهم

تعليق على مقالة تخطئة الوحي، لأحمد القبانجي

الكاتب: الشيخ مالك مهدي السويعدي     
      
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل القرآن هدى ورحمة للمؤمنين ، والصلاة
 والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الاطهار، وبعد،

 فقد ذكر هذا الرجل بغض النظر عن الدافع، سواء كان مدفوع من جهة ما سعيا وراء المادة، أو  سعيا وراء الشهرة تماشيا مع القول" خالف تعرف" قبل الخوض بتهريجات هذا الرجل، ابين على ان كل مواضيعه ومقالاته تسعى وراء شئ واحد وهو تضليل الجهلة، أو  من ليس له دراية بالدين. نحن استقينا علوم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله، ودرسنا الفقه وعلم الاصول وكيفية استنباط الحكم الشرعي من مداركه، ناهيك عن علم الحديث، وعلم الرجال، وعلم التفسير، ومعرفتنا التامة بايات الاحكام، وتفسير الايات والروايات بالنص، بعيدا عن الاجتهاد بالراي والنظرة السطحية لظواهر القرآن، والرجوع الى الراسخون في العلم عند الايات المتشابهة. 
 الإشكالية التي ترد على قصة  محاولة ابراهيم عليه السلام، طاعة امر ربه وكما يدعي بانها محاولة لقتل ابنه واعتراضه على حكمة المولى  تعالى، وانساب الخطا الى النبي ابراهيم عليه السلام، وعدم تفهمه لامر المولى، وارتكابه معصية القدوم على قتل طفل برئ، وأنه لو اطاع ما امر به بحسب المفهوم الخاطئ للاية الكريمه، فان ذلك ينافي قوله نعالى  (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).النحل 90 . حيث ان مفهوم النبي (ع) للاية ان الله يامر بالظلم ويدعو نبيه لقتل طفل برئ وهو مفهوم خاطئ، وان هذا النبي مخطا وغير معصوم، والمفسرين مخطئين، وهذا ما يدفع المسلمين لارتكاب الاعمال الارهابية، وقتل الابريل وان النبي إبراهيم (ع) قد سعى لارتكاب جريمة قتل النفس البريئة، بحجّة أنّ الله أمره بذلك لرؤيا رآها في المنام (قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ...) على حد تعبير المهرج .
 هذه الإشكالية البسيطة  تجعل المهرج،  يستدل بالقرآن الكريم، ويجادل بآياته، ويستغل دراسته لعلوم أهل البيت، من أجل نقد الفكر الإسلامي والدين. انني اعجب لهذا الرجل ماذا يريد ان يثبت لنا ،هل أنه يريد ان يثبت ان القرآن فيه اخطاء، وان الانبياء غير معصومين، وان الاحكام المنزلة من قوانين شرعيه ومدنية يجب ان تزال وتبدل وفق العرف، كما يبين في خزعبلاته, كيف ينتقد الدين ويستشهد بالقرآن الكريم، ومن تناقضاته أنه يدعو لفهم الدين بصورة ادق، والدليل على كفره واضح باستنكاره للامر الالهي والقرآن، كلما يريد اثباته، هو النظرية الغربية التي تمنع من استعمال الحق الشرعي، والمدني، والقانوني بالدفاع عن النفس وتسميته( بالارهاب) ومما اعجب منه واضحك ببلاهة عجيبة، ما يدعيه غيره، ويتهجم على الإسلام ويتهمه بأنه عنف، ويحرق القرآن الكريم ولا احد يرد عليه برد عنيف، خوفا من الاتهام بأنه تشجيع للارهاب اولأن حرق اللقران- وهو كلام الله المنزل- سواء كان بالواقع بذهنه أنه الحق، أو  لم يكن، بكلا الحالتين هو تجريح لمشاعر اكثر من مئتي مليون مسلم في العالم.
ولا اعتقد ان اي دين سماوي يسمح بذلك. واعجب ايضا على الحكومة بالسماح لهذا الرجل بالظهور امام الاعلام، علما بانها تعطي الحق لأي انسان ان يقدم شكوى ضد العنصرية، سواء كانت ضد الدين، أو  اللون، أو  اللغة وغيرها. فكيف تسمح بذلك؟ أليس التجريح بالدين عنصرية؟. المهم لا أريد ان اخرج عن نطاق الموضوع، لكن الاجابة بسيطة لهذا العنصري- وهي ان نساله عن سبب ذلك.
فيجيب بأن الإسلام يستعمل العنف. اقول اذا كان فهمك بأن الإسلام يستعمل الجهاد، أو  الدفاع عن النفس، وتسمي هذا الدين عنف اذن فربك يستعمل ذلك وهو ارهابي ايضا، حاشاه تعالى المولى العدل، لان المولى يضع الكافرين بالنار، والظالمين، والمعتدين بالاضافة الى ان اي حكومة بالعالم، ضمنها حكومته، تضع المجرم، والمسئ في السجن. واحيانا تحكم عليه بالقتل، بالكرسي الكهربائي. أليس هذا عنفا؟ طبعا فهمه خاطئ لتفسيره للدفاع عن النفس، وقوله واعتراضه الى ان المسلمون هدموا، ودمروا بنايتين في نيويورك. وقتلوا اكثر من الف برئ. اقول قبل كل شئ الإسلام لم يفعل ذلك, ومن فعل ذلك لايمثل الإسلام . واحب ان اعترض على كلامه واساله ايضا: واعلق مثلما يحق له التعليق، ويحلوا له التشنيع, هل ان الجيش الامريكي, وهو حكومتك, عندما دخلت العراق في حرب الخليج دمر كل الابنية, وليس بنايتين. أليس هذا ارهابا؟ اذا كنت تفسر كل عنف هو ارهاب . ام قتلهم مليونين عراقي مدني انذاك, أليس عنفا؟ ام ما يقع في اسرائيل, وقتلهم الاطفال والنساءأليس ارهابا؟ وليست هذه مقارنة، لكن على سبيل الاجابة، والتعليق على كلامه.
هل ان بنايتين اعظم من كل الابنية وكل الجسور بالعراق؟ ام ان الف شخص قتلوا، اكثر عنفا من مليونين شخص قتلوا في العراق؟ وتسمي العنف ارهاب، وتدمج الدفاع عن النفس والجهاد بالارهاب . اسف لخروجي عن وحدة الموضوع وترابطه وارجع للاجابة لهذا المهرج, لكن اضطرارا لأنه يتعلق بذلك كون المسالة الاساسية هي الارهاب واتهام فهم المسلمين الخااطئ للاسلام وارجع للاجابة لهذا المهرج  كما يدعي:

اولا: الاية الكريمة من سورة النحل الاية 90 نزلت بالامر بالعدل، اي المساواة ان خير فخير، وان شر  فشر، وهو مقابل للظلم. والاحسان باتيان ما فيه الصلاح، وذي القربى افراد الاحسان، والنهي عن ما عظم قبحه، والمنكر ما انكره الناس لقبحه، والبغي ما يطلب بالتعدي. والمفردات واضحة،  نزلت الاية الكريمة، بتوجيه الناس باتباع ذلك، ولا تخص عموميات الاوامر الالهيه, مع ان كل الاوامر الالهية عدل. والاية الكريمة {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108)}الصافات  بخصوص الرؤيا  ليست امرا بايتاء الفحشاء، أو  المنكر، وقتل الابرياء، والارهاب، وحث الناس الى ذلك، بل الغاية والمقصد هو  ليس امرا بالمنكر، لان الباري عز وجل، يامره بالطاعة والامتثال لامره، لا للذبح الحقيقي، لان المقصد هو الاختبار. واحيانا الايات القرآنية تنسخ، واحيانا فيها بداء. لكن هنا الاية ليس كذلك، ومع هذا فظاهر الاية  بالنسبة للقبانجي أنه يامر بشئ فاحش لكن الحقيقة أنه ليس فاحشا، لان الاختبار ليس فحشا. والله يعلم أنه يختبر، كما في قصة الخضر، وموسى عليه السلام حينما امره بشئ يعتقد بأنه منكر، والناس تستنكر الاذى للسفينة، أو  ذبح غلام، كما هو وارد في القصة والعدل الالهي واضح.
لكن الظاهر ان المهرج فاته ما درس في العقائد، عن الشرور ضمن موضوع العدل الالهي. يا ترى هل ان الله ظالم حينما يبعث الزلازل؟ طبعا الحكمة الالهية تقتضي ذلك، لكن جهلنا بالامر يغشي الحق علينا لان الزلازل التي حدثت في ايران، سبق وان اكتشف الاجانب من بين ضحايا الزلزال، شخصا يحمل جرثومة، لا يستطيعون معرفة فتكها للبشرية جمعاء.
يا ترى عقلك الخفيف يوحي لك بقتل سبعمائة شخص، أو  اكثر افضل، ام قتل المجموعه البشرية باكملها. طبعا هؤلاء الناس لهم ثوابهم حسب استحقاقهم، ولا يضيع الله اجر المحسنين، ولا يعذب على قدر،أو  قضاء محتم، فالاية الكريمة  تامر بالعدل، وهو الاقتداء بالامتثال لامر الله، وليس كما قام اصحاب القرية بالاعتراض على امر الله، لحرمانهم من الغنى والثروة، لعدم معرفتهم اقتضاء الحكمة الالهية.الفقر لا يعني ان الله ليس حكيما، فافاض عليهم بالغنى، لكن بعدما سعى كل منهم لشراء الطعام، والمحتاجات، لم يجد من يبيع ويخدم لان الجميع اغنياء، غير محتاجين للعمل، والكد، والعناء فاحسوا بالجهل، ودعوا الله لارجاعهم للاختلاف بالطبقات، سواء الفقر، أو  الغنى، فعرفوا الحكمة. والقرآن الكريم ملئ بالايات الكريمة كما في قصة نوح، عندما اعترض قومه،على ان الله باستطاعته أهلاك الكفرة، واحياء المؤمنين فقط. فصنع النبي عليه السلام السفينه، ونجوا لكن رجعوا للكفر والعصيان، باغواء الشيطان.
فالحكمة الالهية واضحة، ولا اعتراض لحكمه.
وليس الحق بعدم تفهمنا للحكمة من الايات يقتضى تكفير، أو  خطأ، الانبياء
 والحمد لله رب العا لمين